القائمة

الرأي

حسن طارق يكتب: الدولة المدنية

يعود الجدل من جديد حول الدولة المدنية ،كأحد المفاهيم التي شكلت جزءاً من الإرتدادات الفكرية لموجة "الربيع العربي".نعم لقد كان المفهوم سابقاً بعقود عن أحداث 2011،لكنه ما كان ليحظى بمثل هذا الإنتشار والتداول والحضور العمومي لولا سياق هذا "الربيع".

نشر
DR
مدة القراءة: 3'

حضورٌ يبدو في الواقع كمُوازٍ موضوعيٍ لغياب مفهوم آخر عن التداول العام ؛ليس سوى :العلمانية !

حيث لم يفض أزيد من قرنٍ على ولوج الفكرة العلمانية لساحة الفكر العربيً، سوى على تكريس إلتباساتها كدعوة فكرية ،و عزلتها كاختيار سياسي،و إذا كانت جبهة الحداثة داخل خريطة التيارات الفكرية العربية المعاصرة ،لم تُجمع على تبنيها كإحدى مقومات النهضة الممكنة،إما بدعوى انها فكرة مستوردة (برهان غليون)،أو أنها ليست مطابقة للحاجة التاريخية العربية ،مثل مطلبي الديمقراطية و العقلانية (عابد الجابري)،فان الرهان على مسار "علمنة موضوعية صامتة"قادرة على فرض طابع "الزمنية"على الدولة الوطنية ،قد تعرض بدوره لفشل ذريع!

وهذا ماجعل الجهود الفكرية المنافحة عن مشروع العلمانية ،تعيش على ايقاع تصاعد التقليد و المحافظة و الإسلام السياسي داخل المجتمعات العربية،سياق جعل العلمانية تصبح بتعبير جورج طرابيشي كلمة "رجيمة"في سوق التداول المفاهيمي العربي.

و ربما مثل هذا الوضع ،هو الذي قد يكون جعل التيارات التقدمية ،داخل ساحات التغيير العربية، تشاطر التيارات الإسلامية شعار الدولة المدنية .

شعار يحفظ للعلمانيين دفاعهم عن مجال سياسي بشري ،و وضعي ،تسوده النسبية و شرعية الإقتراع العام ،و يجنبهم صدامية الدعوة المباشرة للعلمانية ،و يجسد خطوة مهمة في إطار مراجعات و تكيف الفكر السياسي للحركات الإسلامية ،مع متطلبات تدبير الشأن العام.

لذلك يمكن قراءة مطلب الدولة المدنية على ضوء السياق السياسي،كمفهوم توافقي تعزز في ظل ملابسات تقارب العلمانيين و الإسلاميين داخل ساحات الربيع العربي.

على أن الإختبار الأول لهذا التوافق كان هو لحظة كتابة دستور "أنظمة"مابعد الربيع العربي،حيث برزت قضايا الهوية ،و توصيف الدولة في علاقة بالدين،و موقع الشريعة في عملية صناعة القوانين ،إحدى أسئلة دستورنية الربيع العربي !

على أن الطابع التكتيكي و السياسي لمضمون هذا" الشعار المرحلي"، سيبرز قابليته الكبيرة للتأويل ،خاصة من طرف بعض تيارات الإسلام السياسي و التي دافعت مثلاً عن تصور الشيخ القرضاوي الذي تحدث على "الدولة المدنية بالمرجعية الإسلامية".

وهنا فإن هشاشة المضمون السياسي الذي تم إعطائه لهذا المفهوم ،ترجع في نفس الوقت لإرتهانه بمعطيات السياق السياسي،خاصة مع تحول وحدة "النضال الميداني"بين الإسلاميين و العلمانيين ،إبان الربيع العربي ،الى شرخ كبير إبان تدبير دولة مابعد الربيع.

وهو ما يجعل الأسئلة العميقة حول علاقة الدين بالسياسة ،و الحداثة السياسية و الإصلاح الديني و المواطنة ،تعود لتظهر من جديد،كاشفة الحدود التي يحملها مفهوم "الدولة المدنية " نفسه.

منبر

حسن طارق
أستاذ جامعي، برلماني
حسن طارق
كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال