القائمة

أخبار  

دياسبو #413: "شيخة" لزهوى الراجي وأيوب اليوسفي.. رحلة قصيرة تحقق نجاحا عالميا

لم تشعر زهوى الراجي يوما بأنها أقرب إلى عالم متنوع مثل ذلك الذي ينتمي إليه والدها ووالدتها، القادمان من المدينة القديمة في الدار البيضاء. قبل توجهها نحو الإخراج، جابت الفنانة المولودة في بروكسل العالم بكاميرتها، مستكشفة التصوير الاجتماعي وتصوير الأزياء على حد سواء. هذه الرحلة اللامحدودة غذت رؤيتها الفنية، وجعلتها تتأمل التجارب والخيالات عند ملتقى التفردات مع التراثات الثقافية.

 
نشر مدة القراءة: 5'
زهوة راجي

مع ثمان وأربعين مشاركة دولية وإحدى عشرة جائزة، حقق فيلم "شيخة" لزهوى الراجي وأيوب اليوسفي نجاحًا عالميًا لافتا، إذ حظي بإشادة واسعة أينما عُرض، بوصفه تجسيدًا حقيقيًا لعالمية السينما. في خمسٍ وعشرين دقيقة فقط، ينطق الفيلم القصير بلغة إنسانية صافية، مقدّمًا رؤية عن التنوع تتجاوز الحدود الاجتماعية والثقافية، وتعبّر بصدق عن تجارب الفرد في مواجهة مجتمعه.

يشكل هذا العمل المشترك ثمرة رؤية إبداعية منسجمة بين المخرجة والممثل والمصوّرة، في خطوة أصيلة ومفعمة بالصدق الفني. زهوى، المولودة في بروكسل والمنحدرة من الدار البيضاء، تستلهم ذاكرة المدينة القديمة التي ينتمي إليها والداها لتشييد عالم فيلمها، وتستكشف من خلالها هوية سينمائية جديدة تنسج بين الجذور والانفتاح على العالم.

بين شظايا الذكريات، وتأملات الطفولة، والبناءات الاجتماعية، والتعبيرات الفنية المتحرّرة، يسبر الفيلم عوالم داخلية متشابكة تعيد رسم خيوط الحكاية بأسلوب حِرفيّ دقيق. وتدور القصة حول "فاتن" (غيثة كبيري)، شابة حاصلة على شهادة البكالوريا، ممزّقة بين الاستمرار في إرث والدتها كـ"شيخة" — مغنية وراقصة شعبية — وبين الخضوع لرغبة صديقها يوسف (أسامة فال) في أن تسلك حياة أخرى أكثر "احترامًا" في نظره.

من خلال هذه المفارقة الإنسانية، يقدّم "شيخة" تأملًا عميقًا في مسألة الهوية، واختيارات المرأة، والحرية في التعبير عن الذات، مؤكدًا أن الفن قد يكون أحيانًا الطريق الأكثر صدقًا لاكتشاف المعنى الحقيقي للتحرّر.

Chikha, un film de Zahoua Raji et Ayoub LayoussifiChikha, un film de Zahoua Raji et Ayoub Layoussifi"شيخة" فيلم لزهوى الراجي وأيوب اليوسفي

تعبير عن الثقافة المزدوجة

خلف الكاميرا، تمزج زهوى الراجي بين عشقها للسينما وشغفها بالفنون البصرية والشعبية، خصوصًا فن العيطة. تصف نفسها بأنها "طفلة التلفاز"، إذ اعتادت منذ صغرها مشاهدة أفلام الثمانينيات والتسعينيات رفقة والدها، الذي كان بدوره مولعًا بالفن السابع. تقول في حديثها لموقع Le360 إن "النقل الثقافي تمّ عبر ازدواجية هويتي، لذلك لا أتصور السينما إلا من خلال التنوع والانفتاح".

تستلهم زهوى من أفلام أمريكية خلدت أسماء مثل داستن هوفمان، ومن الإنتاجات المصرية التي جعلت من فاتن حمامة أيقونة لعصرها. وتعيد المخرجة المشتركة توظيف هذه المرجعيات في "شيخة"، بدءًا من اسم بطلتها وصولًا إلى روح الشخصيات التي تحمل ملامح إنسانية قوية وتكسر الصور النمطية. أما ذكرياتها المغربية، فتنصهر في الفيلم من خلال حسّها العميق بالانتماء، وتجسيدها لنساء يتحدين الأحكام المسبقة بقوة وكرامة.

وتقول زهوى: "بقدر ما شعرت في عطلي المدرسية بالمدينة القديمة أنني أعيش داخل رواية اجتماعية لنجيب محفوظ، كنت أشعر في حيّي ببروكسل أنني في عالم إدوار لوي، الذي كتب عن فقر قريته وطفولته". وتضيف: "تأثرت كثيرًا بروح التعاون واللطف بين الجيران في المدينة، ذلك التعليم الشعبي للعيش المشترك، حيث يتعايش الناس رغم اختلافاتهم دون أحكام أو إقصاء".

Dans Chikha, l'artiste populaire Sanaa Gueddar a joué son propre rôle, en incarnant le personnage de NadiaDans Chikha, l'artiste populaire Sanaa Gueddar a joué son propre rôle, en incarnant le personnage de Nadiaفي فيلم شيخة، جسدت الفنانة الشعبية سناء قدار شخصية نادية

تُترجم هذه الاستحضارات في السيناريو المشترك بين يامينة زارو وأيوب اليوسفي، كما تتجلى في الجمالية الخاصة بالعمل، المتأثرة بالممارسات الفوتوغرافية للمخرجة، التي درست في الأكاديمية الملكية للفنون الجميلة في بروكسل. وتؤكد زهوى الراجي: "بعيدًا عن التدريب الذي لم أنهه، أجد أن الدار البيضاء لعبت دورًا رئيسيًا في الجمالية التي أتقنها اليوم. أنا دائمًا مستوحاة عندما أذهب إلى المغرب".

يمكن القول إنها مقتنعة بأن "السينما يمكن أن تحرك العالم، مثل الرسم والفن والكتابة التي تشكل العقليات وطرق التفكير ورؤية الأشياء". وفي "شيخة"، توظفها لتقديم رواية متوازنة وتفكيك الأحكام المسبقة التي تربط دائمًا الشياخة بأوساط مثيرة للجدل.

"لدي إعجاب خاص بالشياخة منذ طفولتي، مع الأجواء الاحتفالية للأعراس في الصيف. لطالما رغبت في العمل عليها. قادني التصوير الفوتوغرافي في نهاية المطاف إلى إنتاج الفيديو، الذي ألتقطه كسلسلة من الصور. تأثرت صورة الفيلم بذلك، خاصة أنني أستحضر عالم الذكريات".

 زهوى الراجي

صدى دولي

بخبرته التي تجمع بين الخيال والوثائقي والتمثيل، دعم أيوب اليوسفي الفنانة في تجربة تحولت لاحقًا إلى نجاح ملموس. تقول زهوى الراجي: "بدأنا المشروع في عام 2020 وتحققت بقية الخطوات بسرعة. حصلنا على دعم من المركز السينمائي المغربي، ومن سينما مسرح الدولية في المغرب، ومن هاباكس برودكشنز في فرنسا، وعلى التلفزيون حيث بثت قناة فرنسا 2 فيلمنا القصير في يناير 2025".

تعرب المخرجة عن سعادتها بالجوائز التي حصدها الفيلم في المملكة المتحدة وبلجيكا وفرنسا وإيطاليا وبولندا وهولندا، إضافة إلى المغرب، كما تثمّن الردود الإيجابية التي تلقتها من المحترفين والجماهير في مصر والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة والسويد والسنغال وغيرها من البلدان.

وتضيف زهوى الراجي: "أنا أكثر تأثرا بردود فعل مواطنيّ، واستقبالهم في خريبكة ومراكش وزاكورة حيث تم تكريم الفيلم القصير، أو في المهرجان الوطني الخامس والعشرين للفيلم في طنجة حيث تم تمييزه مرتين". وتشير إلى أنها، مع المخرج نفسه، بدأت الآن العمل على مشروع فيلم طويل جديد.
 

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال