القائمة

الرأي

بعد اتفاق جنيف أي دور حددته أمريكا لإيران؟

إستفاق كثير من القادة العرب على واقع جديد في العلاقات الإيرانية الأمريكية خاصة و الغربية عامة أصاب الكثير منهم بقلق و إحباط . فقد أثبتت إيران أنها أكثر قدرة على المناورة، و أشد استعدادا للتنازل عما أوهمت العديد منهم بأنه مصالحها الإستراتيجية و مبادئها الأيديولوجية الثورية التي لا تقبل التفاوض. و على افتراض هذا العناد تجاه الغرب بنى كثير من العرب، خصوصا دول الخليج رؤيته الاستراتيجية للعلاقة الإيرانية الغربية. متصورين وهما أن ستستمر إيران في عنادها ،و تصلبها على مواقفها مما تسميه بالحقوق النووية للشعب الإيراني، و بالتالي فقد توقعوا مزيدا من التأزم في العلاقة بين طهران، و العواصم الغربية  مراهنين على أن الغرب سيكفيهم  مؤونة محاصرتها، و معاكسة مشاريعها المناوئة  لدول الجوار العربي، كالسعودية، و البحرين ،و الكويت و اليمن.

و بالرغم من تحذير كثير من الباحثين الاستراتيجيين في دول المنطقة من تهافت هذا التصور، و نَبَّهوا مرارا على خطورة الاعتماد على هذه النظرة الكلاسيكية في التعامل مع إيران، كالدكتور النفيسي، و الدكتور المسفر، و غيرهما إلا أن بعض قادة دول الخليج استكانوا إلى  تلك النظرة التقليدية في تصورهم للعلاقة بين إيران و الغرب. حتى فوجئوا بتهاوي قلاع تلك النظرة بسرعة في الأيام الأخيرة..

نشر
DR
مدة القراءة: 12'

لقد تبين للجميع الآن أن إيران كانت تتفاوض في السر مع أمريكا منذ أكثر من سنة، وتبين أن تسليم سوريا المفاجئ لمخزونها الاستراتيجي للسلاح الكيماوي كان جزء من تلك المحادثات السرية، حيث ضغطت إيران على بشار كي يسلم السلاح الكيماوي لأمريكا دون أي تردد لتَسْلم لها مشاريعها في المنطقة.و تبين أيضا أن إيران كانت تتفاوض على بنود تصادم كل شعاراتها الموجهة للإستهلاك المحلي و الإقليمي، كمراعاة أمن إسرائيل، و التعهد بعدم المساس بأمنها، و هو ما صرَّحت به الوفود الأوروبية المشاركة في محادثات جنيف الأخيرة، و أكده أكثر من مرة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري. و تفاوضت أيضا على التنازل التدريجي عن تخصيب اليورانيوم يبدأ بموافقة إيران على تخفيض مستوى التخصيب إلى 5% كبداية. مما يعني انتهاء حلم إيران في الإفلات بصنع قنبلة نووية. كما وافقت إيران على إخضاع جميع منشآتها النووية للمراقبة المباشرة، و للتفتيش الدوري و المفاجئ.

كل هذا في مقابل رفع العقوبات الغربية على إيران، و ربما إطلاق يدها في المنطقة و هو ما يعني إيران أكثر الآن،و هذه النتائج التي تناولت فيها إيران عن كل شيء بينما لم تكلف الغرب غير التخفيف من العقوبات التي فرضها مما يسفه أحلام بعض المنخدعين الذين ما يزالون يردون مقولة أن إيران تتفاوض كند لأمريكا !. و هذا المنحى الذي برز إلى السطح قد أقلق دول الخليج خصوصا السعودية التي باتت إيران- بنفوذها الكبير في العراق -على حدودها الشمالية، و أصبحت قذائف جماعاتها الشيعية تنزل على الأراضي السعودية لأول مرة، كما حدث في منطقة حفر الباطن عقب تفجير السفارة الإيرانية في بيروت.

دول الخليج و بعد تغيير بوصلتها نحو دعم الانقلابيين في مصر، و ما استنزفته هذه الخطوة الغير محسوبة من مال، و سمعة، و مصداقية عربيا و إسلاميا، باتت تدرك اليوم أنها الخاسر الأكبر في المعادلة الجديدة . فلا الانقلابيون استطاعوا أن يقمعوا تطلعات الشعب المصري من الإخوان و من لحق بهم، و درء خطر انبعاث رياح الربيع العربي في الجوار، و لا أمريكا أسعفتهم في مشاكسة إيران و عرقلة مشاريعها الزاحفة. 

أي دور يريده الغرب لإيران في المنطقة؟ 

بات واضحا للعيان اليوم أن الغرب الذي لا تتحرك خطواته الديبلوماسية و السياسية إلا على ضوء تصاميم خططه الاستراتيجية التي يسهر على وضعها، و مناقشتها جيش من المفكرين الإستراتيجيين قد هيأ لإيران الدور الذي تلعبه في المنطقة، و ضَمن لنفسه لا عبا جديدا وافق على اللعب ضمن الإطار المحدد الذي لا يمس بمصالحه، و تعهداته الأمنية لحليفته الاستراتيجية.و باتت بعض الدول العربية في الخليج تدرك أنها ليست لها تلك المكانة في الأولوية الأمريكية، و أن أمريكا مستعدة أكثر من أي وقت مضى لإتاحة فرص أكثر لإيران لإزعاج دول الخليج. و قد عبر ت بعض هذه الدول صراحة على هذا الانزعاج من خلال رفض السعودية لتسلم مقعدها الدوري في مجلس الأمن احتجاجا على عدم القيام بدوره في حماية الشعب السوري من مجازر بشار و احتلال إيران و حزب الله للأراضي السورية –كما صرحت السعودية أكثر من مرة. و أكثر ما استرضت به أمريكا حلفاءها في الخليج هو تطمينهم الشفوي بأن من بين ما نوقش في المفاوضات مع إيران هو تعهد إيران بعدم التدخل في شؤون دول الجوار،و أمام إفلات المبادرة من يد دول الخليج لم تجد هذه الأخيرة إلا أن تبارك التوجه الإيراني الجديد تجاه الغرب، الشيء الذي يمكن تفسيره بمجاملة القبول بالأمر الواقع !

قبل فترة قرأت للبروفيسور الأمريكي تريطا بارسي كتابه: " التحالف الغادر" المعاملة الخفية بين إيران و إسرائيل و أمريكا

And the USA The treacherous Alliance: Secret dealings between Iran Israel

و ذهلت لما احتواه من معلومات توثق لتلك الاتصالات السرية التي لم تنقطع منذ قيام الثورة و أنتجت توريد أسلحة من إسرائيل لإيران طيلة سنوات في عهد الخميني و كذلك التعامل المباشر مع المخابرات الأمريكية في أكثر من قضية ، أهمها قضية ما سميت يومها بقضية إيران كونترا، كما قرأت مقالة للكاتب الأمريكي دايفيد إجناتيوس في الواشنطن بوست عدد الجمعة 13 أبريل الماضي تحت عنوان:

For a new order in Iran, look to post-revolutionary France

من أجل ترتيب جديد في إيران يجب التطلع إلى "نموذج" فرنسا ما بعد الثورة.

ذكر فيه كيف أن الغرب اليوم يتجه بقوة نحو التعامل مع إيران على أسس استراتيجية جديدة. تتلخص فيما سبق أن ذكره هينري كيسينجر ، أحد أكبر واضعي السياسات الاحتوائية ،و سياسات الهيمنة التي سارت في ركبها الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ أن كان وزيرا لخارجيتها في عهد نيكسون سنة1977.

كيسينجر منذ مدة و هو يروج لاعتماد سياسة جديدة تجاه إيران مستلهما ما كتبه في أطروحته لنيل درجة الدكتورة من جامعة هارفيرد و التي أسماها: القوة المستعادة: The Restored Power و تمحورت حول أنموذج السياسة الاحتوائية التي انتهجها كل من الكوت ميترنيخ النمساوي ) Von Metternich ) 1773-1859 و اللورد كاسليريغ البريطاني الذين برزت مهارتهما في سياسة احتواء العنفوان الثوري الفرنسي في مؤتمر فيينا عام 1815.

و قد استطاعت هذه السياسة المنصوح بها احتواء ذلك الحماس الثوري الأيديولوجي لفرنسا من أجل التعايش والاستقرار في ضوء المصالح الاستراتيجية لكل من النمسا و بريطانيا يومها. كيسنجر بدا مقتنعا في المحاضرة التي كان ألقاها قبل شهور في جامعة هارفرد التي نال منها درجة الدكتورة و عمل فيها محاضرا حتى التحاقه بالحكومة سنة 1969 بإمكانية توظيف الزخم الثوري و الطائفي لإيران لصالح المصالح الاستراتيجية للغرب. و بدا متحمسا في الدفاع عن حق إيران في نشر أيديلوجيتها - مذهبها -والبلوغ بها إلى أقصى ما يمكن. عبر الترويج لفكرته السالفة الذكر، و التي ذكر فيها أنه: "جوهريا لأية قوة ثورية أن تملك شجاعة الدفاع عن معتقداتها، بل و التشوق لبسط مبادئها، و الوصول بها إلى منتهاها. و خوفا من مظنة التدليس، فإنني أورد عبارته كما هي :

“It is the essence of a revolutionary power that it possesses the courage of its convictions, that it is willing, indeed eager, to push its principles to their ultimate conclusion.”

و يؤكد كاتب المقال داوود إجناتيوس أن هذا الوصف الكيسينجيري هو ما يجب أن نطبقه على إيران الملالي. أي أن يسمح لها بنشر مذهبها على أوسع نطاق في المحيط السني من حولها، والسماح لها بالتعايش السلمي مع الغرب، في مقابل شرط واحد هو عدم ابتزاز الغرب نوويا. و بعبارة أخطر. فإن الغرب مستعد للسماح لإيران بالاستيلاء المذهبي على المنطقة في مقابل ضمان مصالحه الاستراتيجية.و لقد برزت في تلك المقالة عبارات تلمز أهل السنة كونهم لم يستوعبوا بعد كنه الثورة الإيرانية، فبالأحرى الثورات الربيعية التي اجتاحت منطقتهم._ يقصد الحكام طبعا- لأن أكبر ما يؤرق المفكرين الاستراتيجيين الغربيين هو سرعة انتشار الدين الإسلامي بين أبنائه في الغرب، خصوصا المثقفين منهم، و المعلوم إحصائيا أن أكثر من 99% ممن يدخلون الإسلام في الغرب يحتضنهم السُّنة، و يغريهم ما عليه الأمة الإسلامية التي أكثر من 93 في المائة منها من أهل السنة و الجماعة. و لذلك فهم ليسوا طائفة - كما يشاع - بل الطائفة و النحلة هي الفصائل المنشقة عن الأصل.، و الذين يدخلون التشيع منهم لا يكادون يبلغون نسبة 1% . فالممارسات الشيعية في الحفلات الدموية في عاشوراء مثلا، و طقوس التطبير المقززة و التي أصبحت القنوات المعادية للإسلام في الغرب تتعمد نقلها على الهواء، و تصر على عرضها على مآت الملايين من المشاهدين الغربيين لتبشيع صورة الإسلام في حسهم، هذه الصورة تنفِّر كل من يشاهدها من الاقتراب من تلك النحلة. فذلك الأنموذج الموغل في البشاعة لا يمكن إلا أن يستنكف منه كل ذي ذوق سليم. و لا يمكن أن يغري من يتمتع بأي حس إنساني. إضافة إلى أن الشيعة يركزون جهودهم على استغفال السذج من بسطاء السنة في هوامش و أطراف بلاد المسلمين، أو في المهجر حيث الأمية الدينية و الثقافية. و استغلال عاطفتهم السنية على آل البيت. ولا يعيرون كبيرَ اهتمام بدعوة غير المسلمين إلى الإسلام. و من يفعل ذلك منهم يلاقي دوما فشلا ذريعا، فالنموذج الطائفي الإيراني لا يبدو أنه يغري أحدا في الغرب.

من هنا ربما نفهم الدواعي الخفية، و الحقيقية لهذا المنحى الذي بات الغرب يتجه نحوه، و قد ازداد زخما بالاحتلال الأمريكي للعراق الذي تواطأت فيه إيران، و المراجع الشيعة، و من يقلدهم مع المحتل، و ليس صدفة أن تكون إيران هي الدولة الأولى التي تبادر إلى الاعتراف بحكومة بريمر التي أقامها الاحتلال الأمريكي في العراق.

و ليس صدفة أن مكنت إدارة بوش عملاءها من رؤساء الأحزاب الشيعية مثل المالكي من حزب الدعوة الشيعي، و عبد العزيز الحكيم رئيس ما كان يعرف ب"المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق" من تبوإ مناصب قيادية عليا في حكومة الاحتلال.

و ليس صدفة أن أصدر أكبر مرجع شيعي آية الله السيستاني الإيراني الأصل فتواه التاريخية الشهيرة بتحريم مقاومة الاحتلال الأمريكي بل و حسن التعاون مع جنود الاحتلال.

و ليس صدفة أنه صَمَتَ صَمْتَ القبور على الجرائم الفظيعة التي ارتكبها الاحتلال الأمريكي ضد عشرات الآلاف الذين سحقوا قتلا سواء في الفلوجة أو الرمادي أو في بغداد أو البصرة أو غيرها من المناطق، و لم ينطق ببنت شفة في فضيحة سجن أبي غريب الذي أهين فيه المآت من العراقيين و أهين دينهم و استهزئ فيه برسولهم و كتابهم.

و ليس صدفة أن يسكت مراجع الشيعة، خصوصا من كان في الحكومة منهم مثل، عبد العزيز الحكيم و ابنه عمار الحكيم و غيرهما على إبادة عشرات العراقيين في الفلوجة باستعمال الفسفور الأحمر.

كما أنه ليس صدفة أن يعقد عبد العزيز الحكيم لقاء مطولا مع هينري كيسينجر في واشنطن، و يتدارس معه مستقبل العراق ! و كان إلى عهد قريب يتصنع العداء لأمريكا بنعتها بالشيطان الأكبر !!!

و ليس صدفة أن يعترف كل من رفسنجاني و علي أبطحي نائب الرئيس الإيراني بأن إيران قد لعبت دورا أساسيا في تمكين أمريكا من احتلال كل من بغداد و كابول.

و اليوم ليس صدفة أن يتغاضى الغرب عن الدعم الإيراني الفاضح لأشد الأنظمة دموية في التاريخ الحديث، و ليس صدفة أن يتعامى عن دعم عملائه في حكومة العراق الشيعية للطاغية بشار بالعتاد و المقاتلين كما يرد في مصادر إخبارية شتى، و كما صرح نائب الرئيس طارق الهاشمي قبل التآمر عليه.

كل هذا و عشرات الوقائع الأخرى ليست صدفة. فمن ما يزال يفسر الأحداث السياسية على قاعدة حسن النية الطوباوية أثبتت الأيام أنه ما يزال يغط تحت لحاف الغفلة السميك !

أهم دور رسمته أمريكا لإيران اليوم هو مقاتلة الجماعات الإسلامية المعادية لها على أرض سوريا. هذا الأمر أمسى من أوضح الأشياء و الغريب أن حسن نصر الله سبق أن صرح بهذا الأمر قبل سنتين و قبل أن يفتضح تدخله المباشر في سوريا، لكنه اليوم قد انخرط في هذا الهدف الأمريكي بكل قوة. بعد أن انقلبت المفاهيم السياسية لديه تماما و من مؤشرات ذلك تصريحه الغريب قبيل اتفاقية جنيف حيث قال بأن التقارب الأمريكي الإيراني هو لصالح المقاومة. مما يعد استهزاء بمن ما يزالون منخدعين به. 

ما لا يعرفه الغرب أن الأمة اليوم أوعى بالمخاطر المختلفة التي تحوم حول ديارها من أي وقت آخر مضى. فآخر مغفل و مخدوع بالبريق الأيديولوجي الكاذب لمعسكر إيران قد سقط عنه قناع الغفلة تلقائيا و هو يرى قتل الأبرياء بالآلاف في سوريا، و تهجيرهم من ديارهم، و تهديم مدنهم على رؤوسهم بتواطإ تام، و و تمويل و تسليح من إيران و حزب الله و حكومة العراق الشيعية. إن ما جرى في العراق، و سوريا قد وفَّر على الدعاة كُلفة سنوات بل و عقود من الجهود الدعوية و التثقيفية. لقد اكتسبت الأمة الإسلامية مناعة ضد كل الأباطيل و الأكاذيب التي كانت تزعم أن إيران و حزب الله يقفان مع المظلوم ضد الظالم ! و مع العلماء الربانيين المجاهدين ضد علماء البلاط و علماء السوء. و مع الدم ضد السيف. اليوم يقفون مع الطاغية المستبد ضد الشعب السوري المستضعف لأن جريمته أنه سني.و أنه أراد الخروج من العبودية. و مع علماء السلطان الجائر ضد العلماء الربانيين الذين اصطفوا مع مطالب الشعب من أمثال العلامة المفسر محمد علي الصابوني،و الشيخ أسامة الرفاعي، و الشيخ نعيم العقسوسي و الشيخ نعيم الحريري و العلامة الشيخ محمد كريم راجح، و الشيخ أحمد صياصنة و الدكتور النابلسي، و الدكتور وهبة الزحيلي و باقي الكوكبة من العلماء المخلصين.

خاتمة:

من يقرأ لبعض الكتاب الاستراتيجيين الأمريكيين هذه الأيام و هم يدلون بدلوهم في رسم خطط للسياسة الاستراتيجية و الدبلوماسية الأمريكية المتعلقة بمستقبل إيران و الشرق الأوسط يحس كما لو كان يقرأ لنظرائهم من الكتاب الاستراتيجيين الإيرانيين أمثال الدكتور محمد جواد لاريجاني صاحب كتاب: مقولات في الاستراتيجية الوطنية التي ضمنها ما أسماه : نظرية أم القرى. التي تدعو إلى اعتماد سياسة تستقطب المسلمين نحو محور قم بدل مكة.من يريد تفاصيله فهذا رابطه من مدونتي:

http://arouas.blogspot.com/2013/03/blog-post_15.html

و يبدو أن بعض راسمي السياسات في منطقة الخليج قد وصلتهم طلائع هذه الرسالة الأمريكية و الغربية عموما و استشعروا خطر التحالف الغربي الإيراني في أكثر من موقع خصوصا سوريا و العراق الذي قالت عنه السعودية بأن أمريكا سلمته لإيران على طبق من ذهب.فهل بسبب هذا التحالف الغير معلن بين أمريكا و إيران والذي أصبح يرى في الأفق الملبد بسحب التقلبات السياسية في المنطقة كان وراء اندفاع دول الخليج إلى طلب الوحدة مع المغرب و الأردن؟ و هل بسبب هذا الارتياب من الموقف الأمريكي جاءت دعوات واضحة إلى الوحدة بين دول مجلس التعاون في قمته الأخيرة؟.

أرجو أن تكون الصورة جلية لمن يقفون في الطليعة حتى لا يوردوا مَن خَلفهم مَوارد الهلاك. فالمسيرة طويلة و الأجواء محفوفة بالمخاطر منها ما ينطلق من محض مصالحه الأنانية، و منها ما قد انبعث ماردا من لجة الأحقاد التاريخية الطائفية و القومية المقيتة. و لا شيء أنفع في درء هذا الخطر المستقبلي من التحام حقيقي للقاعدة الشعبية مع الطليعة القيادة في ظل انفتاح شوري ديمقراطي و ظلال حكم عادل.

زيارة موقع الكاتب: http://www.arouas.blogspot.com

منبر

أحمد الرواس
صاحب مقاولة صغيرة لإنتاج الملح
 www.arouas.blogspot.com
ما هي سيناريوهات العلاقات الإيرانية الخليجية بعد التقارب الأمريكي الإيراني؟
الكاتب : zaudi
التاريخ : في 09 يناير 2014 على 16h29
سهرت الكثير من العواصم العربية طوال الأيام السابقة سياسياً ودبلوماسياً وهي تحاول تفكيك وقراءة نتائج التقارب المربك بين كل من الرئيس الأمريكي باراك أوباما والرئيس الإيراني حسن روحاني مما جعل التفاصيل مداراً لنقاشات بارزة ومهمة في مستويات القرار الخليجي، إذ تم التركيز على جزئية الاتصال الهاتفي الذي تلقاه السفير الإيراني في الأمم المتحدة ليفاجئ بأن الرئيس أوباما على الخط ويطالب بالتحدث مع الرئيس روحاني.

رفضت دول مجلس التعاون الخليجي أن يكون التقارب بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران على حساب مصالحها، وقال الأمين العام للمجلس عبد الرحمن العطية في تصريح صحافي عقب القمة التشاورية الحادية عشرة التي عقدت في الرياض رداً على سؤال عن موقف دول الخليج من التقارب الإيراني الأمريكي "نحن نؤمن بالحوار ...إلا أننا نأمل أن أي حوار بين الدول ألا يكون على حساب مصالح دول مجلس التعاون الخليجي "، وأضاف "أن هناك تحرك أمريكي إيجابي نحو إيران نأمل ألا يكون على حساب الأمة العربية ومصالحها وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي ".

وأوضح "هناك تهديد استراتيجي وتهديد عسكري لدول الخليج، مشدداً على معارضة “أي برنامج نووي خارج نطاق المعايير التي أكدت عليها الوكالة الدولية للطاقة الذرية لأننا نؤمن بألا يؤدي هذا البرنامج الإيراني إلى اهتزاز ".

وقال المحلل السياسي المقرب من الدوائر السياسية السعودية عبد العزيز بن صقر لوكالة فرانس برس، إن دول الخليج لديها مخاوف وهواجس، بعد هذا التطور في سير العلاقات السياسية بين واشنطن وإيران، وفي الواقع، فإن دول مجلس التعاون الخليجي الست ترى بحسب الصقر أن أي تحسن في العلاقات بين واشنطن وطهران، يمكن أن يساهم في استقرار وأمن المنطقة "، إلا أن هذه الدول لديها تحفظات في خصوص سرية المحادثات ونوعية التنازلات.

هذا وتتهم دول الخليج إيران بدعم الاحتجاجات التي يقودها مواطنون شيعة في شرق السعودية والبحرين واليمن، إذ أن التقارب الأمريكي الإيراني يأتي وسط حالة انعدام الثقة بين الطرفين الخليجي والأمريكي على خلفية الحرب في سورية، كون أن دول الخليج كانت تفضل تدخلاً عسكرياً ضد نظام الأسد، وقال الكاتب السعودي عبد الرحمن الراشد ملخصاً الانزعاج الخليجي " كنا ننتظر الضربة التأديبية التي وعد بها أوباما ضد نظام الأسد، لكن أوباما بدلاً من ذلك ضرب حلفاؤه بمكالمة غزل سياسي أجراها مع حليف الأسد ".

كما اعتبرت صحيفة هآرتس الاسرائيلية في تحليلها إن ملامح التحسن في العلاقات بين واشنطن وطهران قد تؤدي بالضرورة الى تقارب خليجي واسرائيلي مؤكدة إنه بالإضافة الى تل أبيب فإن دول خليجية تخشى من صفقة أمريكية إيرانية تكون على حساب مصالحها والتي ستؤدي الى تضعيف الدور العربي في المنطقة، وذكرت الصحيفة إنه في الوقت الذي كان يلتقي فيه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري نظيره الايراني محمد جواد ظريف على هامش اجتماعات الامم المتحدة، جرت مباحثات متشابهة بين دبلوماسيين اسرائيليين ونظرائهم في عدد من الدول الخليجية والعربية.

ولإن السياسة الدولية لا تعرف إلا لغة المصالح وجدت الولايات المتحدة الأمريكية إن مصلحتها تكمن في التوافق مع إيران وإن اتخاذ مواقف أي عدائية معها لا يحقق الأهداف والمصالح الأمريكية، وهذا ناتج عن كون إيران دولة لها مكانتها الدولية ولاعب استراتيجي أساسي في منطقة الشرق الاوسط والخليج.

إن الكثير من المحللين السياسيين والاقتصاديين يعتقدون بأن انقطاع العلاقات الإيرانية الامريكية منذ أكثر من ثلاثين عاماً خدم الدول العربية كثيراً إذ أخذت السعودية مثلاً مكان نظام الشاه الإيراني الذي كان شرطي المنطقة ويشتري الأسلحة الأمريكية ويخزنها في البلاد وهذا ما تفعله السعودية اليوم، ومن جهة أخرى استفادت الإمارات العربية المتحدة من الحصار الغربي لإيران وأصبحت منطقة تجارية دولية وبوابة العالم الاقتصادية على إيران.

ومن هذا المنطلق ترى بعض الدول العربية في أن استمرار القطيعة بين إيران وأمريكا مصلحة استراتيجية مهمة ولكن بالمقابل من وجهة نظر المحللين فإن هذه القطيعة لتصورات هذه الدول لن تدوم وستعود العلاقات بين إيران وأمريكا، وعندئذ ستخسر معظم الدول العربية الكثير بما فعلته في الماضي من استعداء لإيران والوقوف الى جانب الدول الغربية وعلى الأخص الولايات المتحدة الأمريكية ضدها.

إن اللقاءات الرسمية العلنية التي شهدتها نيويورك بين وزراء خارجية الدولتين أعطت رسالة واضحة وصريحة أن التقارب سوف يعطي نتيجة قريبة قد تخرج إيران من عزلتها مع الغرب وتعيدها الى ساحات الدبلوماسية كما كانت في السابق.

كما أن ردود أفعال الجانب الأمريكي مع إيران تبدو مرحبة بفكرة التقارب معها لأسباب كثيرة منها، إن التقارب الأمريكي مع ايران يمثل فرصة جديدة لأمريكا في ابتزاز الدول الخليجية بشكل أكبر لصالح أجندتها لا سيما وان دول الخليج لا تمتلك أوراق ضغط كثيرة على امريكا سوى ورقة النفط، وهي ورقة تعتبر محروقة حالياً كون ايران تمثل هي وحليفتها العراق مصدراً مهماً للطاقة في المنطقة، إذ تستطيع الولايات المتحدة خلالهما الاستغناء عن حاجتها النفطية من دول الخليج، بل إن أمريكا بتقاربها من ايران سوف تجر دول الخليج على تقديم المزيد من التنازلات السياسية لها للإبقاء على مستوى علاقاتها مع أمريكا على نفس الوتيرة السابقة، مما قد ينتج عنها توترات جديدة في العلاقة بين الطرف الإيراني والخليجي بسبب المنافسة المحتملة بين الطرفين للتقرب من أمريكا قد تتعدى آثارها النواحي السياسية لتصب في موضوع تأجيج الصراع الطائفي في المنطقة وإثارته بشكل أسرع وأقوى وهذا ما يصب في صالح السياسة الأمريكية والاسرائيلية في المنطقة، كما ان التقارب الأمريكي الايراني سيسهم في فتح قنوات دبلوماسية مع ايران تجاه الأزمة السورية والمنطقة بأكملها.

ومما سبق أرى أن هناك ثلاثة سيناريوهات مستقبلية للعلاقات الايرانية الخليجية تتراوح بين الصراع والتهدئة، وهي متداخلة ومتشابكة الى حد بعيد، بناءاً على مدى تأثرها بمتغيرات البيئة العربية والاقليمية والدولية وتتمثل بالآتي:

السيناريو الأول :
تعاوني وتوافقي، سيعزز العلاقات بين الطرفين عن طريق إيجاد حلول واقعية لكل الخلافات والمشاكل العالقة بينهما، وفي هذا السيناريو ستعمل ايران الى تهدئة الأقلية الشيعية في الدول الخليجية، مع إمكانية الوصول الى حل سلمي لقضية الجزر الثلاث عبر التحكيم الدولي أو أي حل آخر يرضى به الطرفين، فضلاً عن تطوير التبادل التجاري والاقتصادي والاستثماري بين طهران ودول الخليج مما سيؤدي الى معالجة وحل المشكلة الاقتصادية الايرانية، وربما ستقوم دول الخليج بمحاولة رفع العقوبات الاقتصادية عن طهران إذا استطاعت أن تقدم المزيد من التنازلات في برنامجها النووي.
السيناريو الثاني:
استمرار الفتور في العلاقات الايرانية الخليجية، وبالتالي سيغلب الاتجاه الصراعي القائم حالياً، إذ أن هذا السيناريو مرتبط باستمرار حالة الخلل في التوزان على كافة المستويات الاقليمية والدولية، وستدخل إيران في مواجهة ليس مع الدول العربية فقط وإنما مع الدول الخليجية أيضاً.
السيناريو الثالث:
هو وسطي يقع بين السيناريوهين السابقين، فقد يكون تعاونياً أحياناً وصراعياً أحياناً أخرى، وفي ظل هذا السيناريو ستكون العلاقة بينهما قائمة على الشك والريبة ويميل الى التهدئة في أغلب الأحيان، وفي إطار ذلك إن النهوض بمستوى العلاقات الايرانية الخليجية يتطلب العمل الجاد والحد من العوامل التي تؤدي الى التنافر والصراع بين البلدين.

إن ما سبق يؤكد حاجة البلدين الى آليات تساعد على تحديد الأسس أو الأرضية المشتركة التي يمكننا من خلالها رسم صورة لمستقبل العلاقات الايرانية الخليجية في ضوء المعطيات الراهنة للوصل الى أقرب نقطة ممكنة للحد من القيود والضغوط الاقليمية والدولية اللذان تتعرضان لهما في ظل هذه التحديات.

والسؤال الذي يفرض نفسه بقوة هنا، كيف تفكر طهران، وما هي رؤية الدول الخليجية للتقارب الأمريكي الايراني وما هو تداعياته على المنطقة بشكل عام وعلى السعودية وجاراتها بشكل خاص؟

إن أي محاولة لتحجيم المشاريع النووية الايرانية لا بد له أن ينعكس إيجابياً على السلم في منطقة الخليج بالذات لقرب المنشآت الايرانية من المنطقة، فضلاً عن إنه ربما قد يؤدي التقارب الامريكي الايراني الى انفراج على الساحة السورية يخفف معاناة الشعب السوري ويحل الازمة العالقة والتي لم تستطيع الجهود السعودية حسمها رغم كل المبادرات والتمويل للأطراف المتنازعة على سورية.، فالتفاهم الروسي الأمريكي الذي تلاه التقارب الامريكي الايراني أثبت عدم قدرة السعودية الدبلوماسية الدولية التي تبدو وحيدة في دور المراقب المتوجس من تطور الأحداث في المنطقة وغير قادرة على تحويل النتائج لصالحها.

وأخيراً أختم مقالتي بالقول إن ثبات واستقرار هذه المنطقة رهين بالعلاقات الايجابية بين كل من إيران والدول العربية وعلى الاخص الخليجية منها وان التنمية المستديمة في الدول العربية لا يمكن تحقيقها إلا من خلال علاقات متينة وإيجابية وثابتة ومستقرة مع جارتهم الكبرى إيران. وعلى الادارة الأمريكية التي تعيش في حالة من الحيرة والتردد في التعاطي مع إيران إلا أن تعترف بقوتها سياسياً واقليمياً وتقنياً، وكما لجأت أمريكا الى لغة الحوار مع إيران فمن المناسب ان تلجأ دول الخليج الى المنهج نفسه وليس المواجهة أو الصراع معها، ولا بد للدول العربية أن تعالج سياساتها الخاطئة قبل السعي لإقامة علاقات مع اسرائيل نتيجة استياءها للتقارب الايراني الامريكي التي أدت الى قتل أي مشروع نهضوي عربي.