القائمة

الرأي

في فلسفة التضامن

تراكمت الأحداث في الأيام الأخيرة و توالت حتى استعصى على المرء متابعتها بعين التعقل و استصاغتها كما ينبغي أن تستصاغ. لكن ما يميز كل هذا الزخم من الأحداث هو بروز أشكال جديدة للتضامن، قد تجانب الموضوعية في بعض الأحيان و قد تكتسي طابعا من الغرابة في أحايين عديدة.

نشر
DR
مدة القراءة: 3'

موجات التضامن هاته، تنطلق من تغيير صورة البروفايل على مواقع التواصل الاجتماعي و معانقة القضية افتراضيا، إلى النزول الفعلي إلى المعترك النضالي و تجسيد الفهم التضامني تحت يافطات تُقتنا شعاراتها بعناية و تحت أضواء كاميرات و آلات تصوير من أجل تجاوز الحيز الزمكاني المحتضن لهذا الفعل التضامني إلى نطاق أوسع عبر اشعاع إعلامي قد يشبه في بدايته ثورة، يصاحبها " تسونامي من الجيم و البارطاج " على الشبكة الافتراضية.

لكن ما إن تهدأ العاصفة حتى يستريح القوم و تنطلق فترة جديدة يميزها استهلاك للإنجازات السابقة و اجترار لما خلفته من صدى في شكل صور أو فيديوهات أو تعاليق طائشة…هذا الركود قد يصاحبه نوع من الملل يترجم في ترقب لحدث جديد أو قضية جديدة تبحث عن معتنقين من شأنها أن تملأ الفراغ و تشبع الرغبة في " التضامن "  ليتم بعد ذلك صياغتها في قالب نضالي جديد و تفعيله في شخص ممارسة بنفس الكيفية السابقة أو بشكل جديد يوازي ذوق " المناضل " و حسه في " النضال"ـ .

ما بين "فري أنوزلا " و " فري بوسة " اتسعت الهوة و اتضح جليا مدى قدرة المتضامنين على تغيير الألوان و التسلق في مستويات المطالب، فجلابيب القوم تتسع لأكثر من قضية و حناجرهم لا تصدأ…فمن مطلب " الخبز لكل فم " الذي يشكل جوهر القضية التي اعتقل عليها أنوزلا انطلاقاً من ملامسة كتاباته لواقع المهمشين و عبر تغريدات الحرية و التحرر التي نسجتها أنامله، إنطلقنا من هذا المطلب و انعرجنا إلى المطالبة ب " قبلة لكل فم" كأن " تقبيل بعضنا بعضا" هو رحى الصراع القائم، و بتحقيق هكذا غاية نكون قد تجاوزنا مستويات التخلف و الانحطاط التي تخيم على كل مناحي الحياة، كأن ب " التصاق شفاهنا ببعض " نكون قد دشنا انطلاقة الديمقراطية و العدالة الاجتماعية.

قد نوصف ب " أعداء الحب " حيال إثارة هذا النوع من النقاش، لكن أود أن أهمس فس أذن " دعاة الحرية " و "حماة الحب"ـ: هل إشكالية الحريات الفردية تشكل أولوية في الوقت الراهن؟ أم من الأجدر أن نساهم في الدفع في مشاريع توعوية و تحسيسية تبتغي إشاعة المعرفة و التحريض على التثقيف و المثاقفة و تستند إلى غايات تنويرية بحتة حتى يحدد المجتمع مساره بالشكل الذي من المفترض أن يكون. هل الحريات الفردية تشكل غاية في ذاتها؟ أم أنها هي خلاصة لمجهودات نضالية على كل المستويات؟ كيف نستصيغ طعم القبل ، علنا إن شئتم، وصحافيو هذا الوطن لازالو يسجنون؟ كيف يطيب ذلك في واقع تستشري فيه البطالة و الفقر و الهشاشة و الاعتقال و الأمية و الإقصاء و …هلمجرا من المشاكل؟؟؟

هي دعوة للتأمل في ماهية التضامن و في شكله و محتواه و كيفية التسويق له و أفقه وإكراهاته…حتى لا نقع في مطبات  الملاسنات الفارغة المحتوى و الصراعات الثانوية التي تزيد الطين بلة و المشاكل تعقيدا و تقوض الفهم العام و تميل به إلى نقاشات جانبية تغطي جوهر الأمور.

ختاما، من منطلق " الاستفادة من تجارب الشعوب ، إذا ما افترضنا أن هذا الذي نحن بصدد سرده يعد انجازا حقوقيا و انسانيا بدون ممنازع و أن به تتم الصالحات للعباد و البلاد " ، قد تبدو هذه الأشكال عادية في أماكن أخرى خارج ـكوكبنا ـ لما لتلك الأماكن من خصوصيات ولما حققته من تراكمات في تلك المستويات على مر التاريخ…فإن اسقاط تلك المسلكيات بشكل ميكانيكي داخل مجتمع لا زال في بداية نضجه، سيواجه حتما بمثل ما وقع في " باليما " . وأنا هنا لست مدافعا عن دعاة الحب و لا مساندا لأعداء الحياة بل منبها إلى أن قضايا كبيرة تنتظر التضامن الفعلي من الشعب، قضايا تحتاج إلى حشذ الهمم فرجاءا لا تفسدوا ذوقه في النضال! عيشوا كما شئتم لحياتكم أن تكون، … عيشوا تمردكم، غضبكم، مللكم، فرحكم،… لكن لا تحرمونا من إطلالة الشعب في معتركاته الحقيقية… فلتحلقوا كما شئتم خارج السرب...

منبر

نبيل بشرور
طالب باحث
نبيل بشرور
كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال