القائمة

الرأي

حوار مع صديقي «الخبير»

صديقي «الخبير» من الكائنات الرباطية الليلية، هوايته الأثيرة، التقاط الأخبار المتناثرة حول طاولات الأندية «الرياضية» وفضاءات مطاعم طريق زعير.
 

صديقي «الخبير» من الكائنات الرباطية الليلية، هوايته الأثيرة، التقاط الأخبار المتناثرة حول طاولات الأندية «الرياضية» وفضاءات مطاعم طريق زعير.

نشر
DR
مدة القراءة: 4'

إنه سياسي بالفطرة، يبسط أمامك - باحترافية واضحة - دفعة واحدة كمّا هائلا من المعلومات والمعطيات والأسماء والأحداث، ثم يقدم لك بكل ثقة تحليله «اليومي» الخاص بالحياة السياسية، أو ما يحلو له نعته بالسياسة «الكبيرة».

اعتدنا - نحن أصدقاؤه- على تسميته خبيرا نكاية في بعض خبراء التلفزيون المثيرون للقرف، والمتوفرون على مستوى محترم من السذاجة والتسطيح. على الأقل يبدو صاحبنا مقارنة بهؤلاء، كائنا حقيقيا مشبعا بالحياة والذكاء، وعارفا دقيقا لتفاصيل السِيّر الواقعية للفاعلين وحكاياتهم الصغيرة.

التقيته في الأسبوع الماضي، وعلى طريقته، وبلا مقدمات، بادرني مباشرة بما يشبه «خلاصة حاسمة»: لقد انهار السيناريو»أ» لانتخابات 2016!. اصطنعت شيئا من الدهشة ثم قاطعته متسائلاً: عن ماذا تتحدث بالضبط؟.

أجابني بسرعة: طبعا تعرف أنني أتكلم عن سيناريو تحمل المعارضة الحالية للمسؤولية الحكومية كبديل عن حكومة بنكيران، ثم انبرى لتقديم حججه بنبرته الواثقة كالعادة: لاحظ أن المعارضة «الشعبوية» لم تعمل في الحقيقة إلا على تكريس تصدر العدالة والتنمية للمشهد السياسي، وأن أزمة «شرعيتها» وشُبهة التشكيك «الأصلي» في استقلالية قرارها جعلتها تعاني من نزيف حاد في المصداقية، وهو ما جعلها تنتج آثارا عكسية لما يفترض أنها جاءت لأجله: إضعاف بنكيران ومحاكاة نمطه في التواصل و»القرب»، وذلك بالرغم من الأخطاء التدبيرية التي مافتىء يرتكبها واحدا بعد الأخر.

قاطعته مرة أخرى قائلا: في تحليلك الكثير من التبسيطية، إن دعم بعض الوجوه للوصول إلى قيادة حزب من الأحزاب، لن يعني نهائيا أن هذا الحزب قد أصبح فاقدا لأي «ذرة» استقلالية في قراره السياسي، لا يزال أمامك الوقت لتلاحظ ما قد تستطيع فعله هذه القيادات!

ابتسم صديقي «الخبير» وأجاب قائلا: ما تشير إليه قد يدخل في باب ردود الفعل «التقليدية» التي تشكل جزءا من بنية العقل السياسي للحركة الوطنية، في علاقتها بالدولة، لكن ما لا ننتبه إليه هو أن البنية البشرية والتنظيمية والمجتمعية لهذه الأحزاب، لم تعد تسمح لها بالذهاب بعيدا في منطق تلك «الردود» المفاجئة، إنها اليوم أحزاب مخترقة بالأعيان على مستوى أجهزتها التنفيذية، وبدون أذرع نقابية أو شبيبية، وبلا مصداقية، ولذلك، فهي لم تعد قادرة موضوعيا على «التناور» ولا على التهديد بالأرض المحروقة، وإلا فإنها تعرف جيدا ما قد يُهيأ لها.

الواقع - يضيف صاحبنا - أن هذه المعارضة تُرعبها فكرة أي تقارب أو تحالف مفترض بين [البام] و[العدالة والتنمية]، لأنها ستتأكد آنذاك أن قوس «المعارضة الشعبوية» قد أُغلق نهائيا، وأنها كانت حطبا في معركة خاضتها باسم الآخرين، عندما تقمصت لعبة أن تعارض الحكومة بمنطق الدولة العميقة، ولأنها دُفعت - دفعا- الى منطقة الاستنزاف التنظيمي والسياسي ..لتبقى في الأخير على هامش ترتيبات المرحلة المقبلة.

لم أتركه يسترسل في تحليله، فقلت له: توقف أرجوك عن هذا الهذيان؛ كيف سيتحالف [البام] مع [العدالة]؟

بدا «الخبير» كما لو كان ينتظر هذا السؤال، فأجاب بسرعة: سياسيا ليس هناك ما قد يفاجئ في تحالف من هذا النوع، [البام ] ليس حزباً إيديولوجيا ليحتكم إلى «العقيدة» في تدبير تحالفاته، وفي المقابل فـ[البيجيدي] قد يجد في تحالفه هذا وسيلة أخرى للوصول إلى هدفه المركزي في هذه المرحلة: التطبيع الكامل مع الدولة، وعلى العموم فوجود التجمع الوطني للأحرار داخل حكومة بنكيران الثانية، يعني أن التحالف الذي تسألني عنه ليس بعيدا مثل ما قد تتصور! البيجيدي يريد في النهاية طمأنة الدولة، وهذه الأخيرة تتعامل مع الوقائع كما هي على الأرض؛ لحد الآن الحزب الإسلامي يبدو شريكا نموذجيا للمخزن، ثم ليس هناك بديل سياسي كامل الجاهزية!

صمت صديقي «الخبير» برهة، كما لو أنه يقرأ ذهولي من «تحاليله» فبادرته قائلا: ليس هذا ما يبدو على الأقل من خلال تتبع التراشق الإعلامي والسياسي بين الحزبين «الغريمين»؟

قطّب «الخبير» حاجبيه وأضاف قائلا: دعك من أخبار الصحافة، لن يكون [البام] ساذجا لكي يقبل على أي مواجهة ثنائية تقاطبية مفتوحة مع [البيجيدي] يدرك أنها ستؤول إلى الفشل، لأنه حينئد سيكرر مجددا خطأ [الجي 8]، هو يعرف أن بنكيران يحتاج إلى خصم، ينجح في «شيطنته»، ويعيد معه تعريف نفسه كمدافع عن الإصلاح.

كان عليّ أن أغادر. استأذنت صديقي على عدم إتمام النقاش ثم ودعته، مقررا أن أقتسم مع قراء «أخبار اليوم» دهشتي من تحاليل «خبير» لا يشبه باقي الخبراء.

منبر

حسن طارق
أستاذ جامعي، برلماني
حسن طارق
كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال