القائمة

الرأي

غنيمة الربيع العربي

هل كان الربيع العربي مجرد حمل كاذب ؟ هل سرق الأصوليون هذا الربيع وحولوه الى خريف كئيب بلا حرية ولا ديمقراطية ولا تنمية ؟ هل كان المتحمسون الى تغيير خارطة الاستبداد العربي مجرد مغفلين سذج صدقوا ان المجتمعات العربية والأمازيغية والكردية ... يمكن ان تلد موجة رابعة من الديمقراطية على غرار ما وقع في اوروبا الشرقية مطلع التسعينات من القرن الماضي.

نشر
DR
مدة القراءة: 4'

كل هذه الأسئلة مشروعة لكن ما هو غير مشروع هو تصديق حكاية ان تستمر السلطية العربية حاكمة الى اخر الزمان على شعوب فقيرة وخائفة ومهمشة وبالكاد تؤمن لقمة العيش.

الربيع العربي مازال في بداياته والذي صدق ان الديمقراطية كثقافة ومؤسسات وفلسفة حكم ستقوم في اليوم الموالي لهرب بنعلي او تنحي مبارك او مقتل القذافي او إحراق على عبد الله صالح او اعلان الحرب على الاسد واهم. التحولات الكبرى في المجتمعات تنضج على نار هادئة وليست أكلة هامبورغر تطبخ في دقائق وتوكل في دقائق.

مسار التحول نحو دولة الحق والقانون ومجتمعات الحداثة والحرية ومؤسسات التعاقد الاجتماعي مسار طويل ومعقد وفيه خطوات الى الامام وخطوات الى الوراء وفيه تداخل عجيب لممارسات من الماضي وأخرى من الحاضر لكن اتجاهه العام هو التحول الديمقراطي.

المجتمعات العربية مخترقة بافة القبلية والطائفية والمذهبية والتسلطية وعلى مدار قرون عاشت وتعايشت مع هذه الفيروسات لدرجة ان هذه الامراض خلقت في الجسم العربي مضادات حيوية للإصلاح .

الذي يريد ان يجري كشفا لصحة هذه الدول ما عليه الا ان يطلع تقارير التنمية البشرية التي أعدتها الامم المتحدة عن كل الدول العربية في العشر سنوات الماضية. وسيكتشف حجم التصحر السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي ضرب هذه القطعة الجغرافية من العالم والتي تعيش منفصلة تماماً عن العصر وقيمه وتطوره ورقي أممه.

هذه التقارير هي أكبر ( مانفيستو) ثوري صدر ضد أنظمة الاستبداد العربي في العقد الاخير ولهذا فان سقوط هذه الأنظمة او ضعفها كان منتظرا ولا يجب ان نبكي على زوالها لان الذي وصل بهذه المجتمعات الى ماهي عليه الان هي هذه الأنظمة.

الان دعونا من حكاية (لا تغير صاحبك الا بما هو أسوء ) ولن مر الى تجربة الإسلاميين الذين يحكمون جل دول الربيع العربي الان. اولا هؤلاء ركبوا على ثورة الشباب ولم يقودها ولو لم يتحرك هؤلاء الشباب لظلت هذه الأنظمة سنوات اخرى في مكانها لان الإسلاميين وان كانت شعبيتهم كبيرة فان سمعتهم كانت سيئة جداً في الخارج وفي جزء من الداخل.

ثانيا الإسلاميون أبناء بيئتهم ولم تستوردهم هذه المجتمعات هنا ولدوا وهنا كبروا وهنا تعلموا وهنا اعتنقوا الفكر الديني الذي يحركهم وهم صعدوا الى كراسي الحكم بواسطة انتخابات حرة هي الاكثر شفافية في كل الانتخابات التي سبقت وصولهم الى الحكم. ثالثا الإسلاميون اليوم ارتكبوا أخطاء كثيرة في إدارة الحكم وأولها استعجالهم في الإمساك بعصا السلطة وليس آخرها عدم توفرهم على مشروع (نهضة ) لهذه الامة. لقد وجدوا ان كل الثرات الفكري والسياسي الذي راكموه في سراديب المعارضة لا يصلح لإدارة وزارة واحدة فكيف بدولة لهذا رايناهم يقفون على أعتاب المؤسسات الدولية يطلبون الإعانة ورأناهم يبتلعون نقدهم لأمريكا ويتمسحون بها طبعا للإعانة.

كل هذا صحيح لكن الصحيح أيضاً ان خصومهم من الليبراليين واليساريين والعلمانيين والعروبيين ليسوا افضل حالا منهم بالعكس الإسلاميين مع كل عيوبهم لهم تجذر في القاع الاجتماعي ليس لخصومهم الذين يظهرون وانهم نبتة حائطية بلا جذور. يقول مارك لينش، وهو خبير في شؤون الشرق الأوسط بجامعة جورج واشنطن ومؤلف كتاب «الثورة العربية: الثورات التي لم تنته في الشرق الأوسط الجديد»، إنمأساة يسار الوسط العربي معقدة للغاية، لأن الكثير من العلمانيين والنخبة السياسية المتشبعة نظريا بثقافة الغرب والذين يمكنهم قيادة أحزاب جديدة تمثل يسار الوسط، قد «أضعفتهم علاقاتهم بالأنظمة السابقة وشوهت صورتهم في أعين عامة الشعب».

في كل هذه الصورة القاتمة هناك نافذة يدخل منها بعض النور. مساحة الحرية الموجودة اليوم في مصر وتونس وليبيا واليمن والمغرب .... اكبر مما كانت امس. وهذا ليس لان الإسلاميين هداهم الله الى احترام هذه النعمة. بل لان المجتمعات صارت اقل خوفا من السلطة ولم يعد الناس يقبلون ان يغلقوا أفواههم ولا يفتحوها سوى في عيادة طبيب الأسنان. هذه هي غنيمة الربيع العربي الباقي سيأتي مع الزمن ومع النجاح والفشل ومع الوقوف والسقوط ،المسلسل مازال في بدايته.

منبر

توفيق بوعشرين
صحافي
توفيق بوعشرين
الفراعنة ووربهم الأعلى
الكاتب : MPHilout
التاريخ : في 29 أبريل 2013 على 21h38
أيها السيد المحترم توفيق بوعشرين

إنني أتفق مع هذا التحليل لحال التغير الذي طرأ بشمال إفريقيا ومع القول أن جرأة الخطاب للشباب وللكهلة من العرب والقبط والبربر لم تعد كما سبق

لكنني متشاءم لأنني أرى الشيء نفسه يتكرر والمرض العضال بأنفسنا كأعضاء شعوب وليس كرواد فحسب ما زال كما مضى وكما عايشت انتفاضات أخرى في منتصف الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي

وهذا المرض العضال يمكن تلخيصه كما يلي : لم نفهم بعد أن الحرية الفردية غير الأنانية وغير الليبرالية وغير الأنحياز للغرب بل أساس ليس من مقومات شخصيتنا المبنية على رمال البيداء منذ جدنا الأعرابي

بكلمة أخرى، يتوق الشمال إفريقيون إلى التحرر من الإستبداد وينجحون في التخلص من بضعة فراعنة ولكنهم يبتسمون وينافقون أنفسهم عندما أسألهم السؤال الذي لا مفر منه : "تخلصتم من فرعون وبعض أعوانه ومتى ستتخلصون من ربهم الجبار القهار المهيمن المسيطر والمتكبر عليكم جدا جدا ؟؟

هذا هو السؤال الذي لا نحل لأنفسنا أن نطرحه على أنفسنا أمام الملإ
فهل من مجيب أم نحن ما زلنا في عالم الموتى منذ أربعة عشر قرنا ؟