القائمة

الرأي

علي أنوزلا يكتب: المغرب رهين سرعتين

يخوض الصحافي المغربي، علي المرابط، منذ شهر ونيف، إضراباً مفتوحاً عن الطعام أمام مقر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، احتجاجاً على رفض السلطات المغربية تجديد بعض أوراقه الثبوتية التي تمكنه من إعادة إصدار جريدته الأسبوعية الساخرة "دومان". 

نشر
DR
مدة القراءة: 3'

وعلي المرابط ليس اسماً طارئاً على الصحافة المغربية، فقد سبق للسلطات المغربية أن دانته عام 2005 بسبب تصريحات له مؤيدة لجبهة البوليساريو التي تطالب باستقلال إقليم الصحراء عن المغرب. وبما أن قضية الصحراء تعتبر في المغرب خطاً أحمر، لا تتساهل السلطات مع من يتجاوز رؤيتها لها، فقد قضت المحكمة، آنذاك، بمنع المرابط من الكتابة في بلاده عشر سنوات، وهو حكم رفض المرابط استئنافه لغرابته. وفي 2015، انقضى مفعوله، ما حدا به إلى التفكير مجدداً في إصدار جريدته الأسبوعية التي منعتها السلطات منذ صدور ذلك الحكم الغريب من نوعه.

قبل ذلك، كان المرابط قد أدين عام 2003 بتهمة "الإساءة إلى الذات الملكية"، وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، لكنه لم يقض في السجن أكثر من سنة، بعد خوضه إضراباً مفتوحاً عن الطعام داخل زنزانته، أدى إلى إطلاق حملة تعاطف دولية كبيرة مساندة له، ما أجبر السلطات على الإفراج عنه. لذلك، يعود المرابط اليوم إلى تجريب السلاح نفسه في معركة كسر العظم الجديدة التى يخوضها ضد سلطات بلاده من جنيف.

وقد نجح المرابط بعد مرور شهر على إضرابه المفتوح عن الطعام في تحريك حملة تضامن واسعة معه، داخل المغرب وخارجه، كان من ثمارها مبادرة مشتركة بين منظمات دولية معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان وشخصيات عديدة بارزة، بتوجيه رسالة إلى الملك محمد السادس، لدعم الصحفي المغربي ومطالبته حث سلطات بلاده لرفع الحيف الذي يتعرض له هذا الصحفي الذي يعتبر مناضلاً شرساً من أجل حرية التعبير، وتسوية وضعيته الإدارية، بما يمكنه من إعادة إصدار جريدته الساخرة.

التزمت السلطات المغربية الصمت حتى الآن، في وقت تزداد فيه صحة الصحفي تدهوراً بشكل يبعث على القلق. لكن، إلى متى ستظل تغض البصر عن إضراب الصحفي المعرض للخطر، وعن الحملة الدولية المتصاعدة المتضامنة معه؟ فحادث المرابط عاد للتذكير من جديد بأوضاع حرية الصحافة في المغرب. فقد ظل مراقبون كثيرون من خارج المغرب ينظرون إلى المغرب على أنه استثناء في ما يتعلق بحرية التعبير في صحراء العالم العربي، خصوصاً بعد الحراك الشعبي الذي عاشته البلاد بتأثير من رياح "الربيع العربي". وقتها سن المغرب دستوراً اعتبر من بين أكثر النصوص القانونية المتقدمة في المنطقة العربية، لكن نصوصه مازالت لم تترجم على أرض الواقع، وخصوصاً في مجال حرية الرأي والتعبير، حيث أن انتقاد السلطات ما زال يشكل خطراً حقيقياً وخطاً أحمر لا يمكن تجاوزه.

تأتي قضية المرابط لتضع كل المجهودات التي تقول السلطات في المغرب إنها تبذلها، في السنوات الأخيرة، من أجل تأسيس دولة القانون، أمام اختبار حقيقي، فماذا سيضير السلطات لو أن في البلد صحيفة منتقدة أو صحافياً أو فناناً أو ناشطاً أو سياسياً مستقلاً؟

هذا الحرص المبالغ فيه على تقييد حرية الصحافة والتعبير، وإخضاعهما لرقابة شديدة، تتناقض مع الخطاب الرسمي الذي يتحدث عن "الاستثناء المغربي"، ويضرب في العمق كل النيات الحسنة الهادفة إلى الإصلاح الحقيقي. فقد شهد المغرب في الفترة الأخيرة انتكاسة كبيرة في مجال حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة، تجلت في حرمان جمعيات حقوقية من التنظيم ومن التظاهر، ومنع أنشطة ثقافية وفنية لجمعيات مستقلة وفنانين مستقلين، مع ارتفاع وتيرة القضايا التي تتعرض لها الصحافة.

مثل هذا السلوك يجعل المغرب رهين سرعتين متناقضتين، سرعة النصوص التي تعبر عن نيات حسنة، لكنها ظلت مجمدة، مجرد حبر على ورق، والسرعة المضادة للقوى التي تريد أن تشد المغرب إلى الخلف. ومثل حادثة علي المرابط التي يتمنى لها الكل نهاية سعيدة، لأن من يعرف هذا الصحفي، يدرك أنه قادر على المضي في تحديه حتى نهاية حياته، تأتي لتذكرنا بأننا ما زلنا نراوح في المكان نفسه، وقد حان الوقت للإقلاع نحو مغرب استثنائي حقيقي. 

زيارة موقع الكاتب: http://www.lakome2.com

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال