تطوّعت الدكتورة زينب المزابري ضمن التنسيق المغربي "أطباء من أجل فلسطين" للمشاركة في مهمة إنسانية دولية بقطاع غزة خلال شهر دجنبر 2025. وبعد أيام قليلة من عودتها، خصّت أخصائية أمراض النساء والتوليد موقع يابلادي بشهادة مؤثرة عن نظام صحي مدمَّر، يعكس حجم المعاناة التي يعيشها السكان منذ اندلاع الإبادة الجماعية في 7 أكتوبر 2023.
تعمل الدكتورة المزابري بالمستشفى الإقليمي سيدي حسين بن ناصر بورزازات، وتُعد أول طبيبة مغربية، من بين زميلاتها، تتمكن من الوصول إلى قطاع غزة منذ أن طالت الهجمات الإسرائيلية المنازل والبنى التحتية الصحية، ودُمّرت المعدات الطبية، وتقلّص، بل انقطع أحياناً، وصول المساعدات الإنسانية.
في هذا الإطار، جرى تكليف الدكتورة زينب المزابري بالعمل في ’، خلال الفترة الممتدة من 4 إلى 16 دجنبر. وقد أنجزت مهمتها الإنسانية بتعاون مع مؤسسة "بالمد"، التي تضم شبكة من الأطباء في أوروبا لدعم زملائهم في فلسطين، سواء عبر بعثات طبية ميدانية أو من خلال التكوين وتوزيع المعدات والمواد الطبية.
وقالت في هذا السياق: «نظراً لصعوبة الولوج إلى المنطقة، تكوّن فريق المتطوعين من طبيبين فقط بدل أربعة. تم تعبئتي كأخصائية في أمراض النساء والتوليد، رفقة زميلي الدكتور عبد الحي القمري، جراح الأعصاب. كنا الطبيبين العربيين الوحيدين ضمن البعثة، التي ضمت مهنيين من جنسيات وتخصصات مختلفة، تحت إشراف الأونروا وبالتنسيق مع الهلال الأحمر».

بنية تحتية طبية تحوّلت إلى رماد
على أرض الواقع، كان دور الطبيبين أساسياً وحيوياً ومتكاملاً، خاصة في ظل تحذيرات الأمم المتحدة من أن النظام الصحي المخصص للأمهات والمواليد في غزة «مدمّر». ووفقاً لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، فإن 94 في المائة من مستشفيات قطاع غزة إما دُمّرت كلياً أو تضرّرت بشكل كبير، ما «يحرم النساء الحوامل من أبسط أشكال الرعاية الصحية». وبحسب المعطيات ذاتها، قُتل أكثر من 70 ألف مدني فلسطيني منذ 7 أكتوبر 2023، فيما أُصيب عشرات الآلاف، إلى جانب عدد كبير من المفقودين.
وفي هذا الصدد، تقول الدكتورة المزابري: «من الناحية الطبية، نعلم أن الحالة النفسية للمرأة تصبح أكثر حساسية خلال فترة الحمل. والعيش في زمن الحرب يضاعف هذا الضعف بشكل خطير. المريضات يتأثرن بشدة في ظل الجوع وسوء التغذية، ومع مشاهد الموتى والجرحى التي تطال تقريباً كل أسرة». وأضافت أنها استُقبلت في البداية من طرف مدير مستشفى الشفاء، قبل أن تلتحق بقسم الولادة في مستشفى الهلال الدولي.
قالت الدكتورة: «في السابق، كان مستشفى الهلال مؤسسة خاصة، لكن من المهم الإشارة إلى أن الجزء الأكبر من النظام الصحي العمومي قد دُمّر بفعل الإبادة الجماعية وتداعياتها، خصوصاً في شمال قطاع غزة. لذلك، أصبح هذا المرفق اليوم موجهاً أساساً لخدمة القطاع العام، على غرار العديد من المؤسسات الصحية الأخرى». وأضافت أن الأطباء الفلسطينيين، وبعد أن اشتغلوا لفترات طويلة بنصف راتب، باتوا اليوم يعملون دون أجر، بعد نفاد موارد وزارة الصحة.
وتتابع الدكتورة زينب المزابري: «مثل باقي السكان، يعيش الأطباء في خيام رفقة عائلاتهم وأطفالهم، ورغم ذلك يبدون شجاعة استثنائية وهم يؤدون واجبهم المهني يومياً». وخلال مهمتها، أجرت الطبيبة عمليات قيصرية وجراحات نسائية، وتكفلت بحالات ولادة معقدة، مؤكدة لموقع يابلادي أن قصص المريضات وأوضاعهن الإنسانية تركت فيها أثراً بالغاً.

وتقول: «كل قصة تقود إلى أخرى، وجميعها تستحق أن تُروى. من بين الحالات التي لا أنساها، قصة مريضة مصابة بسرطان عنق الرحم، وهي أم لطفلة صغيرة. كانت في مرحلة متقدمة جداً من المرض، وقد فقدت جميع أفراد عائلتها منذ بداية الهجمات، لتصبح المعيل الوحيد والمرجع الأساسي لطفلتها. علّقت أملها على نجاح التدخل الجراحي بعد العلاج الكيميائي، غير أن هذا البروتوكول لم يحقق أي تحسن في وضعها الصحي».
إعادة بناء النظام الصحي لحماية الكرامة الإنسانية
من هذه التجربة الإنسانية القاسية، تحتفظ الدكتورة المزابري بـ«صورة شجاعة وتفاني شعب بأكمله، مقتنع بعدالة قضيته، ويفرض الاحترام رغم ما يتعرض له، لدرجة أن المتطوعين أنفسهم يعيدون التفكير في علاقتهم بمشاكلهم اليومية خارج سياق الحرب». وتضيف: «لا نخرج سالمين من مثل هذه المهمات. إنها تجربة تعلّمنا الكثير عن ذواتنا، وعن ضرورة وضع التزامنا الإنساني فوق كل اعتبار».
كما تشير الطبيبة إلى «المعاناة اليومية للسكان والأطر الصحية، الذين يسقطون ثم ينهضون، وهم يشاهدون الموت بأعينهم، ما يدفعنا كمتطوعين إلى مضاعفة عزيمتنا خلال المهمة وحتى بعدها». وتستحضر حالة أخرى قائلة: «من بين القصص التي أثرت فيّ أيضاً، زميلة طبيبة نساء فلسطينية كانت ضمن الأطباء الذين أُصيبوا خلال الهجمات. مكثت في العناية المركزة لمدة شهرين، لكنها عادت مباشرة إلى عملها فور خروجها من المستشفى، دون أن تأخذ قسطاً من الراحة».

تؤكد الدكتورة المزابري: «كل هذا يحدث يومياً، في وقت تعرّض فيه أكثر من 90 في المائة من مستشفيات قطاع غزة للهجوم منذ أكتوبر 2023، ما جعل عدداً كبيراً من الأطباء بلا أماكن عمل». وتشير إلى أن «وحدة صحة النساء التي اشتغلت فيها البعثة الطبية تعرضت للقصف، ثم أُعيد بناؤها مرات عدة خلال الفترة نفسها».
وتضيف: «على أرض الواقع، لم يتبق سوى وحدتين استشفائيتين تشملان جميع التخصصات، وهو ما ينعكس سلباً أيضاً على العلاجات الجراحية، في ظل غياب أو نقص حاد في بعض التخصصات». أما مستشفى الأطفال، فتقول، «فلم يعد يضم سوى غرفتين فقط». كما أصبح التشخيص أكثر تعقيداً، نتيجة تضرر أجهزة الرنين المغناطيسي والأشعة المقطعية، ونفاد مخزون الأدوية والمعدات الطبية.
وتلفت الطبيبة كذلك إلى الارتفاع المهول في كلفة المعيشة داخل قطاع غزة، الذي يطال المدنيين كما الطواقم الطبية، مشيدة بروح التضامن بين المهنيين الصحيين رغم قسوة الظروف. وتقول في هذا الصدد: «هناك أطباء دفنوا أبناءهم، ثم عادوا مباشرة إلى عملهم، دون حتى قضاء أيام حداد، حرصاً على استمرارية الخدمات الصحية».
وبالنسبة للدكتورة زينب المزابري، فإن هذا الواقع يفرض «مسؤولية أخلاقية ومهنية على كل عامل في القطاع الصحي، رجلاً كان أو امرأة، للوقوف في الصفوف الأمامية لخدمة الإنسان»، كما يستدعي «مسؤولية دولية عاجلة لوقف الإبادة الجماعية، والمساهمة في إعادة إعمار قطاع غزة، بدءاً بإعادة بناء نظامه الصحي وصون الكرامة الإنسانية».


chargement...






