القائمة

الرأي

عن الفقيدة زهور العلوي , مرحى لك بموت شريف في زمن "غير شريف"

 
 لك  كل الوهج والنور  يا روح صديقتي زهور............
أخمن أنك غير بعيدة عنا وترفرفين حولنا وأنت تبتسمين استعدادا لمصيرك الجديد والأبدي .
ستذهبين لعوالم فسيحة منفلتة  من كل وصف يتجاوز إدراكنا البئيس .
أما نحن ، الباقون هنا إلى أمد لا نعلمه، كم نحتاج من وهم جديد يوقظ  فينا الآمال الموءودة والأحلام المهدورة داخل دوامة  اللهاث وراء كل أشكال التوافقات المريبة التي تصاغ باسمنا وفي غفلة عنا 

 

لك كل الوهج والنور يا روح صديقتي زهور............
أخمن أنك غير بعيدة عنا وترفرفين حولنا وأنت تبتسمين استعدادا لمصيرك الجديد والأبدي .
ستذهبين لعوالم فسيحة منفلتة من كل وصف يتجاوز إدراكنا البئيس .
أما نحن ، الباقون هنا إلى أمد لا نعلمه، كم نحتاج من وهم جديد يوقظ فينا الآمال الموءودة والأحلام المهدورة داخل دوامة اللهاث وراء كل أشكال التوافقات المريبة التي تصاغ باسمنا وفي غفلة عنا ,

نشر
DR
مدة القراءة: 6'

آه سيدتي زهور ،لقد تحولت "قضيتنا" أو بالأحرى "قضايانا" لمجرد سجلات تجارية أو وكالات للأسفار يسترزق من خلالها عدد من الأفاقين والأفاقات في زمن الاسترزاق هذا "ريعا" تتعدد أوجهه بتعدد من ينصب نفسه ناطقا شبه رسمي عن معنيين أخرسهم الصراع المميت مع زمن جد قاسي بتفاصيله اليومية اللامحدودة . 

كم نحتاج من خدعة كي نؤمن بأمل قادم ولو على ركامات الإحباط اللامتناهية ,,,,؟؟ 
الفرق ما بين الأمس واليوم هي قوة وقع الأحلام ,,,,,,,,,
وما بين الحلم والوهم مساحة شاسعة ، وهنا مربط ركام الألم الموجع حد الدمار . 
الأحلام الصادقة تعطي للحالمين والحالمات قوة الدفع فيبدو صوتها هادرا مثل الرعد يصلصل عبر الأثير موقظا جحافل الغافلين من غفوتهم الأبدية كي يصيغوا مصيرهم بنوع من الصبر والإصرار .

الصادقون والصادقات لا يقبلون عن الحق والحقيقة والعدل والعدالة بديلا 
قناعاتهم أكبر من أن تقايض بأي ريع مهما علا شأنه ،
لأن الحق يعلو ولا يعلى عليه .
هكذا أنت ،
عرفتك حالمة بالحق والعدل والخير والجمال 
ومثابرة في صياغتهم من خلال رحلتك الدنيوية عبر مسارات متعددة 
أبدعت خلالها سبل الفعل ونسج آليات تنفيذه بكل حب وحكمة وهدوء. 
عرفتك ذات رحلة من طنجة حيث كنت أمارس مهنة التدريس إلى الرباط في غمار حملة المليون توقيع من أجل تغيير مدونة الأحوال الشخصية ،و من خلال جريدة 8 مارس التي تشرفت بنشر بعض مقالاتي على صفحاتها بنشوة لا تقدر بثمن . 
الجريدة النسائية الأولى في تاريخ المغرب الحديث على الأقل التي كنت من بين مؤسساتها .
ثم التقيتك ذات لقاء حقوقي على شاطيء المهدية ،
حيث أدهشتني عزلتك وطقوس نظافتك الدقيقة لغرفتك الشاطئية .
,أقر أنني اعتبرتك "متعالية" ولم أدرك آنئذ أن للسن شروطه وطقوسه الخاصة .....
إلى هنا بقي تواصلنا سطحيا ولم يتعمق أكثر إلا أثناء إحدى ندوات جمعية الشعلة بالخميسات التي شاركنا فيها معا و حيث تم تكريمك . هناك اكتشفت تميز مسارك النضالي والإنساني .
ثم التقينا من جديد بفاس مع الشعلة دائما وسافرنا معا لمولاي يعقوب حيث استمتعنا بحميمية السفر والاحتفاء بجسدنا من خلال "جاكوزات" حامة مولاي يعقوب بمياهها المعدنية و الساخنة .
مغامرة لذيذة ونحن نطمئن على بعضنا البعض وكل منا في جاكوزها كنت تنادين على كل واحدة منا لتطمئني إن كانت الأمور عادية ،ولكنني لم أجبك على الفور لأنني كنت أدبر معاناتي مع استقبال سخونة الماء التي لم تتحملها حساسية جسدي المرهفة قبل أن أشعر إثرها بدفء ينساب داخل شراييني بنعومة أشعرتني بلذة بالغة . 

خلال هذه الرحلة توجنا متعة الفكر بمتعة الجسد ثم عدنا إلى الرباط 
نقطع المسافة الفاصلة ببوح نسائي جميل ، ونحمل بأجسادنا دفء معادن "حامة "مولاي يعقوب التي ستحصننا من تسربات برودة فصل الشتاء الموالي . 

زرتك ذات مساء صحبة بعض الأصدقاء بشقتك إثر مرض ألم بك ،واستمتعنا بجلسة حميمية تلقينا خلالها دروسا في عالم التغذية والأعشاب الطبية وأمورا أخرى تشي بسعة معارفك جانب سعة محبتك.
لا أنسى أنك مددت لنا ونحن نودعك بالباب حزمة من الحلوى كي نأخذها معنا ،فأجبتك بأننا نحن الذين يجب أن يأتيك بالحلويات وغيرها لأنك مريضة ,,,
لكن ذكرني ذلك بعادة في طفولتي ،حيث كنا كلما زرنا بيتا لابد أن تعطينا صاحبته شيئا نأكله: أم صديقتي فاطمة وأصلها من الرحامنة ،كانت دائما تعطيني قطعة من خبز الشعير الساخن كل صباح عندما أطرق بابهم كي نذهب للثانوية معا ، نأكله خلال الطريق ونحن نمارس شغبنا الجميل أثناء رحلتنا في اتجاه الثانوية التي كنا نطوي خلالها الكيلومترات ,
نحن أبناء الشعب لاعلاقة لنا بالنقل المدرسي وليس لآبائنا سيارات 
تقلنا لمدارسنا كما يفعل آباء اليوم ,
لكنهم يزودوننا بما يكفي من الحب كي نتحمل مشاق الطريق بمتعة 
لقد كان والدي يعطيني يوميا نقودا أشتري بها حلويات ترافقنا خلال رحلتنا نحو المدرسة أو الثانوية 
ومع كل قطعة خبز أو حلوى أو نقودا حفنة من الحنان والحب ,
هكذا كان المغاربة كرماء في العطاء المادي وفي المحبة وخلق شروط التماسك والألفة بكل بساطة وتلقائية وود . , 

من يعطي الحلوى ،يعطي الحب والوقت والجهد والفكر ولا يستحضر المقابل أبدا , 
زهور منتوج جميل من الزمن الجميل حيث يعم شعار "كاد المعلم أن يكون رسولا" 
ولأن زهور ،تربوية بامتياز كانت تمارس مهنتها على الدوام .
كلما صادفتيني كنت تحثينني على الكتابة والنشر وتسألينني ما الجديد ؟
هذا يؤكد بأنك فعلا قابلة للكاتبات ،تشجعين إبداعاتهن بكل محبة خارج 
طقوس الغيرة المتداولة بين البعض ,
ولأنك كذلك احتضنت مشروع الربوة للمبدعات ،
هناك استمتعنا معا برفقتك ونقاشاتك القيمة والصارمة أيضا ,
أتذكر انتقاداتك وحرصك على ألا نسقط في المبالغة في الاحتفاء بالذات النسائية على حساب الجودة والنقد البناء ’ 
صرامتك دائما مصحوبة بلغة ناعمة تشي بخزان الحب الذي بداخلك ، 
ونقدك المستمر لذاتك يشي بتواضعك الجم مثل كل العظماء وحرصك على تقويم أي اعوجاج أو نقائص .
وتلك الأقواس التي تفتحينها باستمرار لتحكي لنا بعذوبة الشهرزادات شيئا من الزمن الجميل ،كنا نتابعها بشغف الاستكشاف ومتعة الإنصات لحكي خارج زمننا المبتور بآفاته الامتناهية , 
الربوة بدون حضورك تفقد أحد أهم ركائزها .
ركيزة تمثل امتداد الماضي القريب ،بوقاره و حكمته و صفاء قيمه وكل بهارات التوحيد ولم الشتات مهما كانت عناصر التفرقة .

فحتى موتك وحد الكثيرين الذين فرقتهم المسارات المتعددة 
موتك قزم المسافات وجعل من الرباط قبلة لمحبيك كي ينعموا بشرف توديعك لمثواك الدنيوي الأخير 
فهنيئا لك بهذا الرصيد الذي لا يفنى ,,,,

لك سكينة عالم آخر لامكان فيه لضجيج المنازعات التي لا تنتهي ,,
,لك نعم عالم لامتناهي وخارج إدراكنا المحدود ،لكنها قمينة بالكبار الذين لم يجعلوا من حياتهم العابرة مجرد محطة للملذات التافهة , 
ناضلت وكابرت وأعطيت بكل سخاء ,,,,الحب والفكر والقيم فمرحى لك 

سيدتي بكل هذا الحب والوفاء ,

شكرا سيدتي ،على كل بذرة زرعتيها على التربة المغربية علما أو نضالا أو محبة ,نعاهدك على سقيها كي تثمر في انتظار موعدنا

اللاحق 
نحن عابرون في زمن عابر ، غارقون في بحر من الأوهام ونادر منا من يمسك بتلابيب حقيقة زئبقية تذكره بتفاهته ,

أغنى الناس من ينعم بحب الناس وتقديرهم , من شيد عمارات سيروح وتبقى العمارات بدون هوية معينة ،لكن من شيد الصروح القيمية يكون قد بصم التاريخ ببصماته وأصبحت هويته جزءا من المشترك تتعالى عن الزمان وحتى المكان ,

لاتنسيننا حتى لو وجدت رفقة أحسن منا في عالمك الجديد ,,,,,,,
فلن ننساك أبدا لأننا أحوج إليك منك إلينا 
ومرحى لك بموت شريف في زمن لا يعرف للشرف قيمة

عائشة التاج ,الرباط ,‏24‏/11‏/2013

منبر

عائشة التاج
أستاذة وباحثة
كاتبة وباحثة اجتماعية
كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال