القائمة

الرأي

حقوق الإنسان بين الاحترام والاحتگار ( الجزء الأول)

لنسلم جدلا أن تقرير الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان تقرير متحامل وأن ملاحظات بان كيمون والمنتظم الدولي في هذا الشأن تصفية حساب مع المغرب وأن مختلف التقارير الصادرة عن منظمات حقوقية دولية يشتم منها ما يشتم من روائح المؤامرات والاصطفافات المدفوعة الثمن . لنسلم جدلا أننا محسودين على نعمة الاستقرار وأن خصومنا وأعداؤنا يحرصون على التشويش على صورة بلادنا كنموذج يحتدى في الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان في بيئة عربية إسلامية وإفريقية تغيب فيها الديمقراطية ويغيب فيها احترام حقوق الإنسان .

نشر
DR
مدة القراءة: 6'

سأضع ما استطعت نظارة زهرية اللون على عيني علها تفيد في اضفاء بعض البهجة على الصورة حقوق الإنسان في بلادي . في هذا الموضوع سأتناول في الجزء الأول بعض النماذج التي تسائل واقع حقوق الإنسان و تناقلتها وسائل الإعلام المغربية في أسبوع فقط . نماذج لا علاقة لها بالسياسة ولا بالنقابة ولا بحق الإضراب والتضاهر ولا الاعتقال السياسي .

-المشهد الأول - منذ أسبوع تقريبا تناقلت وسائل الإعلام نبأ وفاة المواطن مغربي " إبراهيم صيكا " المناضل في تنسيقية المعطلين بگلميم على إثر إضراب على الطعام قيل أنه دام أربعة عشر يوما!! . لن أنتبه لتلك الرواية السوداوية التي تدعي تدهور الحالة الصحية لهذا المواطن من جراء التعذيب قيل أنه مورس عليه .. ولكن من حقنا أن نتساءل كيف ترك هذا المواطن المضرب عن الطعام يموت دون تدخل الطاقم الطبي في الوقت المناسب ولمنع تدهور صحته ؟ !!. ألم تكن السلطات المعنية: الأمنية والقضائية والطبية على علم بإضراب هذا الشاب عن الطعام ؟!! وهل قاموا بما يجب القيام به من مرافقة وفحوصات من لحظة ابتدائه هذا الإضراب لتتبع تطور حالته الصحية لحظة بلحظة باعتبار الخطر الذي يتهدده خصوصا إذا كان يعاني من أمراض لا تحتمل إجهاد البدني المترتب عن الإضراب عن الطعام ؟! . موت هذا الشاب يؤكد إما استهتار هذه السلطات بأهم حق من حقوق الإنسان : الحق في الحياة أو جهل تام من طرفها بما يتوجب عليها فعله من لحظة إعلان مواطن أي مواطن إضرابه عن الطعام . هنا تبزر اشكالية التكوين والتكوين المستمر في المجال القانوني والحقوقي .

-المشهد الثاني- ومنذ أسبوع أيضا راج في وسائل الإعلام الإليكترونية فيديو لشخص قيل أنه لشرطي مغربي يلطم مواطنة في إحدى المدن بالصحراء. طبعا هذه المرأة لم تحرق نفسها لدى لم يصل صدى اللطمة المهينة أقصى مداه ولو أن خصوم المغرب قد وظفوا الواقعة للتأكيد على الممارسات الماسة بحقوق الإنسان بالصحراء المغربية . . لكن اللقطة المدونة لهذا الشرطي وهو يصفع تلك المرأة تنضاف إلى سلسلة من الصور والفيديوهات التي تروجها البوليساريو لشتويه صورة المغرب .. ويبقى سؤالي هو : ألا يشكل تكرار هذه الأفعال المشينة من طرف رجال الأمن والسلطة تشويشا على مجهودات المغرب لتقديم نفسه كدولة تمنح كل الضمانات لاحترام حقوق الإنسان في الصحراء المغربية المتنازع حولها ؟!. قد يقول قائل أن هذه حالات منفردة وانفلاتات منعزلة ، طيب ممتاز ولكن لا يمكن القفز على سؤال ولماذا تحدث هذه الانفلاتات وتتكرر بهذا الشكل : لطم الوجه وسحل وركل ؟ هل هناك ضعف في التكوين على احترام حقوق الإنسان لدى رجال السلطة والأمن ؟! أم أن الأمر يتعلق بهشاشة في نفسية هؤلاء بحيث تكون هذه الانفلاتات نتاج ضغوطات وردود أفعال على استفزازات لم يهيئ لها هؤلاء الساهرين على الأمن مما يطرح مرة اخرى استمرار التكوين على حقوق الإنسان و اشكالية التأطير النفسي المسمتر لهم .

-المشهد الثالث - تناقلت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي أنباء عن إقدام مواطنين في القنيطرة والدار البيضاء وبني ملال وتازة وغيرها على احراق أنفسهم بعد اصطدامهم مع رجال سلطة وخاصة قياد . وعند التمعن في القاسم المشترك لكل هذه الأحداث تبرز بقوة قضية " الحگرة" الناتجة عن : لطم ، رفس ، عبث بالممتلكات والبضائع ، سب وشتم . قد يقول قائل أن هناك حالة من التوتر الناتج عن سوء تصرف المواطنين اللذين لا يترددون في احتلال الفضاء العمومي وخصوصا الأرصفة وأحيانا حتى الشوارع والطرقات وأن الكثير من هذه الاحتكاكات تحدث عندما يحاول رجال السلطة تحرير هذه الأماكن واجلاء المحتلين . وهذا صحيح في مناسبات عدة ولكن هل تطبيق القانون يستلزم انتهاك قوانين أخرى وحقوق الإنسان ويستلزم السب والركل والصفع ؟! وهل رجال السلطة قذ خضعوا للتكوين على احترام حقوق الإنسان وأفهموا أن لا شيء يحميهم حالة انتهاكهم لها أم أنهم تكونوا على احتقار المواطنين وإهانتهم ؟!.

-المشهد الرابع - تناقلت وسائل الإعلام المتنوعة خبر " قايد " الدروة الذي أراد ابتزاز امرأة متزوجة لكي يسمح لها ولزوجها بالاستفاذة من البناء العشوائي . سيقول قائل أن هذا القايد هذا استدرج ونصب له فخ حتى يتم توريطه فيمتنع عن القيام بأي إجراء ضد هؤلاء المنتهكين لقانون البناء . سنسلم جدلا بهذا الأمر ولكن هل هذا القائد اختطف من الشارع وأرغم على نزع ملابسه في غرفة نوم تلك السيدة المتزوجة أم إنه ولج البيت بكل طمئنينة ونزع ملابسه بكل هدوء . سوف لن أسائل السلوك المنحرف لهذا القائد وخيانته الزوجية بل أطرح سؤالا أعمق حول التكوين الشخصي والنفسي والعقلي لرجل السلطة هذا مما هيأه للتعامل بكل هذا التهور الذي يدل على الاستخفاف المفرط بالمواطنين وحقوقهم ( آش غادي يخرج منهم گاع ) وهيأه أيضا ليدوس على القانون بنزوة عابرة ويسمح ببناء عشوائي في عمارة ذات ملكية مشتركة.

نحن إذن أمام حالات تتكرر فيها التجاوزات القانونية والانتهاكات لحقوق الإنسان وتستغل فيها السلطة والمنصب والنفوذ لاحتقار المواطنين والدوس على حقوقهم . و مهما بررنا ومهما حاولنا تلوين هذا الواقع القاتم في علاقة رجال السلطة بالمواطنين فإننا نبقى أمام ظاهرة مشينة لا تليق بمجتمع ودولة الحق والقانون واحترام حقوق الإنسان.

أكيد أنه ليس كل رجال السلطة والأمن هكذا ولكن أكيد أيضا أن الحالات التي تتبعناها في أسبوع واحد ما هي إلا الجزء البارز من الجبل الجليدي أما ما خفي عن أعيننا، ويتم بعيدا عن وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة والفضاء الأزرق، في القرى والبوادي والأسواق والمداشر وفي الطرقات والسجون ، أقول أكيد أن ما خفي من الجبل الجليدي فهم أعظم .

قد يكون انفلات قائد هنا أو شرطي هناك حدث عرضي او صدفة ناتجة عن تفاعل عوامل عديدة ترتبط بطبيعة العمل وضروفه والضغوطات المترتبة عن الممارسة وطريقة تجاوب المواطنين مع مقتضيات القانون ، لكن حينما تتكرر الحوادث وتتواتر تصبح الصدفة والحادث العرضي قاعدة . هنا يطرح سؤال التكوين والتأطير لدى رجال السلطة بكل إلحاح ويطرح سؤال التكوين المستمر والمتابعة والمراقبة لهؤلاء الرجال أي يطرح بجدية سؤال التربية على حقوق الإنسان وسؤال جدية احترام هذه الحقوق في العلاقة مع المواطنين .

المغرب قد التزم باحترام حقوق الإنسان دستوريا ومن خلال توقيعه على تعهدات وبورتوكولات وقوانين دولية في هذا المجال وعليه أن يحترمها ولكن ما نراه ونعيشه يوميا يجسد نقيض هذا وعوض احترام حقوق الإنسان يتم تكريس " احتگار" حقوق الإنسان.

في الجزء الثاني إن شاء الله سأتناول احترام واحتگار حقوق الإنسان في العمل السياسي والنقابي. وتلك قصة أخرى أكثر تعقيدا .

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال