القائمة

الرأي

المغرب والصين شراكة استراتيجية جديدة

الزيارة الهامة التي يقوم بها الملك محمد السادس إلى الصين على رأس وفد كبير ليست زيارة عادية في توقيت عادي، وإنما هي زيارة تؤشر على تحول استراتيجي هام في السياسة الخارجية المغربية قائمة على تنويع الشركاء وعدم الارتهان إلى القوى الكبرى التقليدية.

نشر
DR
مدة القراءة: 6'

قبل أسبوعين خاطب ملك المغرب قادة دول مجلس التعاون الخليجي قائلا: «المغرب ورغم حرصه على الحفاظ على علاقاته الاستراتيجية بحلفائه، فقد توجه في الأشهر الأخيرة نحو تنويع شركائه، وفي هذا الإطار تندرج زيارتنا الناجحة لروسيا، كما نتوجه لإطلاق شراكات استراتيجية مع الهند وجمهورية الصين الشعبية التي سنقوم قريبا بزيارتها.. فالمغرب حر في قراراته واختياراته، وليس محمية تابعة لأحد». إذن، هذا هو الإطار الحقيقي الذي ينبغي أن تفهم في إطاره هذه الزيارة، وهو ما يعني أن المغرب، باعتباره دولة ذات سيادة حقيقية، تعود فيه تقاليد الدولة إلى حوالي اثني عشر قرنا، يرفض التعامل معه كمحمية تابعة تملى عليه قرارته ويفرض عليه أن يبقى مكتوف الأيدي حتى ولو تضررت مصالحه الاستراتيجية.!!
نعم، إن هناك شعورا متزايدا في المغرب بأن وحدته الترابية تتعرض لمؤامرة كبيرة بمساهمة بعض «حلفائه» التقليديين، ولا أحد يصدق في المغرب أن الانحياز المكشوف الذي عبر عنه الأمين العام للأمم المتحدة للأطروحة الانفصالية ووصفه المغرب خلال زيارته الأخيرة لتندوف جنوب الجزائر بأنه «دولة احتلال»، لا أحد يصدق أن هذا الانزياح تم بدون ضوء أخضر من بعض القوى الكبرى…
إذن أصبح من المفروض على المغرب أن يعمل على تنويع شركائه ويعمل على ضمان مواقف مساندة له أو على الأقل أكثر حيادية اتجاه القضية المركزية للشعب المغربي وهي قضية الصحراء المغربية.
إلى جانب هذا الهدف السياسي والاستراتيجي الكبير، ترسم هذه الزيارة أفقا جديدا للعلاقات الاقتصادية والتنموية بين البلدين.
فالمغرب يعد أحد الشركاء الواعدين للصين في بناء ما يطلق عليه قادة الصين «طريق الحرير»، إذ يلعب المغرب دور الجسر التجاري الذي يربط بين إفريقيا ودول العالم الأخرى بحكم موقعه الجغرافي المتميز، وبحكم علاقاته المنفتحة على إفريقيا باعتباره ثاني أكبر مستثمر فيها، وهو ما يعبر عن رغبة المغرب في العمل من أجل المشاركة في بناء القارة السمراء، وفي صالح الصين أن تعتمد على شركائها الأقوياء في إفريقيا لضمان نجاح بناء «طريق الحرير».
المغرب يمتلك الكثير من الصناعات الواعدة، بما في ذلك الزراعة والصناعة الغذائية، والسيارات، والطيران، والمنسوجات والملابس، والإلكترونيات والطاقة المتجددة، ويطمح إلى تسريع التنمية الصناعية خلال الخمس سنوات القادمة.
في الوقت الذي تطمح فيه الصين إلى توسيع أسواقها المحلية باعتبارها ثالث أكبر مصدّر للمغرب، وقد بلغت قيمة الصادرات الصينية للمغرب 2.9 مليار دولار أمريكي في عام 2015، ومتجهة نحو الازدياد، مما يدل على قوة علاقات التعاون بين البلدين في الوقت الحالي، كما يفتح الاقتصاد الوطني على مخاطر المنافسة الشرسة مع المنتوجات الصينية التي تتميز بانخفاض أسعارها…
غير أن الاستثمارات الصينية المتوقعة في المغرب من المتوقع أن تخلق 200 ألف وظيفة على الأقل في المغرب، حسب وزير الصناعة والتجارة المغربي.
لكن بعيدا عن هذه الأهداف التي تقف وراء هذه الزيارة النوعية، فإن النموذج الصيني يستحق الدراسة من جوانب مختلفة. فالصين تعيش في قلب التحولات الجارية على مستوى النظام الدولي، وهي تبرز كقوة سياسية واقتصادية وعسكرية وبشرية قادرة على المساهمة في بناء عالم متعدد الأقطاب ومتحرر من هيمنة القطب الواحد، وهو ما يفسر عزم المغرب على تعزيز علاقاته وتنويعها مع هذا البلد الآسيوي العملاق، لكن الصين تبرز أيضا كنموذج تنموي مختلف يفسر سرعة صعودها الاقتصادي والسياسي والاستراتيجي.
قصة التنمية في الصين تستحق الدراسة من زوايا متعددة، خصوصا بالنسبة لنا، حيث لا زلنا نتلمس طريقنا نحواستكشاف النموذج التنموي الذي يتلاءم مع بيئتنا الثقافية والحضارية..
الصين دولة تجر وراءها حضارة قديمة تعود إلى أكثر من 7000سنة، تأسست كدولة حديثة سنة 1949 عندما أعلن الزعيم الراحل ماوتسي تونغ قيام جمهورية الصين الشعبية ذات السيادة الكاملة في فاتح أكتوبر من نفس السنة.
تقع الصين على مساحة 9.6 مليون كلم مربع وعدد سكانها يبلغ مليار و370 مليون نسمة، وتتنازع مع دول أخرى على مليون و200ألف كلم مربع، مساحة البحر 3 ملايين كلم مربع ولها بحار تعتبرها محتلة من طرف اليابان، وهي دولة موحدة لكنها متعددة القوميات. فإلى جانب قومية «هان» التي تمثل أغلبية السكان بحوالي 90 في المائة هناك 56 قومية أخرى، يطلقون عليها في الصين الأقليات القومية.
وقد نجحت الصين في بناء تعايش كبير بين القوميات المختلفة، فالدستور الصيني يعتبر كل القوميات متساوية وتضمن الدولة الحقوق والمصالح المشروعة لمختلف الأقليات الصينية ويجري تطبيق نظام الحكم الذاتي الإقليمي في المناطق التي يتجمع فيها أبناء القومية الواحدة، كما يقر الدستور حرية المعتقد ويعترف بالديانات المختلفة وأبرزها البوذية والتاوية والإسلام والمسيحية، وينشط العديد من المسلمين الصينيين داخل الحزب الشيوعي..
منذ سنة 1978 اختار الحزب الشيوعي الصيني اعتماد سياسة الإصلاح والانفتاح على العالم الخارجي، وتجاوز بشكل تدريجي سياسة الاقتصاد الموجه مركزيا وإشراف الدولة على توزيع الموارد، وأبدع خبراء الحزب مفهوم اقتصاد السوق الاشتراكي، وهو ما يعني الجمع بين ميزة الاشتراكية أي التنمية المشتركة للموارد، وكذلك السوق الذي يرمز إلى الفعالية في توزيع الموارد بشكل جيد.
هذه السياسة مكنت من حل إشكالية الغذاء بشكل كبير، ونجحت الصين في تحقيق معجزة اقتصادي كبيرة مع توطيد مكانتها على الصعيد الدولي، فخلال ما يزيد على 30 سنة حافظت الصين على معدل نمو سنوي يتجاوز 9 في المائة، وفي سنة 2010 قفزت إلى الرتبة الثانية في العالم من الناحية الاقتصادية…
يصر الصينيون على اعتبار نموذجهم التنموي متلائما مع خصوصياتهم الحضارية، ولفهم علاقة البيئة الثقافية والخصوصيات الحضارية بالنموذج التنموي الناجح الذي اعتمدته الصين ينبغي فهم الوحدة الدنيا في المجتمع الصيني ألا وهي وحدة العائلة والقيم المرتبطة بها.
فالعائلة التي تستند إلى علاقات الزواج والدم، وتتكون من الآباء والأبناء وكبار السن ممن يقتسمون بيتا واحدا، تمثل دورا مركزيا في الحياة الاجتماعية للصينيين، وتحافظ على تقاليد عريقة في التاريخ الصيني، بحيث يمكن اعتبار جميع العلاقات الاجتماعية الصينية تنبع أصلا من العائلة وهو مفهوم متجذر في الثقافة الصينية.
النموذج السياسي والتنموي الذي اتبعته الصين بقيادة الحزب الشيوعي الصيني يعكس تجربة فريدة في العالم ومن الصعب محاولة استنساخها في بيئة أخرى، لكن مع ذلك هناك العديد من الدروس المستفادة من هذه التجربة من أهمها: امتلاك القدرة على التكيف مع الظروف الصعبة والحفاظ على قوة التنظيم الحزبي كمؤسسة لتكوين رجالات الدولة، والقدرة على بلورة أطروحات نظرية جديدة في المجال السياسي والاقتصادي وعدم الجمود على ما أنتجه الآباء المؤسسون للحزب الشيوعي لأنه، بكل بساطة، لم يعد ملائما لمتطلبات العصر وتقلبات الواقع..

منبر

عبد العالي حامي الدين
أستاذ العلوم السياسية بجامعة عبد المالك السعدي
كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال