القائمة

الرأي

حقوق الإنسان و ملف الصحراء

نشر
DR
مدة القراءة: 7'

1. السذاجة السياسية و الديبلوماسية المغربية

قبل الخطاب الملكي الأخير، الذي وضع بوضوح النقط على الحروف فيما يتعلق بأم قضايانا الوطنية: ملف الصحراء، تعاملت السياسة و الديبلوماسية المغربية بالكثير من السذاجة و اللاوعي السياسي مع أيديلوجية حقوق الإنسان. و تتمثل هذه السذاجة في ذاك الخوف الشعوري أو اللاشعوري اتجاه إملاءات القوى العظمى، و بالخصوص أمريكا، فيما يتعلق بحقوق الإنسان. حاول المغرب إلى حدود 7 نونبر 2013 إرضاء "الحلفاء التقليديين" له بشتى الوسائل، دون أن يعي خطورة هذا الإرضاء، لأنه تم و يتم تحت الضغط و التهديدات و التكتيكات و الخدعة السياسية و الديبلوماسية و دون تصور شامل و رزين لنتائج هذا الإنخراط الغير المفكر فيه بما فيه الكفاية من طرف السلطات المغربية فيما يتعلق بهذا الركوع أمام أوامر أيديولوجيات حقوق الإنسان. لم يكن المغرب يعي في تعامله مع الحكومات الغربية اللكمات و اللطمات التي كان يتعرض لها، بل كان يراهن على النية الحسنة للمصافحات السياسية و الديبلوماسية و كان لابتسامات الصالونات الديبلوماسية الصفراء مفعول تنويم مغناطيسي للسياسية المغربية، إن على الصعيد الداخلي أو الخارجي.

فتح المغرب أبوابه على مصراعيها لكل من هب و ذب من الجمعيات و المنظمات الحقوقية الدولية دون التمييز بين الغث و الثمين، بل الأدهى من هذا قدم لها المساعدات المعنوية و لربما المادية لتشتغل كما تشاء، غير واع بأن أغلبية هذه المنظمات مدعومة ماديا و معنويا من طرف حكوماتها ضمانا لنجاحها في مأمورياتها، و لو كان ذلك بطرق تجسسية و أكاذيب و افتعال المشاكل و إشعال فتائل الفتن. لم يع المسؤول المغربي، بأن أغلبية "متطوعي" هذه المنظمات هم في نفس الوقت موظفون في إدارات حكوماتهم و ينفذون أوامر محددة الأهداف تحت غطاء أنشطة حقوقية.

سذاجة السياسة المغربية تتمظهر في ملف حقوق الإنسان، الذي ربط زورا و بهتانا بقضية الصحراء، في تعامله مع موقف بعض البرلمانيين الأوروبيين، الذين تجاوزوا حدود مهاهم البرلمانية ليتدخلوا مباشرة في شؤون بلد ذي سيادة. لم يكن هناك أي احتجاج حازم يذكر من طرف المغرب اتجاه هذه الشبيحة الأوروبية، التي كان بالأحرى أن تنظف بيتها الأوروبي فيما يتعلق بحقوق الإنسان، عوض محاولة إعطاء المغرب دروس دعم في هذه المادة. ما يقوم به الإتحاد الأوروبي اتجاه النازحين و اللاجئين، الهاربين من الموت المحقق و من حروب مدمرة في أوطانهم، هو جريمة ضد الإنسانية تتحقق فصولها على التراب الأوروبي و يُرجأ الإتحاد الأوروبي دراسة هذا الملف و إدراجه كملف عاجل في مؤتمراته. على العكس من هذا يلعب المغرب دور شرطي بالمجان، يخدم بتفان سيده الأوروبي و يحمي حدوده ليل نهار، رغبة في رضاه، على حساب مصير إخواننا الأفارقة، المكدسين في شمال المملكة في ظروف أقل ما يقال عنها أنها مزرية للغاية، و تتنافى و الكرامة الإنسانية. تبيع السياسة المغربية كرامة الإنسان الإفريقي بثمن بخس، إرضاء للإتحاد الأوروبي أو خوفا منه، عوض إعادة النظر الجدية في علاقته به. على العكس من هذا، يفتح المغرب أبواب أسواقه للمنتوجات الأوروبية، متغافلا أدنى شروط الصداقة و الإحترام، التي على هذا الإتحاد القيام به إزاء المغرب. من هذا المنطلق، يمكن القول بأن سياسة المغرب، و نظرا لتطورات قضية الصحراء، هي سياسة فاشلة، بل أكثر من هذا إنها سياسة جد خطيرة على مستقبل البلاد، لأنها لا تعي بأن شطحات و ركزات أولائك البرلمانيين الأوروبيين المتشدقين بحقوق الإنسان، هي سموم تدس في الجسم المغربي. البرلماني الأوروبي موظف سام، يتقاضى أجره من خزائن الضرائب لشعوبه، و حتى و إن زعم بعضهن بأنهم يقومون بأنشطتهم الحقوقية خارج مهامهم البرلمانية، فإن الثابت هو أن نياتهم ليست حسنة بالمرة و بأن المغرب مطالب، اليوم و ليس غدا، بإيقاف هذا النفاق الظاهر للإتحاد الأوروبي فيما يتعلق بقضية الصحراء.

2. وجوب الرزانة و استعمال العقل في قضية الصحراء

أعتقد بأن لحظة الوعي الواقعي بمشكل الصحراء من الجانب المغربي، و على الرغم من تأخره النسبي جد مهم، لأنه مفتاح تعامل عقلي جاد مع أم قضايانا. فأخذ منظومة حقوق الإنسان كرهينة للتدخل في شؤون المغرب الداخلية من طرف بعض الجهات، هو بمثابة الشجرة التي تحجب الغابة، و على المغرب الرسمي التوغل في هذه الغابة مسلحا بالرزانة و إحكام العقل، لكي لا يتيه في مسالك دون ممرات مرسومة بإحكام من قبل.

من بين هذه المسالك هو وعي المشكل الوجودي للجزائر الرسمية و عقدها النفسية و شعورها بالنقص اتجاه المغرب. الجهات الرسمية في الجزائر لا تعي بأنها مستهدفة مباشرة من طرف "مجاهدي" حقوق الإنسان المزيفين، و أن دورها آت لا محالة، و بالخصوص نظرا للتأخر الظاهر فيما يتعلق بالحريات الفردية و العامة في بلدها. بالمقارنة مع المغرب، على الجزائر قطع مراحل طويلة للوصول إلى ما وصل إليه المغرب في هذا المجال. موقف الجزائر من الصحراء واضح، و هو تدخل رسمي مباشر في شؤون المغرب. و هو موقف لا يعبر البتة على رأي الشعب الجزائري، بقدر ما يعبر عن ديكتاتورية حزب. "جبهة الإنقاذ الوطني" الحاكم، الذي زج بالشعب الجزائري في غياهب مشاكل اقتصادية و اجتماعية بالجملة، و غير مستعد لحل مشاكل مواطنيه. لا أفهم لماذا قبل المغرب فكرة "الإستفتاء"، التي لا تعتبر في نظري ضرورية، بما أن الأمر يتعلق بأرضه. إذا كان هناك استفتاء ضروري، فلابد أن يكون في الجزائر، ليعرف المرء بالتدقيق، هل الشعب الجزائري يوافق على سياسة موظفي حزب "جبهة الإنقاذ الوطني" العدائية اتجاه المغرب. من هذا المنطلق، يجب على المغرب أن يتعامل بحزم و يقوم بالخطوة التي كان من اللازم عليه القيام بها ضد المسؤولين الجزائرين، فلا يمكن بحال من الأحوال الإستمرار في العلاقات الديبلوماسية مع الجزائر و هي تصطاد في مياء عكرة. قطع كل العلاقات مع الحكام الجزائريين هو الحل الوحيد في نظري. و هذا لا يعني التخلي عن الشعب الجزائري، الذي يشنق يوميا من طرف حكامه، بل فتح باب المغرب لكل فرد من أفراد هذا الشعب العظيم، ممن يريد حياة كريمة خارج بلده.

في نفس السياق، من اللازم على المغرب التعامل بحزم مع ما يسمى بالجمعيات و المنظمات الدولية لحقوق الإنسان، و ألا يترك كل من ذب و هب التجول في ربوع المملكة دون شروط و قيود. ليست كل المنظمات الدولية بريئة و تعمل بنية حسنة و تدخل في حوار مع السلطات المغربية، بل أكثرها يعمل من أجل أهداف معينة و بتكتيكات قذرة، منصبة نفسها دون أي سند قانوني حامية لحقوق الإنسان، مع العلم أن استغلال هذه الأخيرة ما هو إلا ذريعة واقية من أجل تمرير أدوات لزعزعة أمن المغرب. لا أفهم كيف يمكن للمغرب أن يقبل ممارسات بعض المنظمات بعينها بكل حرية، في الوقت الذي ستزبد فيه أوروبا و أمريكا و ترغدان، إذا ما توجهت منظمة مغربية حقوقية لأي بلد أوروبي أو أمريكي لترصد تجاوزات الحكومات الغربية فيما يتعلق بحقوق الإنسان. حال حقوق الإنسان في أوروبا و أمريكا ليس على ما يرام بالمرة، سواء اتجاه المواطنين الأصليين أو الأجانب. المس بحقوق الإنسان في الغرب حلال و المثابرة في محاولة تحسين هذه الحقوق في المغرب حرام. ألا تستعمل السلطات الغربية القنابل المسيلة للدموع ضد المتظاهرين العزل في مدنها و تضربهم و تمس بكرامتهم، حماية لأمنها الداخلي؟ ألا نعيش حاليا في أوروبا أكبر جريمة ضد الإنسانية في حق النازحين؟ ألا يعيش المسلمون في أوروبا أحلك فترات تاريخهم، لا لشيء، إلا لأنهم مسلمون؟ ألا يكون المهاجر في أوروبا فدية كل مرة تفاقمت فيها الأزمات الإقتصادية في الغرب؟ على المغرب إذن صيانة حدوده و ضبطها فيما يخص الوافدين عليه من المنظمات الدولية، و أن يوقف أنشطتها، فبأي حق و تحت أية ذريعة يحق لها القيام بهذه الأنشطة في دولة ذات سيادة؟ بأية صفة يأتي أمريكي أو أوروبي ليملي على المغرب ما يجب عليه القيام به في مجال حقوق الإنسان،  كيف يجب عليه القيام بذلك؟ ألا يمارس المرء بهذه الطريقة ديكتاتورية و استعمار مباشر باسم حقوق الإنسان؟

على المغرب في الأخير إعادة النظر الجذري في علاقاته مع الإتحاد الأوروبي، و بالخصوص فيما يتعلق بالدور الذي قبله كشرطي للحدود الجنوبية لهذا الإتحاد. إذا كان هناك مس بحقوق الإنسان في المغرب، فإن هذا المس يقتصر فقط على دوره كجندي للضفة الغربية للمتوسط. لابد من إنهاء هذا السجن الكبير في شمال المغرب، حيث تداس كرامة الإنسان الإفريقي بتزكية و دعم من الإتحاد الأوروبي. في هذا الإطار، على المغرب أن يهتم كذلك بمصير من ينجح في الوصول إلى الأراضي الأوروبية من الهاربين من الحروب من مختلف الجنسيات، و يضع موضوع تساؤل سياسة الإتحاد الأوروبي في هذا المجال، التي لا يعنيها المس بكرامة البشر على أراضيها. فحالة اللاجئين في عموم أوروبا لا يمكن وصفها، و هذا السكوت المبالغ فيه لوسائل الإعلام المغربية فيما يتعلق بمصير هؤلاء الناس غير معقول بالمرة. أيفضل المغرب أن تعطى له دروس في حقوق الإنسان، و يتفرج في هدوء على دوس هذه الحقوق في الديار الأوروبية؟

منبر

الدكتور حميد لشهب
عضو المجلس البلدي لمدينة فيلدكرخ النمساوية
حميد لشهب
كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال