القائمة

الرأي

في المغرب لم يسحرني أحد

 

    ذهبت للمغرب ثلاث مرات في حياتي.. الأولى لمراكش لحضور مؤتمر طبي مع زوجتي الطبيبة.. والثانية للدار البيضاء حين رافقتني هي لحضور مؤتمر لبرنامج الخليج العربي للتنمية.. والثالثة مع والدتي التي راقها كثيرا حديثنا عن المغرب فقررت أخذها إلى فاس ومكناس..

ذهبت للمغرب ثلاث مرات في حياتي.. الأولى لمراكش لحضور مؤتمر طبي مع زوجتي الطبيبة.. والثانية للدار البيضاء حين رافقتني هي لحضور مؤتمر لبرنامج الخليج العربي للتنمية.. والثالثة مع والدتي التي راقها كثيرا حديثنا عن المغرب فقررت أخذها إلى فاس ومكناس..

نشر
DR
مدة القراءة: 3'

وفي كل مرة أذهب فيها إلى المغرب تتأكد لي سذاجة ربط ذلك البلد الجميل بالسحر والسحرة.. صحيح أنه يملك نصيبه من الخرافات - مثل جميع شعوبنا العربية والاسلامية - ولكننا نبالغ حين نربطه وحده بأفعال السحر والشعوذة..

حادثة واحدة فقط وقعت لي في الدار البيضاء تعد استثناء لا يثبت القاعدة..

فقد قررنا الذهاب إلى جزيرة صغيرة تشتهر بوجود ضريح سيدي عبدالرحمن الجيلالي على شاطئ عين الذئاب.. لم نذهب لزيارة الضريح بل لرؤية الأسواق الشعبية والمهرجانات شبه الدائمة التي تحيط به.. وهناك شاهدت عددا من السيدات المسنات اللواتي يمتهن فك السحر والشعوذة والأعمال الخبيثة.. حين مررنا بقرب إحداهن أمسكت فجأة بيد أم حسام وهمست في أذنها شيئا.. اقتربت منهما بطريقة عفوية ولكنها نهرتني وطلبت مني الذهاب بعيدا.. تعجبت من ردة فعلها ولكنني قررت الوقوف بعيدا حتى تنهيا حديثهما.. غير أن زوجتي سحبت يدها فجأة من كفها، واقتربت مني بسرعة مرتعبة.. سألتها ما الخبر؟ فقالت: عرضت علي سحرك أنت وعمل "ملعوب" يجعلك كالخاتم في أصبعي.. حاولت ملاطفتها وقلت "أنا أصلا كالخاتم في أصبعك" ولكنها بقيت مرتعبة فتقدمت أنا للسيدة العجوز وأبديت استعدادي لتلبية طلباتها.. ذهلت لأول وهلة من جرأتي، ولكنها طلبت مني شعرا وقطعة ملابس وخمسين دولارا وبقائي فوق الكرسي لعدة دقائق.. لم أصدقها بالطبع ولكنني جلست فوق الكرسي ريثما تسرد أدعيتها وتنهي أعمالها.. كل هذا وأم حسام تحاول اقناعي بالذهاب - في حين لم يبد أنني أثرت اهتمام أحد من الناس.. تمنيت لو أنهم تجمعوا حولي لأثبت لهم (وللعجوز الدجالة) سخافة الادعاء واللعب على المشاعر بهذه الطريقة.. فأنا شخصيا لا أصدق بأعمال الشعوذة وأملك حصانة ضد السحرة، وأؤمن بقوله تعالى (وما هم بضارّين به من أحد إلا بإذن الله)..

من يمارسون هذه الأعمال هم أكثر الناس كذبا ووضاعة وفقرا.. لو كانت أعمالهم ناجحة ومؤثرة لما اتخذوها وسيلة للعيش وتحصيل الرزق.. لو كان بإمكانهم صنع المعجزات لنفعوا أنفسهم وأصبحوا أثرياء وما طلب أسلافهم أجرا من فرعون (قالوا إن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم لمن المقربين)..

لا أعلم لماذا لا يصيب السحر أو حتى العين والحسد والتلبس شعوباً كافرة لا تقرأ مثلنا آية الكرسي والمعوذات صباح مساء؟!

أليس في هذا وحده دليل على أنها مجرد مخاوف ومبالغات لا تعشعش إلا في عقولنا نحن؟

أليس في هذا دليل على أننا نحن من يصنع للسحر والشعوذة سوقاً من الترهات عظيما؟

إن كان في المغرب سحر حقيقي فهو سحر الجمال وكرم الضيافة وحفاوة اللقاء..

إن كانت أم حسام تستعمل السحر ضدي فهو سحر العشرة الحسنة والمعاملة الكريمة..

لو كانت "عجوز إبليس" قادرة على فعل شيء لخدمت نفسها أولا ولما طلبت خمسين دولارا أو بسطت رداءها قرب النفايات..

.. العقل العقل أيها الناس؛ فأنتم من يخلق الخرافة، ويَتَصنع الاحساس، ويجعل للسحر تأثيرا وهميا معاكسا..

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال