القائمة

الرأي

الكلام العريان

"الكلام المرصّع فقد المذاق

والحرف البرّاق ضيّع الحدّة

ياك الذلّ محاك يا سيدي عفاك

و كلمة عفاك ما تحيّد شدّة" شهرمان وغناء جيل جيلالة

بالأمس كان لدينا "لكلام لَمْرصَّع" واليوم لا يوجد لدينا سوى "لَكْلام لعريان"..

كان الكلام مرصعا بلآلئ المعنى بصدق التعبير عن الحب، اللعب والحياة.. كان لدينا "الكلام المرصع"، حين كانت الكلمة هي الرجل رغم أنها أنثى في المبنى (وعُذْراً لكل مفرط شديد الحساسية من بقايا تقسيم العمل بين المرأة والرجل، فالرجل هنا يحيل إلى معنى غير ذكوري)، كان الرجل هو الكلمة، وكانت الكتابة ولادة بعد مخاض عسير، وكانت الصحافة ككتابة مهنة للمتاعب وللولادات الصعبة.

نشر
DR
مدة القراءة: 4'

كانت الورقة أنثى والقلم ذكراً، هو لباس لها وهي لباس له، ومن تزاوجهما تولد حرقة الكتابة، ومنها الكتابة الصحافية..

كانت الكتابة رمزاً للفحولة، لذلك لم يؤمن الكثيرون بأسبقية أنثى مثل الشاعرة نازك الملائكة لتكون رائدة الشعر الحر، حتى ولو جاءت بديوان كامل، وكان يكفي أن يصدر الشاعر الذكر بدر شاكر السياب قصيدة واحدة عام 1948 تحت عنوان "هل كان حبا" ليقع النقد في شرك حق الأسبقية للقصيدة/ الأنثى التي كتبها ذكر، أو للديوان الذكر الذي أمهرته بتوقيعها نازك الأنثى.. نفس الشيء حدث مع أحلام مستغانمي، إذ تم التشكيك في صحة نسب رواية جميلة في حجم "ذاكرة جسد" للأنثى أحلام، ونسجت روايات حول وجود ذكر حتى لو كان "عابر سرير" وراء إنتاج رواية أحلام مستغانمي، من نزار قباني إلى سعدي يوسف الذي لمح للعمل الإبداعي ذاته في "حانة القرد المفكر"..

كانت الصحافة أنثى، والكتابة كذلك بينما القلم ذكر والكلمة هي الرجل.. اليوم في زمن الكومبيوتر، لم نعد نستطيع التمييز أين الذكر من الأنثى في الكتابة وأدواتها، أين الذكر من الحاسوب؟ هل هو الشاشة أم الفأرة أم لوحة المفاتيح أم القرص الصلب؟ فالحاسوب لا قضيب له..

لذلك أضحت الكتابة ذاتها باردة، بلا قلب ولا وجع، بلا حب ولا مخاض ولا ولادة.. كتابة منسوخة/ ممسوخة كسولة وبليدة، بلا أوصال ولا جذور، كتابة جامدة مثل قبر من رخام، صامتة مثل صخرة صماء، ملساء مثل جبل في القطب المتجمد..

بالأمس كان الكلام مرصعا بجواهر المعنى وبحرقة القلب، والكلمة رجل تكتب بقضيب، هو القلم حتى لو كان بيد أنثى، وكان الكاتب أو الكاتبة قد قلمه (ا)، قد كتابته (ا)، يحتفي باسمه ممهوراً على أجنة، قبل أن ترى النور، يظل يرعاها بحرص العشاق ونبل الأنبياء...

اليوم أضحت الكتابة، وأخص بالذكر الكتابة الصحافية، بلا قلب.. صحافيون نابتون مثل الفطر، يتركون دروسهم حول المهنة وراء ظهورهم في قاعات الدرس، ويقترفون مهنة الصحافة عن سابق إصرار وترصد، ويكتبون بلا وجع، لا يرهبهم البياض الممتد أمام أعينهم مثل صحراء كل قطعة منه متاهة، لأنهم هنا أمام الحاسوب في زمن التقنية، لديهم كل مفاتيح الكون مع لوحة المفاتيح والشيخ كوكل الذي يبرر الشيء ونقيضه: الموت والحياة، الدال والذال، الحقيقة والكذب... لا حسيب ولا رقيب في زمن النعجة دولي...

كان الكلام مرصعا والكتابة مسؤولية أخلاقية تجاه الذات قبل المجتمع، أما اليوم فنحن أمام الكلام العريان، أي الكلام الخالي من أي حس نقدي/ أخلاقي/ معرفي.. لا سلطان على الكلام اليوم.. سدنة المعنى توارت في الغياب، وما بقي من أحلام الربيع الصحافي انغمسوا في صراعات المواقع، وحماية مصالح المؤسسات الاقتصادية، وأضحى المعنى آخر اهتمامهم، وبارت الأيام مع جيل صحافي يقترف المهنة بوجه سافر وبلا وجع أو حرقة.. مثل داعرة تفتح فخذيها لعابري السبيل، أضحت مهنة الوهم الأكبر، التي هي الصحافة، للتجار الصغار الذي يفتتحون دكاكين للربح السريع، الذين يقتاتون على الماخور الأكبر للمجتمع من أوجاعه الهامشية، ما هو السؤال المركزي لأكبر المؤسسات الصحافية اليوم.. هل هو الكلام المرصع؟ الحرقة المهنية لتطوير الصحافة وأخلاقياتها؟ الانتساب إلى الحقيقة مهما ارتفعت تكلفتها وضرائبها التاريخية؟ أبدا!

إنه الكلام العريان، من المعنى والحقيقة، من المعاناة والصدق.. إنه الكلام العريان من الولادة الصعبة، المؤمن بأوالية كسب الربح على وجع الحقيقة، المرح زيادة على اللزوم بالجني المادي السريع، بدل المكاسب الرمزية للمؤسسات الصحافية في إنتاج المعنى والانتصار للحقيقة والمساهمة في تطوير الوعي الاجتماعي والسياسي للرأي العام.

الكلام العريان ينتجه صحافيو الكوكوت مينوت، ما تساقط من أوراق خريف المعنى، المتسولون أمام أعتاب المؤسسات الاقتصادية، الناسكون الخاشعون في محارب المال، ضد المبادئ النبيلة التي وُجدت من أجلها الصحافة...

ويا قلبي، ما لي أنا لا.. أصخرة لا تحركها كل هذه الأغاريد، لم لا أدخل رأسي مثل النعامة في الرمل وأقول اختبأت من صهد الأيام، وأضع رأسي بين قطيع الجماعة وأنادي السياف: "فينك أقطاع الريوس"؟

وهل تبقى لي رأس لأفكر في كل هذا الخراب، لأنتج مثل ت. س.

إليوت قصيدة تليق بكل هذا الخراب، ومالي مثل نائحة لا أتعلم الزغاريد في زمن الكلام العريان بدل الكلام المرصع..

منبر

كوكاس عبد العزيز
رئيس تحرير أسبوعية المشعل المغربية
كوكاس عبد العزيز ...
كلام مفيد وإن كان منضوضا عبر الكمبيوتر
الكاتب : MPHilout
التاريخ : في 18 يونيو 2013 على 23h51
أخانا عبد العزير
وسع قشابتك
لك مكانك بل مكانتك وللآخرين مكانهم

فلم نقلل من قيمة المطبوخات السريعة التي تجعلنا نتذوق طبقا فاعلا تاركا مثل طبقك هذا ؟

إنني أفضل الكميوتر لأنه يسمح لنا بتصحيح وتغيير رأيينا متى شئنا وهاته حرية لم أكن لأحلم بها عندما بدأت الكتابة بلقلم والصماغ
ولقطيب ديال لفقيه

والكمبيوتر معناه كذلك الإنفتاح على أكثر مما ترصعه ولا تعريه أقلامنا العربية والإسلامية التي ما زالت تعيش في عالم منغلق تلفه سبع سماوات طباقا وتهاب العري.

فالكميوتر والحمد لأمريكا وخاصة لآي بي إيم ومايكرو صوفط فتح علينا أبواب ونوافذ العالم : نوافذ فنوافذ وما أدراك ما النوافذ ؟