القائمة

الرأي

الصدق كمنطلق مشترك للإسلاميين وللعلمانيين المغاربة

قد يختلف الإسلاميون والعلمانيون حول مسائل عدة وأساسية بالنسبة لكل طرف منهم، لكنهم ولا شك سيتفقون على أرضية قوامها الصدق والصراحة كي يلتزموا بعد ذلك بنبذ العنف والتخويف والإرهاب المؤسس لهويتنا ولتوسعنا جميعا منذ أربعة عشر قرنا.

نشر
DR
مدة القراءة: 6'


في الثامن شهر فبراير 2014، إقترح الدكتور الشقيري الديني بموقعي هيسبريس ويابلادي “أرضية توافقية بين الإسلاميين والعلمانيين” أهم ما ورد فيها :

أ – لباقة العبارة، مما ينم عن حسن نية وعن وقار لا يتطاول على الند، بل يحترمه توخيا للسلم وللأخوة بين المغاربة مهما اختلفت أصولهم ومهما تعارضت وجهاتهم الفكرية والسياسية والعقيدية.

ب – التعبير بكل وضوح عن رفضه للمساس بما يعتبر قطعيا بالدين الإسلامي وللجهر باختراق المحرمات المتعلقة بالجنس والصيام والمسكرات (والمخدرات) أو بالكفر، أي عدم الإتفاق مع مسلمات القرآن والسنة.

ج – يعتبر الكاتب أن النبي هو الوحيد الذي كان منزها في جمعه بين كل مرافق الدين والدولة وأن أبا بكر أسس لحكم من نوع آخر إذ كان متقيدا بالشورى ومتقبلا للمحاسبة. ويعتبر الكاتب أن الأوراق خلطتها اليوم دولة إسلامية تعترف بولاية الفقيه-الإمام وتنزهه عن أي مراقبة أو محاسبة أمام الشورى ، الشيء الذي لا يقبله ولا يقر به أهل السنة.

د – يطالب الدكتور الشقيري كل الطرفين، الديني والعلماني، باحترام الملكية باعتبارها حكما بين الفرقاء السياسيين، ومدبرة للشأن الديني من خلال مؤسسة إمارة المومنين.

والأهم من هذا كله هو ما كتبه في بداية مقاله، جملة مفيدة جدا يؤكد فيها : “أن المرجعية اللائكية التي ينطلق منها إخواننا العلمانيون، تختلف جذريا عن المرجعية الإسلامية التي يصدر عنها التيار الإسلامي على اختلاف تلاوينه”. وهذا تلخيص جيد لما يستنتجه كل قارئ متمعن للمقال.

فإن اعترفنا، كالدكتور الشقيري الديني، بإن لكل من الطرفين بنية أو بناء فكري مختلف اللبنات والمرجعيات، فعلى أية أرضية مشتركة صلبة ومتينة يمكنهما يا ترى إقامة حوار بناء لتأسيس مدينة ودولة مبنية على إرادة الشعب نتمنى لها أن تصبح فاضلة، آمنة، عادلة ؟

أعتقد أنه يمكن للمومنين (وإليهم ينتمي جزء من العلمانيين) ولغير المومنين أن يتفقوا على منطلق ومبدإ مشترك قوامه الصدق والصراحة أو ما أسميه نبذ الوفاق والإتفاق على النفاق.

قد يكون من شأن هذا المبدأ المشترك، مبدأ الصدق الصريح، أن يساعدنا على تفحص تاريخنا بنزاهة وبواقعية خلدونية لئلا نتنكر للحقائق المادية والبشرية وراء ما اعتبره أجدادنا كمعجزات تتدخل فيها جحافل من الجن والملائكة. إن قررنا الإلتزام بالصدق ومصارحة أنفسنا فلا شك أننا سنزيح الرمل والغبار على اللبنات الأساسية المؤسسة لهويتنا المشتركة لنقف على مكمن الهشاشة ببنيتنا الفكرية لمجتمعاتنا ولسياساتنا.

أعتقد أن الدكتور الشقيري وكل المومنين الصادقين يعلمون كل العلم أنه أصبح لازما علينا جميعا استئصال العنف المتجذر، بكل عروقه، في عمق تاريخنا، في رمال بيدائه منذ حقبة التأسيس لهويتنا ولفتوحاتنا.فطالما لم نكن صريحين مع أنفسنا لنعترف أن العنف والخوف والتهديد والإرهاب والظلم لأجدادنا، الذين نعتناهم بالجاهليين لنتجاهلهم قرونا عدة، هو الأساس الهش لما بنيناه لحد الآن من أنظمة فكرية وسياسية واجتماعية قمعية، طالما لم نرم الصدق فإنه لن يرتاح لنا ضمير ولن نتفق سوى على مزيد من النفاق سنضيفه لنفاق الأجداد وعلى مماطلات ومراوغات لم تعد ذات جدوى ولن يطمئن لها لا المومنين ولا غيرهم من شرائح الشعب المغربي.

لحد الآن، أعتقد أن الجمع الغفير من مواطنينا العربــآمازغيين ومن إخواننا بالدول العربية اتفق على تجنب الصدق وعلى تملق نفسه لنفسه ليتابع أحلامه التي أوهمته، طيلة قرون، أنه خير أمة أخرجت للناس، أمة قلدت في عجرفتها أبناء عم لنا اعتقدوا طويلا أنهم شعب الله المختار وأن شريعتهم المكتظة بالمحرمات وبالعنصرية تجاه من هو غير يهودي، أنها خير ما شرعته السماء للبشرية.

لكي نبني بكل صدق وبحسن نية، جنبا إلى جنب، أكنا مومنين أم غير مومنين، مدينة ودولة نرتاح لبنيانها ونثق بأسسها، مدينة تأوي الجديد الصلب دون أن نتنكر لما سيتبقى من أحياءنا القديمة، بما فيها الملاح، فلا بد وأن نعيد النظر فيما تحت أقدامنا من رمال البيداء المتفتتة والهشة التي منها انطلق عنف أجدادنا وإرهابهم وتطاولهم على الجيران وظلمهم وغزوهم لبقاع ولشعوب عدة منذ ذلك اليوم المشهود والمكان المشهور الذي انطلقت منه شرارة ما نسميه “فتوحاتنا” لكي لا نعتبرها كتوسع على حساب المغلوبين.

أعتبر اقتراح الدكتور الشقيري كبداية حسنة أستجيب لها هنا بكل صدق وبكل صراحة، ليس كسياسي مغربي يتطلع لمنصب من المناصب أو لشرف خاص أو لغنيمة مادية أو معنوية … وإنما كمتقاعد وكعلماني فرنسي من أصل مغربي. أدلي برأيي متمنيا أن يفيد المغاربة، إخوتي في الإنسانية.

أعتقد أن بداية تسلق سلم الأخوة والمساوات والعدالة النسبية أدى بالمسلمين، الأتراك منهم والتونسيين والمغاربة، إلى التخلي عن جوانب مهمة من قطعيات الدين وما يعتبره الدكتور كفرا براحا : لا أرى أي ضرر أصاب المومنين عندما تجرع بورقيبة كأسا من الحليب عبر التلفزيون في يوم من أيام رمضان. ولم نرى أي ضرر أصاب أمهات المومنين لما أزاح بيده لثام منقبات وطلب من الرجال إحترامهن عوض نبذهن من وراء حجاب. إن كنا صادقين مع أنفسنا توجب علينا الإعتراف بأن احترام أمهاتنا وبناتنا، أمهات المومنين وغير المومنين، لن يتلائم أبدا مع الخيانة الزوجية التي حظي بها أبي دون أمي المسلمة، ولن يتأتى دون مراجعة قانون المهر، لتتكافأ مساعدة الزوج والزوجة من طرف العائلتين ولنقسم الإرث بتكافؤ وعدل بيني وبين أختي. فعدم المساوات بين الرجل والمرأة من قطعيات الشريعة ومما قيده مؤرخونا بكتبهم، بحيث لا يمكن لأي ضمير حي أن يتقبلها أو يتجرعها (عن مضض) دون أن يشمئز ويتشوش، حياء مما يختلقه لنفسه من الذرائع الواهية لما يقرأه ولما نعرفه من تعدد للحريم ومن حرمان أرملات من الزواج بعد وفاة أزواجهن من أهل الحل والعقد والسيطرة، إبتداء من صدر الإسلام، وصولا إلى الخلافة العثمانية.

علينا أن نصارح أنفسنا لنعترف أن شريعتنا المؤسسة على قطعيات الدين لم تكن عادلة بمقاييسنا ومعاييرنا الحالية وإنما كانت تقدر وتحترم ذوي السلطة والقوة والجاه والمال حيث أحلت لهم أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء مثنى وثلاث ورباع … وما اشتروا بأموالهم أو استحوذوا عليه أثناء غزواتهم.

ما أظن أن القدر سيستجيب لتطلعاتنا للعدل وللكرامة إن لم نتحلى بالشجاعة الفكرية لنكون صِدِّيقين ونصارح أبا بكر الشجاع والصديق : “إن كان قد كتب عليك القتال وهو كره لك، فنحن من ذاك أبرياء. إن كنت لم تطق حرية أجدادنا في الردة فإننا لم نعد نقبل بذلك التطاول على ضمائر الناس والأجداد وإننا لعاقدو العزم على منح مؤرخينا حقهم في أن يحاسبوك ليردوا الإعتبار لأجدادنا المكيين وغير المكيين الذين احترموا الله واللات والعزة والمسيح واليهود بالجزيرة العربية قبل أن يقهروا بالسيف (الحجة القاطعة) وقبل قطع طرق تجارتهم التي ولجها محمد (إبن عبد الله الذي كان قد تعايش مع اللات في ظل المعروف عند القبائل)آمنا في رحلة الشتاء والصيف“.

بكلمة موجزة، بات من اللازم علينا نبذ الوفاق والإتفاق على النفاق يا إخوان المسلمين ويا أخوات المسلمات لكي نتبرأ، أولا وقبل كل شيء وبوضوح تام، من عنف ومن إرهاب أجدادنا المؤسس لهويتنا ولتوسع خلافاتنا (بكل معاني الكلمة). آن الأوان لتفهم الشعوب الإسلامية أن العنف الأعمى وظلمه للأبرياء كان وما زال أساس كل الديانات وكل المعتقدات التي عرفتها البشرية، قديما وحديثا، وأن المسلمين ليسوا بأرفع من الشعوب الأخرى بل ما زلنا في الحضيض طالما لم يجنح للخير وللسلم مهما اعتدى علينا المعتدون ولكمنا الملاكمون الذين يعتقدون أنه من شأن تقليدهم بلكمة من شأنه أن يضع حدا لحلقة العنف والثأر المفرغة.فمتى سنصبح بالغين وننهي لعبة الصبيان الذين يرددون أن “البادئ أضلم” وأنهم ليسوا ببادئين بل مقلدين فحسب.

زيارة موقع الكاتب: http://www.ripostelaique.com

منبر

محمد باسكال حيلوط
متقاعد
باسكال حيلوط
كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال