القائمة

الرأي

اغتصاب الأطفال طابو مغربي عريق

يتناول البعض موضوع اغتصاب الأطفال كما لو أنه واقعة معزولة، مرتبطة بشخص أجنبي، صدر عنه عفو تم إلغاؤه وتقديم موظف سام كبش فداء لتخفيض التوتر، وقد تعود الأمور إلى نصابها إذا اعتقل الجاني من جديد لكي يكمل عقوبته بالمغرب أو في بلده الأصلي.

نشر
DR
مدة القراءة: 2'

والواقع أن الأمر لا ينتهي بإغلاق هذا الملف كيفما كانت تسويته، بل على النقاش أن يستمر على مستويين: سياسي في موضوع سلطة العفو ومساطرها وحدودها وموضوع المسؤولية والمحاسبة، وقيمي في موضوع اغتصاب الأطفال بالمغرب، بكل تجلياته وظواهره البارزة والمستترة.

لقد صُدمت لأكثر من مرة، بالطريقة التي يحوّل فيها المجتمع المغربي واقعة اغتصاب طفل من الأطفال إلى فرجة أو موضوع تفكه وسخرية، وخاصة عندما يكون المغتصب رجل دين، كبعض أئمة المساجد والخطباء أو المدرسين بالكتاتيب القرآنية، أو مدراء المدارس العصرية. تحويل موضوع مؤلم وخطير إلى موضوع تندّر يطرح أكثر من سؤال عن أصل الظاهرة وسبب السكوت عنها أو التساهل معها، وأنا أسأل صراحة لو كان مغتصب الأطفال الإسباني مغربيا هل كانت ستثور كل هذه الضجة من حوله، أليس ثمة اتجاه لجعل الشرّ أجنبيا في أحد طابوهات المغرب المسكوت عنها ؟ هل بانتهائنا من ملف مغتصب الأطفال هذا سنكون قد تخلصنا من الموضوع جملة وتفصيلا، أم سيكون علينا أن نتابع الملف الذي هو ظاهرة اغتصاب الأطفال في بلادنا، وإماطة اللثام عما يجري وراء الأبواب والأسوار وخلف مظاهر النفاق الاجتماعي خاصة في بعض الأوساط الدينية ؟

من مظاهر المحافظة والتقليد الاستخفاف بحقوق المرأة والطفل، والنظر إليهما في حدود النظرة التقليدية القاصرة عن الوفاء بالقصد في مجتمع اليوم، ولهذا تمثل المرجعية الحقوقية الكونية الإطار السليم والأمثل لطرح الموضوع والتداول فيه، باعتبار الطفل إنسانا ذا كرامة.

ألا يفسر هذا السبب الذي جعل المبادرين بالاحتجاج ضدّ العفو الملكي كلهم من المنتمين للتيار الحداثي من يساريين وليبراليين، كما يفسر بالتالي تقاعس التيار المحافظ عن ذلك وتخاذله بشكل ملفت؟ إن الأمر لا يتعلق فحسب بتحفظ دعاة التقليد بسبب تورط الفاعل الملكي، الذي يطمحون إلى التحالف معه من أجل إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وإن كان هذا عاملا موضوعيا واردا بقوة، بالنظر إلى النفس الانتقامي الذي تحدث به بعض السلفيين عن المحتجين، لكنه لا يكفي لتفسير ما يجري، إن الحقيقة كامنة في عمق الذهنيات وأنماط السلوك، التي ما زالت تعتبر الطفل كائنا ثانويا وهامشيا، وبالتالي مجرد وسيلة كالمرأة وكالأشياء تماما، ولهذا يجد مغتصبو الأطفال المغاربة في الطفل فرصة للتسلية والمتعة لا تستحق العقاب.

ما أكثر أخطاء السلطة، ولكن ما أجمل تلك الأخطاء التي تفتح الجراح، وتتحول إلى لحظات حاسمة في الانتقال نحو الأفضل، هذا إن كنا في الموعد طبعا.

منبر

أحمد عصيد
باحث بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية
أحمد عصيد
كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال