القائمة

الرأي

تنزيل الدستور: نهاية الحكاية!

إلى حدود الإثنين الماضي(22يوليوز)،كان تقديم مشروع قانون تنظيمي حول اللجان النيابية لتقصي الحقائق ،من طرف الحكومة يرجع أساساً -وفقاً لمضمون جواب وزير العلاقات مع البرلمان على سؤال شفوي بمجلس النواب-إلى توصلها بما يفيد أن رئاسة المجلس قد "أمرت" بتجميد مقترح القانون التنظيمي المتعلق بنفس الموضوع.

نشر
DR
مدة القراءة: 4'

لكن تصريحات نفس الوزير ،يوم الخميس 25 يوليوز ،ستذهب إلى ما هو أعمق و أخطر، عندما اعتبر أن " الحكومة رجحت اختيار اجتهاد جديد يتعلق بإيقاف تعاملها مع مقترحات القوانين التنظيمية "موضحاً "أن رئيس الحكومة والمجلس الحكومي كانا يتابعان أطوار مناقشة المقترح الذي تقدمت بعض الفرق البرلمانية، إلا أن التفاعلات التي وقعت، أدت إلى نقاش مراجعة تأويل المادتين 85 و86 من الدستور، ذلك أن المادة 86 ،تجعل هذه الولاية ذات طبيعة تأسيسية، وهو ما يجعل هذه القوانين تمر عبر مشاريع أي عبر مجلس وزاري."

الوزير لم يدقق في أمر هذه "التفاعلات"، لكنه ذكر أن الأمر يتعلق بتفاعلات تهم "مؤسسات الدولة"!،و بغض النظر عن المقصود فعلاً بهذه المؤسسات،و عما إذا كانت الأمانة العامة للحكومة ،مجرد قطاع حكومي تحت السلطة الرئاسية لرئيس الحكومة ،أم مؤسسة من" مؤسسات الدولة" ؟، أو أن المقصود جهة أخرى ؟،فان الواضح أن وزراء ما بعد دستور 2011، لا يزالون يستبطنون منطق الازدواجية بين الدولة و الحكومة ،التي سبق أن تحدث عنها عبد الرحمان يوسفي في خطاب بروكسيل، علماً أن تجاوز هذه الازدواجية شكل إحدى المنطلقات الأساسية للمراجعة الدستورية.

لنلاحظ أننا،في غضون أسبوع ،أي بين تاريخ انعقاد المجلس الحكومي في 18 يوليوز ،الذي صادق على مشروع القانون التنظيمي المذكور ،و بين تاريخ التصريح السابق لوزير العلاقات مع البرلمان،عشنا حالة تردد حكومي حول الموقف من تبني ذلك المشروع ،بدا من مؤشراته:غياب الوزير المعني عن المجلس الحكومي ،و طبيعة جوابه داخل البرلمان على سؤال في الموضوع،ثم تصريح الناطق الرسمي للحكومة عقب المجلس الحكومي الذي قلب الآية ليعيب على المعارضة "رغبتها"في مصادرة حق الحكومة في التشريع ،دون أن يذهب إلى أبعد من ذلك، بالإضافة إلى خرجات عدد من قادة العدالة والتنمية الذين أشاروا بكل وضوح إلى أن الأمانة العامة للحكومة، تقف وراء ذلك المشروع، وأنها تحمل في خلفية المشهد "رأياً" يجعل المبادرة التشريعية في مجال القوانين التنظيمية حكراً على الحكومة.

لننتقل بعد ذلك إلى حالة من التبنيٍ الحكومي الكامل لما سبق أن صُوِر كموقف منعزل للأمانة العامة أو لجهات غير واضحة المعالم.

إن موقف حصر المبادرة التشريعية في مجال القوانين التنظيمية على الحكومة،إذا كان يمكن مناقشته من حيث الملائمة السياسية،فإنه لا يستحق من الناحية القانونية ،سوى إدانته كخرق للشرعية،لأنه لا يرقى إلى وضعية الاجتهاد الفقهي، ولا إلى حالة التأويل الدستوري.

لذلك فان استحضار حجج أحقية النواب في التقدم بمقترحات قوانين تنظيمية ،يبدو لي -عدا أنه دفاعٌ عن البداهة-كما لو أنه محاولة لتحويل انتهاك فاضح للشرعية ، و خرق دستوري واضح، إلى مجرد "رأي"يستحق الجدل و النقاش و المحاججة .

إنني لا أملك أدنى وهمٍ حول السلوك المفترض لأغلبية الطبقة السياسية الحالية غير الموجودة داخل الحكومة ،حيال أمر تنزيل الدستور،لو قُدر لها مٌباشرة مهام السلطة التنفيذية، ولست متأكداً بأن الجزء الكبير من هذه النخب التي تعيش أزمة استقلالية حقيقية في قرارها السياسي، كانت ستنحو في منحى أكثر حرصاً على تطبيق الدستور.

حيث أن اختيار المعارضة بالنسبة للبعض ، خارج خدمة مراكز النفوذ والمعاكسة الآلية للحكومة،لا يضع في أجندته نهائيا، الدفاع عن التطبيق السليم للدستور.

لكن كل هذا لا يقدم مبرراً للحكومة بخرق الدستور ،كما أنه لا يعفيها من مسؤوليتها المباشرة على احترام الشرعية ،و حسن تنزيل القانون الأسمى للبلاد.

إن التوافق شئ محمود في السياسية ،و التنازلات المحسوبة قد تكون جزءاً من التدبير المعقد لأوضاع الانتقال ،و الثقة أساسية لتطوير الشراكة بين الفاعلين ، والاعتدال و التدرج من عناوين الممارسة السياسية الفُضلى،لكن كل هذا لا يبرر إطلاقاً استجابة حكومة الإرادة الشعبية و المنهجية الديمقراطية ، للضغط في ما يعتبر خرقاً واضحاً للدستور.

إن ما وقع يعني في النهاية، فشلا ذريعاً للحكومة في مسألة تنزيل الدستور،و نهاية حزينة لمقولة "التأويل الديمقراطي ".

بلغة السيد رئيس الحكومة،يحق القول في باب تطبيق الدستور: انتهى الكلام !

فهل ننتظر ما سيأتي في باب محاربة الفساد؟و في أبواب أخرى؟

لننتظر، فليس لنا -غير أوهامنا-ما نخسره.

منبر

حسن طارق
أستاذ جامعي، برلماني
حسن طارق
كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال