القائمة

الرأي

أنوزلا يكتب: الجزائر بعد بوتفليقة

تعيش الجزائر، هذه الأيام، على إيقاع أحداث سياسية متلاحقة، تنبئ بما يمور في الأعماق من تغييراتٍ، يحضر لها داخل السلطة العميقة، ستتجلى ملامحها في الأيام المقبلة. فقد أعلن عن تأسيس حزب معارض جديد، هو حزب "طلائع الحريات"، الذي أعلن عن تأسيسه علي بن فليس، رئيس الوزراء السابق، وضم في صفوفه رؤساء حكومات ووزراء سابقين وضباطا عسكريين متقاعدين. 

نشر
DR
مدة القراءة: 4'

كما شهد أكبر حزبين محسوبين على الموالاة تغييرات على مستوى الهيكلة والرئاسة، حيث تم تجديد الثقة في عمار سعداني، أمينا عاما لحزب جبهة التحرير الوطني (الحاكم)، لولاية جديدة، وانتخاب رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة رئيسا للحزب، فيما حل أحمد أويحيى مدير ديوان بوتفليقة مكان عبد القادر بن صالح، الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، ثاني أكبر أحزاب البلاد، بعد استقالة الأخير. وفي خضم الدينامية نفسها، اجتمعت "هيئة التشاور والمتابعةّ" التي تعتبر أكبر تكتل معارض في الجزائر، وتضم رؤساء حكومات سابقين، وعدة أحزاب من كل التيارات السياسية، إلى جانب شخصيات مستقلة وأكاديميين، وانتقدت حالة الجمود السياسي والركود الاقتصادي التي تعيشها البلاد. وقبل ذلك، أجرى الرئيس بوتفليقة تعديلاً وزارياً على حكومة عبد الملك سلال، فأحدث فيها تغييرات كبيرة، بموازاة مع تغييرات طاولت مدراء شركات عمومية استراتيجية كبيرة.

دفعت هذه الأحداث المجتمعة والتغييرات الكبيرة مراقبين كثيرين إلى التخمين بأن ما يحدث عملية ترتيب كبيرة، مفكر فيها للإعداد لما بعد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (78 عاماً)، بسبب وضعه الصحي بعد انقضاء عام على انتخابه لولاية رابعة. فمنذ تعرضه لجلطة دماغية عام 2013، والرئيس الجزائري يعيش شبه مشلول، بعد أن فقد قدرته على الحركة، ولم يظهر علنا إلا في مرات نادرة، ودائما على كرسي متحرك في أثناء استقبالات رسمية لمسؤولين جزائريين، أو ضيوف أجانب. وقد دفع هذا الوضع الصحي للرئيس المعارضة الجزائرية إلى المطالبة بتطبيق المادة 88 من الدستور عن عزل الرئيس، في حال عجزه عن أداء مهامه، والدعوة إلى إجراء انتخابات سابقة لأوانها، لأن الجزائر، في وضعها الحالي، ستبقى مشلولة حتى عام 1919، تاريخ نهاية ولاية بوتفليقة، مع ما سيكون لذلك من انعكاسات سلبية على الواقع الاقتصادي الصعب والوضع الاجتماعي المحتقن.

ومن يتابع الشأن الجزائري عن كثب يعرف أن هذه المتغيرات لا يمكن أن تحدث بعيداً عن أعين السلطة العميقة التي تجسدها في الجزائر المؤسسة العسكرية وجهاز الأمن والمخابرات، أصحاب النفوذ القوي في صناعة القرار والكلمة الأخيرة في تعيين الرؤساء. لذلك، لا يستبعد محللون كثيرون أن يكون كل ما يحصل من حراك سياسي مكثف، تشهده الجزائر هذه الأيام، هو من تحريك السلطة العميقة، بهدفين: إما لترتيب الوضع لما بعد رحيل بوتفليقة، أو لشغل الناس بحراك مفتعل عن حالة الجمود الحقيقية التي يعيشها الواقع الجزائري، يوحي بالدخول إلى مرحلة الإعداد لانتقال سياسي وشيك، لكنه لن يحدث غدا! وكيفما اتفق الأمر، فإن المؤكد أنه لم يسبق لهذه السلطة العميقة، منذ استقلال الجزائر، أن سلمت الأمور للتداول الطبيعي، أو سمحت بوجود رؤساء للجزائر، لا يوافقون رؤيتها السياسية لحكم الجزائر.

ومنذ الآن، بدأت ترتسم في الأفق ملامح لسيناريوهات ما بعد بوتفليقة. يتمثل الأول في انقلاب أبيض تقوم به السلطة العميقة من داخل القصر، وتعلن تنحي الرئيس المريض لأسباب صحية ظاهرة، وتأتي ببديل له مدني من الشخصيات السياسية التي تقوم اليوم بـ "بروفا" التحضير لتسلم السلطة، والأمثلة هنا كثيرة، إما أن تكون شخصية سياسية من داخل الحزب الحاكم، أو الأحزاب الموالية أو من الحزب المعارض الذي تأسس حديثاً، وقد سمحت السلطة العميقة لرئيسه، علي بن فليس، بشن انتقادات لاذعة على لسلطة القائمة، مع أنه كان جزءا منها حتى وقت قريب جداً، عندما كان رئيسا للوزراء.

يتمثل السيناريو الأسوأ في أن ينجح شقيق الرئيس الجزائري الحالي، السعيد بوتفليقة، الذي يعتبر اليوم أكثر شخصية نافذة ومؤثرة داخل قصر المرادية، في إقناع الشخصيات النافذة داخل المؤسسة العسكرية، أو داخل أجهزة المخابرات، لتزكية ترشيحه لخلافة شقيقه، على غرار ما حصل في كوبا، عندما تنحى فيديل كاسترو لشقيقه راؤول كاسترو. لكن هذا السيناريو يبقى مستبعداً في سياق التطورات الأخيرة التي شهدتها المنطقة، ونسفت أنظمة جمهورية، كانت تسعى إلى توريث الحكم في بلدنها.

أما السيناريو الأكثر سوءا فهو استمرار الوضع كما هو عليه، وتفاقم حالة الجمود السياسي والركود الاقتصادي والاحتقان الاجتماعي، إلى أن تدق ساعة الانفجار الذي يصعب التنبؤ بقوته، أو التحكم في تفاعلاته. وقد نجحت الجزائر، حتى الآن، في تجنب حالة الاضطراب الإقليمي الذي عاشته المنطقة، في زمن ثورات "الربيع العربي"، لكن استمرار الوضع في حالة جمود من دون تطور ينعكس إيجابا على واقع الناس سيعجل بالتغيير الذي إن لم تبادر السلطة العميقة إلى إحداثه، فإن الواقع هو الذي سيفرضه، لأن الطبيعة لا تحب الفراغ. وما تعيشه الجزائر اليوم، على الرغم من كل الحراك المفتعل، لا يمكنه أن يخفي حالة الفراغ القائمة، وبالأحرى ملؤها!

زيارة موقع الكاتب: http://www.lakome2.com

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال