القائمة

الرأي

مراد علمي يكتب: دور اللــغــة

يمكن لينا نعتابروا اللغة كأهم وسيلة للتفاهم، أو عن طريقها كنتعرّفوا على الحب، الحنان أو الدفء العائلي اللي ضروري باش أنصنعوا بيه الناشئة أو مواطن، مواطنة الغـد، من خلالها غادي يعرف الدرّي الصغير يتعامل مع المحيط اللي كيعيش فيه، يستوعب المعلومات أو إوظــّـفها بطريقة سليمة، ينسج علاقات مع ناس أوخرين، إعـبـّر على دواخيلو باش يصنع ألــْـنفسو موقع خاص بيه فى الوسط المباشر اللي كيعيش فيه. 

نشر
DR
مدة القراءة: 5'

إيلا كان شي درّي متـمـكـــّـن من اللغة، غادي يسهال عليه درك الحتميات أو الخلفيات، يمكن ليه يبدي برأي مستقل، إعمـّـم، إرتــّـب الأفكار أو الأشياء، لأن اللغة فى العمق تصوّر ألأشياء أو تصرفات معينة، اللغة مرتابطة ديما بالذاكرة أو الذكرايات، بتصنيف الفرقات، ترتيبهم، فهم الكم، المكان، الزمان أو مفردات نظرية بحال الإيديولوجيا ولا ّ التطرف، لحد الآن عندنا ناس ما كـيذوّقوش ألـْـفن اللغة، لأن نظرتهم ليها ضيقة، ماشي شمولية، بحال إيلا ناقشتي بعض الإخوان اللي كيقولوا ليك، ألا ّ، المشكل ماشي لغة التعليم، هادا غير "مشكل مفتعل"، يا حسرا! كيقولوا ليك بلا ما إخجلوا، المشكل هي العطالة، السكن أو الصحة، إيوا، برافو! أو إيلا كان التعليم ناجح بلغة التواصل اللي كتجمعنا كولــّـنا، ماشي غادي تكون العطالة مسرّحة فى جميع ربوع المملكة؟ بحال فى النورويج ولا ّ فينلاندا، فاين كيقراوا بلغتهم المحلية "الأكثر تداولا ً"، بلا ما يقصيوْا لغات الأقليات، السكن ولا ّ الصحة، زعمة، باش كتكوّن الأطر؟ بلغة معينة، لغة ساهلة، محبوبة، يعني لغة التدريس أو التثقيف أساسية. فرانسا براسها، شنو هي السياسة الثقافية ديالها فى المغرب؟ 11 معهد فرنسي! أو اللي قال "فرنسي"، كيقصد اللغة أو الثقافة الفرنساوية، فى الحقيقة خصـّـنا نـبـدّلوا اللغة الفرانساوية بالثقافة أو اللغة النكليزية، لأن جميع العلوم أو البحوث الدولية كـتـّـكتب بالنكليزية، فرانسا براسها كتسعمل اللغة النكليزية فى الجامعات، ولاكن مع الأسف، حنا كـنـعملوا بحال الغربال، كـنـطلقوا الدقيق أو نقـبـطوا فى النـخال، أو ما يبقاش فيك الحال إيلا نـقـبـوك الـدجاجات.  

علاقة اللغة بالسمع وطيدة، إيلا كان الدرّي ما كيسمعش مزيان، ما يمكنش ليه يتكلم مزيان، ولاكن حتى الحواس لوخرين عندهم وظيفة معينة اللي كتساعد على ستوعاب جميع المعلومات اللي كـتهـيـّـج كيان الناشئة، بحال النظر، الحس، الذوق، الشم، أو ما كاينش منا اللي ما شافش كيفاش الدراري الصغار ديال عامين ولا ّ ثلاثة كيـكـتاشفوا العالم أو محيطهم، عن طريق الذوق، اللمس، واش هاد الشي اللي بين يـدّيهم مثـلــّـث ولا ّ مربـّع، رطب ولا ّ قاصح، عندو صوت ولا ّ ثالم. جميع هاد التجارب كـتـــّـخزن فى الذاكرة باش تلقى طريقها فى التعبيرات القادمة، يعني من اللول كـيـهـيئ الدرّي الصغير راسو أللغة اللي غادي يستعمل من بعد، أو كل أمـّا كان الرصيد ثري، إلا ّ كانت اللغة قوية أو غنية. 

اللغة اللي كـنــسـتـعمـلوا كـولا ّ نهار بلا ما نكونوا واعيين عندها تأثير كبير علينا، لا من الناحية الإجتماعية، الثقافية، الإقتصادية ولا ّ من الناحية السياسية، لأن اللغة كتـشــكــّـل ديما مرآة ولا ّ ظواهر جتماعية اللي كـيكـرّسوا، إبرّروا ولا ّ كيعزّزوا بعض الأفكار، التصورات أو التوجيهات، اللغة مرتابطة دومـًا بالعلاقة بالسلطة أو بخلق الحقيقة، علامة المرور "قـف"، ما كتعرف أي تحوير ولا ّ تأويل آخور، جميع اللغات كتخضغ ألــْـعملية التجديد أو التغيير، إيلا كان العكس ضروري نتـكــلــّـموا فى هادالحالة على "لغة ميتة"، لأن المجتمعات أصلا ً كـتـــّـغير، أو إيلا ما واكباتش هاد اللغة أوْ لوخرى هاد التحولات، كـتـبقى "حبيسة المتحف"، حتى كـتـرجع بنفسها: "لغة متحف".

كيمكن لينا نـعـبــّروا عبر اللغة على حترامنا، تقديرنا أو ودّنا ألـْـفئة من الناس أوْ لوخرى، لأن ستعمال اللغة كيلعب دور محوري، هام، بالأخص فى ميدان السياسة أو الخطاب السياسي، لأن جميع الساسة كـيـركــّـزوا على ستعمال اللغة كأداة قصد تمرير رسائلهم أو تصوراتهم، النازيين الألمان باش هـيــّـجوا شعبهم "عن كامله"؟ باللغة الألماينة! المتطرفين الإسلاميين، كيفاش كيشحنوا الإنتحاريين؟ باللغة! لذلك ضروري إكونوا الناس ديال السياسة حريصين على الأشياء اللي كـيـتـفــوّهوا بيها، ماشي بحال بن كيران اللي غير كـيـطلق، الـطــّـايب أو المحروق، اللي كان تحت، ردّو فـوق، ضروري إكون راجل السياسة كـيـتـذوّق، كيتـقـن فن لغة الأم الحية، لأن باللغة كـنـخـلقوا الوقائع اللي يمكن ليها ترهن مستقبل شعب كـولـــّـو.

عن طريق اللغة كنعبّروا على أحاسيسنا، على حبنا، سخطنا، أو بيها كنتصالحوا، نتعايشوا أو نتخاصموا إيلا دعات الضرورة، بيها كـنـتعاقدوا، نقدّموا وعود، شهادات اللي "مـُـلزمة"، لامن الناحية الأخلاقية ولا ّ القانونية، هي اللي كـتـعـزّز النسيج الإجتماعي، كتـأطـر، تـنــظـــم علاقتنا بالآخر، أو عن طريقها كـنـتبادلوا الآراء، الأحاسيس، المعلومات، الأفكار أو التصورات، أو النظام الإجتماعي قائم فى الأصل على اللغة أو ماشي العكس.   

ما يمكنش لينا نعتابروا اللغة يـلا ّه خزان ألـْـرموز معينة، لا! ولاكن  ضروري نعتابروها الذاكرة الجماعية، تاريخ المعرفة أو الهوية، ستعمال اللغة مسؤولية جسيمة، لأن تصورات الناس، ما كـتـكونش واردة غير فى اللغة، ولاكن عندها تأثير حتى على كيفية الجملة اللي تـفـوّهنا بيها، أو اللي ما تـصـرّفش بطريقة لغوية مناسبة ألــّـوضع اللي كيعيشو، ما يستغربش إيلا ثار قلق، سخط الناس.  

الميز كيفاش كـيـتـمّ؟ باللغة، اللي كتعبـّـر على أفكار نمطية، مسبقة، كولـّـها عدوانية أو حدق على مجموعة من الناس، هاد اللغة كـتخدم فى العمق إيديولوجيا، جماعة معينة من الناس المهووسين بالسلطة، الهيمنة أو التسلط، أو كاين البعض اللي كيحاول عن طريقها يستوعب، إوظف معلومات فى عالم شديد التعقيد باش يمكن ليه يصنع، إحصـّـن الهوية الجماعية ولا ّ إقـلــّـص من حدة العدوانية، الإحباط اللي كيشعر بيهم، الميز كيتم غير إمـّا عن طريق الخطاب ولا ّ الكتابة، على مستوى الكلمات غير كيستعمل هادا أوْ لاخور مفردات، تسميات، شتائم، على مستوى النص أوْ الجمل، غير كيستعمل مفردات عندها دلالات عديدة أو رتباط بتاريخ مرّ، بحال "خونة"، أفكار مسبقة ولا ّ تقليد هزلي، نـكات إلخ، كيف طرا أخيرا.      

كتلعب المسؤولية اللغوية فى السياسة دور كبير، لأنه غالبـًا ما كـتـــّـستعمل اللغة كأداة ألــْـحجب المشاكل الراهنة، أو المقصود من هاد الخطاب هو إغراق الخصم السياسي فى الحروب الجانبية، فى عوط ما أتــّـقترح بدائل، برامج، قرارات جريئة أو خلق مناخ إيجابي. يمكن لينا نقولوا باختصار: بلا لـغة مفهومة، ما كـاينة سياسة حكيمة.  

منبر

د. مراد عـلمي
أستاذ جامعي و مترجم
كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال