القائمة

الرأي

حسن طارق يكتب: حُـكومـة الخريـف

وسط السيادة و"الخبرة" التقنية و العائلات والمال، يبدو حظ "السياسة" داخل الحكومة الجديدة ضعيفاً،و هو ما يعني أنها تجسيد لإنحسار موجة التسييس الجزئي التي مست البلاد تفاعلاً مع أحداث الربيع العربي .

نشر
DR
مدة القراءة: 3'
لقد ربحت الدولة الكثير من مساحات الثأتير في المجال التنفيدي ،واستعادت ترسيم حدودها مع "الحكومة السياسية"،وعادت منافذ التنخيب التقليدية للإشتغال ،و تراجعت صورة "الوزير" القادم من مسار الإلتزام الحزبي التي بدأت تترسخ منذ حكومة التناوب ،إلى صورة "الوزير"القادم للمسؤولية عبر بوابات العائلات و النفوذ الإقتصادي و "وَهْمُ"التفوق التقنقراطي ،و لذلك تذكر الجميع بهذه المناسبة بروفيلات حكومات الثمانينات و ما قبلها .
 
انها حكومة ضد الدستور ًًً ،وضد الانتخابات؛ضد الدستور لأنها أنهت مع فكرة المسؤولية،كفكرة مركزية في البناء المؤسساتي و فتحت المجال من جديد للظاهرة التقنقراطية و لوزراء السيادة ،حيث تمت استعادة وزارة الداخلية كاملة الى حقل السيادة ًً،الذي إلتهم كذلك قطاع التربية الوطنية الذي أُخرج من دائرة التداول الحزبي على السياسات العمومية ،الى مربع الملفات الإستراتيجية الفوق-حكومية.
 
وهي ضد الإنتخابات و ضد روح إقتراع 25 نونبر ،لإنها إنقلاب على النتائج السياسية لهذا الإقتراع؛لقد إختُصر الصراع السياسي إبان هذه الإنتخابات بين مشروعين مُهيكلين للحقل السياسي ؛مشروع مجموعة الثمانية بزعامة الأحرار و تحت قيادة مزوار ،و مشروع العدالة و التنمية بقيادة بنكيران ،لذلك فالإلتقاء اليوم داخل الحكومة ؛يعني أنه إلتقاء مناقض لرسالة الصناديق ولإرادة الناخب و لمضمون المنهجية الديمقراطية.
 
و لإنها كذلك ،فلا احد يجوز له الإدعاء انها حكومة منبثقة من صناديق الإقتراع،فهذه الاخيرة بريئة من هذا الخليط الهجين.
 
لقد فتحت التطورات التي عرفتها الهندسة الدستورية ،منذ دستور 1992،على ربط عمل الحكومة بمنطق الأغلبية النيابية ،من خلال آلية منح الثقة ،وهو ماتعزز في دستور 2011، عبر التنصيص الواضح على التنصيب البرلماني ،الذي يجسد إندراج علاقة الحكومة بالبرلمان ضمن المنطق البرلماني ،القائم على مبدأ المسؤولية .
 
ولا شك أن هذه التطورات ،تعني التوجه نحو ربط الإختيارات السياسية ،بلحظة الانتخابات،و التأسيس لفكرة الحكومة"السياسية"و "المنتخبة"، المنبثقة من صناديق الإقتراع،و المقصود طبعاً هو انبثاق الأغلبية من منطق النتائج السياسية للإنتخابات،و هذا ما لا تجسده الحكومة الحكومة الجديدة ،حيث بمنطق إنتخابات 25 نونبر فإن الخليط الموجود في فريق بنكيران ،لا يشكل بتاتاً أغلبية سياسية ،و لا يعدو أن يكون أغلبية حسابية و عددية ،بدون معنى ولا روح .
 
لذلك فإذا كانت هذه الحكومة تبدو كمحو للأثار السياسية للإنتخابات و الدستور ،و هو ما يعيدنا عملياً الى زمن ما قبل 2011،فإنها تعني حزبياً كذلك نهاية التفوق الأخلاقي للعدالة و التنمية .
 
وهنا فإن بنكيران قد يكون فعلاً إنتصر على نفسه ،فهو كسب معركته الكبرى-و التي لاتخلو من دهاء سياسي-في تحويل حزبه الى حزب عادي ،لكنه أوصل منطق التطبيع السياسي لحزبه مع الدولة و المشهد السياسي ،الى مداه الأقصى ،و للأسف فنتيجة التفاوض غير قابلة للتبرير بحجج التوافق و الثقة، أو بمبررات الصمود في وجه الإستهداف،لذلك فالحزب انطلق عملياً في مسلسل تبديد رأسماله السياسي و الأخلاقي ،و هو ما يوحي بتكرار مآلات تجارب حزبية قريبة.
 
لكن مع فرق جوهري في السياق ،فإذا كانت الدولة -بدافع الإستقرار و تدبير العلاقة مع الشارع -مطالبة في مثل هذه الحالات بالبحث عن بديل، فإنه لا يبدو مُتوفراً في المتناول القريب.

منبر

حسن طارق
أستاذ جامعي، برلماني
حسن طارق
كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال