القائمة

الرأي

أبعاد الدبلوماسية الملكية في إعادة الاستقرار لمنطقة إفريقية جنوب الصحراء

يرى المتتبعون للشأن الإفريقي أن منطقة الساحل والصحراء الإفريقية بالخصوص شهدت منذ نهاية الحرب الباردة صعود عدد من التهديدات الجديدة التي من شأنها الإضرار بمصالح الأفراد والجماعات والحكومات، وتأتي هذه التحديات الجديدة على المنطقة في خضم التحولات السياسية والاقتصادية التي عرفها العالم.

نشر
DR
مدة القراءة: 4'

فعلى الرغم من عوامل الضعف الذاتي التي تتسم بها دول الساحل الإفريقي "جنوب الصحراء"، والتي أهلتها لتدخل غالبيتها في إطار الدول الفاشلة؛ جاءت التأثيرات الأمنية التي عكستها تطورات دول الشمال الإفريقي خلال العقدين الأخيرين لتضاعف من التهديدات الأمنية والإنسانية التي تعيشها هذه الدول، ولتدفعها لتصبح جزءًا من "قوس الأزمات" الذي كان يمتد في السابق من أفغانستان مرورًا بإيران والجزيرة العربية حتى القرن الإفريقي، ليضم هذه الدول ليصل إلى المحيط الأطلنطي غربًا، فقد تحولت هذه المنطقة إلى فناءٍ خلفيٍّ للجماعات الجهادية في الشمال الإفريقي، خاصةً تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي تعود أصوله إلى الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية، والذي انتشر في الصحراء الكبرى منذ صيف 2003، وبدأ في استهداف دول الساحل والصحراء منذ هذا التاريخ؛ إضافة إللى تفشي الجريمة المنظمة بمختلف أنواعها من الاتجار في المخدرات والأسلحة والبشر والهجرة السرية... ناهيك عن الصراعات الاتيولوجية وما خلفه الاستعمار من نزاعات حول الحدود بين هذه الدول، مما خلق تصدعات عميقة أدت في بعض الأحيان للمطالبة بدويلات مستقلة عن الدولة الأم.

وبحكم الموقع الجغرافي للمغرب الذي يعتبر البوابة للمنطقة الساحلية الصحراوية من جهة والقطب الأوروبي من ناحية أخرى، ثم القطب الأمريكي. فإن المملكة قد تصلها شرارة النار المشتعلة في منطقة الساحل والصحراء، مما استوجب اتخاذ كافة التدابير للحفاظ على أمن هذه الدول قصد تدبير الأزمات الأمنية، من هذا المنطلق بادر الملك محمد السادس للقيام بمجموعة من الخطوات لتحقيق الأمن والاستقرار للمنطقة بحكم الروابط الجغرافية والتاريخية التي تربط المغرب بدول إفريقيا جنوب الصحراء منذ عهد قديم، حيث كان أثناء تولي المنصور الدهبي الحكم خط تجاري يربط المغرب بتومبوكتو مرورا بأدغال إفريقيا وصولا للجزيرة العربية، مما جعل هذه المناطق تمتزج بالعوامل الروحية والدينية والثقافية... مع المملكة المغربية. وإذا ما قمنا بتتبع المبادرات الملكية اتجاه المنطقة الساحلية الصحراوية نستشف أن هناك مواقف تبرز الأهمية القسوة لمكانة هذه الدول ضمن اهتمامات المغرب، حيث أن الدستور الجديد قد نص في تصديره على تقوية علاقات التعاون والتضامن مع الشعوب والبلدان الإفريقية ولاسيما بلدان الساحل والصحراء، ثم ما فتئ الملك يدعو في خطاباته المنتظم الدولي لمواجهة الأوضاع المزرية وتمكين المنطقة من تنمية مستدامة، وقد ظهر هذا جليا في القيام بزيارات متتالية لدول إفريقيا جنوب الصحراء فقبل خمسة أشهر قام العاهل المغربي بزيارة رسمية لثلات دول السنغال وساحل العاج ثم الغابون، من خلالها وقعت مجموعة من الاتفاقيات بين المغرب وهذه الدول في مختلف المجالات إضافة إلى عقد لقاءات مع رؤساء المجموعات الدينية كالتيجانية والمريدية...وفي يوليوز الماضي حضر الملك حفل تنصيب الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا، ثم استقباله للأمين العام لحركة تحرير أزواد بلال أغ شريف والمتحدث باسم الحركة موسى أغ الطاهر في مطلع هذه السنة، حيث دعا الطرفين لحل النزاع المشتعل بين التوارق والسلطات المالية بطريقة سلمية تضمن لدولة مالي وحدتها الترابية.

وما تشهده هذه الأيام من استقبال للملك بحفاوة من شعوب هذه الدول بمناسبة الزيارة الملكية لمالي وساحل العاج وغينيا كوناكري والغابون، وهذا إن ذل على شيء فإنما يذل على الاهتمام الملكي بإعادة الاستقرار والأمن للمنطقة حيث أن هذه الزيارة تعج بعقد مجموعة من الشراكات بين المغرب ودول إفريقيا جنوب الصحراء، لتحقيق الأمن الإنساني وتجاوز المفهوم الكلاسيكي لاستعمال القوة لحلحلة الأوضاع، وما نلاحظه أن هذه البقعة الجغرافية لها مكانة خاصة ضمن أجندة الدبلوماسية الملكية حيث أنها تحظى بحيز كبير في مختلف الزيارات الملكية كالزيارة التي قام بها العاهل المغربي للولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا...من أجل احتواء الأزمات في دول الساحل والصحراء واجتثات وتجفيف منابع الجماعات الإرهابية ومختلف مكونات الجريمة المنظمة...

لكن ما يمكن أن تصطدم به المبادرات الملكية اتجاه هذه الدول تربص القصر المرادي الجزائري والذي كان دائما العقبة الكبرى في تحقيق الأمن والاستقرار للمنطقة الساحلية الصحراوية عموما والمغاربية على وجه الخصوص، خاصة أن اليوم وحسب التطلعات أن الساحة الجزائرية ستعرف تأجج الوضع وذلك بالإعلان الرسمي لعبد العزيز بوتفليقة ترشيحه رسميا للانتخابات الرئاسية المقبلة، ويبقى الحل الوحيد للاستخبارات الجزائرية تسليط الضوء على قضية ما تخص المغرب لتجاهل مشاكلها الداخلية لإن المملكة المغربية تشكل بالنسبة للحكومة الجزائرية البعبع الإقليمي.

منبر

عبد الواحد أولاد ملود
باحت في سلك الدكتوراه ش القانون العام والعلوم السياسية
كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال