القائمة

الرأي

أيشارك المغرب في الحرب العالمية الثالثة؟

تتكتم الجهات الرسمية في المغرب على عدد الجنود المغاربة المشاركين في الحرب في اليمن وعن عدد من مات منهم في حرب ليست حربهم. كما أنها تتكتم عن أسباب مشاركتها في هذه الحرب، خاصة وأن مصالح المغرب ليست في خطر. وحتى وإن كانت وسائل الإعلام العالمية قد أكدت على مشاركة المغرب في "التحالف العربي"، المقاد من طرف السعودية، ضد سوريا، فإن وسائل الإعلام الرسمية في المغرب لم تذكر هذا الأمر في نشراتها الإخبارية ولا حتى في قصاصات أخبارها المقتضبة. فعزم السعودية على المشاركة في التدخل الميداني في سوريا، هو جر لكل "المتحالفين" معها لما يسميه الكثير من المراقبين والإستراتيجيين العسكريين بوادر حرب عالمية ثالثة. فهل يشارك المغرب في هذه الحرب دون علم المغاربة بذلك؟ ولأية أسباب يشارك في حرب ليست حربه وليست له أية مصلحة فيها لا من قريب ولا من بعيد؟

نشر
DR
مدة القراءة: 5'

الواقع أن الحرب في سوريا هي آخر حرب للإمبريالية الغربية على البلاد العربية، إذا نجحت في زعزعة النظام السوري الحالي، فعلى العرب من الخليج إلى المحيط الإستعداد إلى غد عربي أدمس من حاضرهم وماضيهم. فالحرب الناعمة التي تقودها الإمبريالية ضد العرب، والتدخل الروسي المباشر في الأحداث في سوريا، الذي قلب موازين القوى على أكثر من مستوى، و"استماتة" السعودية في "تمويت" كل العرب من أجل مصالحها والنفخ المبالغ في أناها لتصبح "قائدة" العرب وأكبر مصدرة للغاز في المنطقة، كلها علامات على أن إرادة الشعوب العربية غير موجودة على الإطلاق وبأن حكم الإستبداد –المدعوم من طرف الإمبريالية الغربية- هو الطاغي في الأرض العربية. وقد عمل سيد الأنظمة العربية (الغرب) على طلاء حائط الأنظمة العربية بصباغات باهتة لشبه برلمانات وحكومات وطنية وممثلي منظمات عالمية بما فيها "منظمة حقوق الإنسان"، في الوقت الذي ينعم فيه المستبد العربي، بساذية قل نظيرها، بترهيب شعبه والإعتداء على الشعوب المجاورة، بل حتى التدخل في أقطار بعيدة عنه جغرافيا.

التحالف الذي تقوده السعودية هو تحالف من أجل استثبات الإستبداد بقوة الدولار، فالكل يعلم أن شطحات السعودية في المنطقة لا تتأسس على قوتها العسكرية من حيث عدد الجنود، بل بشرائها للهمم في الدول العربية بالدولار. والخاسر الأول والأخير هو المواطن العربي المغلوب على أمره، الذي يُقاد ككبش فداء للموت المحقق، لأنه مضطر لإعالة ذويه، سواء أأتى من السودان أو موريتانيا أو المغرب إلخ. أكثر من هذا، فالإله السعودي الحقيقي "الدولار" يخول لها "اقتناء" مرتزقة من دول لا علاقة لها البتة بالنزاعات العربية مثل مرتزقة كولومبيا وغيرها. لا داعي لذكر مساندة النظام السعودي للجماعات المسلحة المتطرفة في حرب سوريا، لأن الأمر فُضح وأصبح معروفا عند العادي والبادي. لا داعي كذلك لذكر "تحالف" السعودية مع "الصهيونية" واستعدادها للإستعانة بها ومعها لإسقاط النظام في سوريا. لا داعي لذكر "التعاون" التركي السعودي من أجل "الإستحواذ" على ما يمكن الإستحواذ عليه في سوريا.

الحقيقة أن أول خاسر في الحرب على سوريا هي السعودية. وأول خساراتها هي خسارة صورتها عن نفسها كـ "راعية" للأمة المسلمة، بما أن الأماكن المقدسة المسلمة متواجدة على أراضيها. فالوحدة والتضامن والتآزر الذي تفترضه هذه الرعاية، والمفروض أن تكون مؤسسة على الحكمة والإعتدال وسعة الأفق، قد ذهبت أدراج الرياح جراء الموقف السعودي الحالي في الشرق الأوسط، سواء في اليمن أو في سوريا. هذه الخسارة الرمزية لا تعوض ولا يمكن أن تُشترى بالدولار. كما أن خسارتها السياسية والإقتصادية واضحة المعالم، فقد جُرَّ البساط من تحت قدميها على كل الجبهات، وهذا ما يؤدي بها إلى الدخول في سلسلة من الأخطاء والأخطاء المتكررة، بما أن شرط احتكام العقل في تسيير الأمور غائب بالتمام. وهنا بالضبط تدخل محاولتها إقحام دول عربية ومسلمة أخرى في حماقاتها وإرغام هذه الحكومات على المشاركة في مخططاتها دون علم مبدئي لشعوبها. وهذا بالضبط ما يقع للمغرب، الذي تبنى موقفا معاديا لسوريا واليمن، لأن السعودية بدولاراتها اشترت "تضامن وتحالف" أصحاب القرار في المغرب، إلى درجة أن، حتى دفن الجنود المغاربة الذين يموتون في ساحة المعركة في اليمن، يتم بطرق لا يعرف عنها الرأي العام المغربي أي شيئ تقريبا، وكأن من ماتوا لم يكونوا إلا "مرتزقة"، أصابهم الموت من أجل حفنة من الدولارات. لو كانت السعودية قادت "تحالفا مسلما" من أجل تحرير فلسطين، لانضمت جحافل المواطنين المسلمين إلى هذا التحالف طواعية، لكنا بتقربها من الصهاينة حاليا، تُظهر للعالم بأكمله وللمغاربة بالخصوص بأن فلسطين لم تكن أبدا أولوية من أولويات الحكام المسلمين، بل عُكازا يُستعمل عندما تكون الساحة السياسية العالمية في حاجة إلى موضوع حديث.

الشارع المغربي غير مبال بمشاركة المغرب في الحرب في اليمن ولا بإعلان السعودية بأنه "حليفا" لها للإعتداء المباشر على سوريا. فوسائل الإعلام الرسمية بالمغرب تتحدث عن اليمن وعن سوريا وكأن الأمر لا يعني المغرب والمغاربة، بنوع اللامبالاة، بل في كثير من الأحيان بنوع من الإنحياز الواضح للموقف السعودي. قد يدفع المغاربة ثمن غير مبالاتهم بمشاركة المغرب في حروب لا تعنيه غاليا، فالمنتصر غدا سوف لن يشفع له عدم مبالاته هذه. على المواطن المغربي أن ينخرط في موقف واضح فيما يخص مشاركة المغرب في صراعات هو غني عنها، وألا يوهم نفسه ويوهم العالم من حوله أن القرارات تُؤخذ دون استئذانه والرجوع له. فواجب المواطنة يحتم عليه الآن أن يعلن عن موقفه بكل وضوح وعدم تذبذب.

منبر

الدكتور حميد لشهب
عضو المجلس البلدي لمدينة فيلدكرخ النمساوية
حميد لشهب
كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال