خلال العقد الأخير، انتقلت الخلافات المغربية الجزائرية من المجالات السياسية والاقتصادية إلى ساحة جديدة لا تقل حساسية، هي ساحة الثقافة والتراث. فقد أصبحت منظمة اليونيسكو، التي يفترض أن تكون فضاء لحماية الذاكرة الإنسانية المشتركة، مسرحا لمواجهات متكررة بين البلدين حول تسجيل عدد من عناصر التراث المادي واللامادي، من الكسكس إلى الراي والزليج...، وصولا إلى النقاش الحاد حول القفطان.
تراث عابر للحدود وخلافات مستمرة
لا يعترف التراث بطبيعته بالحدود السياسية ولا يخضع للتقسيمات والحدود التي وضعت بعد جلاء الاستعمار. فهو نتاج قرون من التفاعل الإنساني، وتتشارك الشعوب في صياغته وتداوله. غير أن هذا المشترك لم يمنع في خلق حروب بين المغرب والجزائر في المنظمات الأممية.
بدأت القصة عام 2016، عندما تقدمت الجزائر بمفردها إلى اليونيسكو بطلب تسجيل الكسكس كتراث جزائري. وقد أثارت هذا الخطوة خلافات حادة بين البلدين على أعلى المستويات، وغذت الدعاية الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي هذه المواجهة وزادت من حدتها.
وفي نهاية 2018، اتهم رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى المغرب بمحاولة "احتكار الكسكس وإظهاره على أنه طبق خاص به"، ورد عليه آنذاك مصطفى الخلفي الناطق الرسمي باسم الحكومة، قائلا إن الواقع يؤكد أن الطبق مغربي.
وبعد اشتداد الخلافات توصل البلدين إلى حل مرض، ففي حدث نادر، قدمت الجزائر والمغرب وموريتانيا وتونس ملفا مشتركا إلى اليونيسكو، ولم يشمل الملف أي وصفة محددة لإعداد الطبق، تجنبا للخلافات.
وفي سنة 2020، تم تسجيل الكسكس باسم المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا، من قبل اليونيسكو في قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية.
وفي سنة 2016 أيضا، قدمت الجزائر طلبا إلى اليونيسكو بشكل منفرد من أجل تسجيل فن الراي المنتتشر في شرق المغرب وغرب الجزائر، تراثا غير مادي موطنه الجزائر، وهو ما اعترفت به المنظمة الأممية سنة 2022.
الزليج.. ملفين منفصلين واتهامات متبادلة
وفي أبريل من سنة 2024، أعلنت الحكومة الجزائرية عن تقديم ملف "فن الزخرفة المعمارية بالزليج، خزف مينائي: المعارف والمهارات المرتبطة به" لإدراجه بإسم الجزائر في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية لدى اليونسكو.
وبعد أسابيغ من ذلك أعلنت وزارة الشباب والثقافة والتواصل المغربية عن استعدادها لترشيح "فن زليج فاس وتطوان" للتسجيل على لائحة التراث الثقافي غير المادي لليونيسكو.
وقبل تقديم الترشيحين المنفصلين، كان موضوع الزليج قد أثار موجة من الجدل والاتهامات بين المغرب والجزائر بعدما قامت شركة أديداس المتخصصة بالملابس الرياضية، سنة 2022 بوضع أنماط من الزليج على أقمصة خاصة بالمنتخب الجزائري لكرة القدم.
واتهمت وزارة الشباب والثقافة والتواصل المغربية آنذاك، الشركة بسرقة أنماط لـ "الزليج المغربي" في تصاميم خاصة بأقمصة رياضية مع نسبها للجزائر، وقامت بتوجيه إنذار قضائي للممثل القانوني لشركة أديداس.
وردت الشركة بأن "التصميم كان مستوحى بالفعل من نمط فسيفساء الزليج، ولم يكن يقصد في أي وقت الإساءة إلى أي شخص". وتابعت "نود أن نعرب عن احترامنا العميق للشعب والحرفيين في المغرب ونأسف للجدل الدائر حول هذه القضية".
القفطان.. خلاف طويل ينتهي بنصر مغربي
في 4 دجنبر 2024، وضعت الجزائر ملف "الزي النسوي الاحتفالي للشرق الجزائري الكبير: معارف ومهارات متعلقة بخياطة وصناعة حلي التزين – القندورة والملحفة" لتسجيله لدى اليونيسكو، وأدرجت في تفاصيله القفطان، وهو ما جعل المملكة تتدخل "لإفشال محاولة جديدة للجزائر ترمي السطو على التراث غير المادي المغربي".
وقدمت وزارة الثقافة المغربية اعتراضا لدى اليونيسكو، ضد محاولة "إدخال صورة لقفطان النطع المغربي في ملف يهم زيا جزائريا"، بحسب بلاغ لوزارة الشباب والثقافة والتواصل المغربية.
واعتمدت اللجنة الحكومية لصون التراث غير المادي، اعتراض المغرب، وقررت سحب صورة القفطان المغربي من الملف الجزائري. واعتبرت الوزارة آنذاك أن اليونيسكو بقرارها هذا تكون قد "أقرت بسرقة جديدة للجزائر للتراث المغربي وهي ليست المرة الأولى".
وبعد أيام فقط قدم المغرب ملف ترشيح القفطان المغربي لإدراجه ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية، ويوم أمس 10 دجنبر 2025 وافقت لجنة صون التراث غير المادي التابعة لليونسكو، على ملف المغرب، واعتبرت وزارة لثقافة المغربية أن هذه الخطوة تشكل "تتويجا لجهود المملكة في صون وتعزيز تراثها الثقافي".
? BREAKING
— UNESCO ?️ #Education #Sciences #Culture ?? (@UNESCO) December 10, 2025
New inscription on the #IntangibleHeritage List: Moroccan Caftan: art, traditions and skills, #Morocco??.
Congratulations!https://t.co/xoL14QknFp #LivingHeritage pic.twitter.com/4PY2xX7RwZ
المغرب والجزائر معا
ورغم هذا الخلاف المزمن، إلا أن البلدين يوجدان جنبا إلى جنب في العديد من قرارات اليونيسكو المتعلقة بتسجيل التراث الإنساني، فالمغرب والجزائر يوجدان إلى جانب 14 دولة عربية في تراث الحنّاء والتقاليد المرتبطة بها ، وإلى جانب 8 دول عربية في "الفنون والمهارات والممارسات المرتبطة بالنقش على المعادن (الذهب، الفضة والنحاس)"، وإلى جانب 14 دولة عربية في "الخط العربي: المعارف والمهارات والممارسات"، وإلى جانب تونس وموريتانيا في "المعارف والمهارات والممارسات المرتبطة بإنتاج واستهلاك الكسكس".
يذكر أن المغرب نجح في تسجيل 16 عنصرا تراثيا إنسانيا لدى اليونيسكو، أولها كان سنة 2008، وآخرها كان يوم أمس، بينما سجلت الجزائر 13 عنصرا تراثيا إنسانيا، أولها كان سنة 2008، وآخرها سنة 2024.


chargement...



