القائمة

الرأي

سمعنا جعجعة ولم نرى طحنا

صدق المثل الجاهلي : سمعنا جعجعة ولم نرى طحنا. ...

ضجيج ، وصخب وخطب نارية ، وهجومات على مشاريع الحكومة ومن والاها وفي النهاية تُمَرّرُ المشاريع في البرلمان بشقيه على يد حفنة من النواب أو المستشارين بشكل يدعو للاستغراب والاستهجان . حدث هذا مرتين في أقل من شهر ببلادنا . مرة عندما تم تمرير القانون الذي يسمح بتشغيل الأطفال في السادسة عشر سنة من عمرهم وحدث هذا أيضا عندما تم تمرير القانون التقاعد الجديد .

نشر
DR
مدة القراءة: 3'

بالنسبة لتشغيل القاصرين سمعنا الخطب الرنانة والكلام الناري وتعبأ المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي أصبحت مهمته كما يقول نيل المغاربة حظهم من حقوق الجيل الثالث والرابع من حقوق الإنسان لرفض هذا المشروع وسمعنا من المنظمات الحقوقية كلاما كثيرا حول ضرورة احترام المغرب للاتفاقيات الدولية وحقوق الطفل ورأينا تنظيم وفقات احتجاجية وندوات تلو الندوات بعضها كان مداعا ومتلفزا ، بل وسمعنا برلمانيين من فرق الأغلبية يبدون امتعاضهم من المشروع ويتوعدون بعدم التصويت عليه . وعندما ظن الجميع أن المشروع الحكومي إلى زوال ، غاب المنتقدون له يوم التصويت عليه في البرلمان وتم تمريره بشكل استجهنه الرأي العام من طنجة للگويرة . نعم غضب الرأي العام على تمرير المشروع ،لكن غضبه كان أكثر على طريقة تمريره لأنه اعتبر أن المعارضين أناس يقولون ما لا يفعلون ، لم يكونوا جادين في معارضتهم للمشروع وكان همهم الوحيد هو تجييش الجماهير ضد الحكومة ومحاولة النيل منها .

نفس الشيئ سيتكرر في قضية التقاعد حيث المعارضة كانت أشد جعلت الكثيرين يضعون أيديهم على قلوبهم خوفا من مآل الصراعات المرتقبة التي كان المعارضون للمشروع الحكومي يلوحون بها ، من اضراب عام إلى النزول للشوارع وما قد يرافق ذلك من أحداث جسام ولكن عندما دقت ساعة الحقيقة وحان وقت التصويت في مجلس المستشارين الذي تسيطر عليه المعارضة غاب من غاب وانسحب من انسحب ورفض التصويت من رفض ومر المشروع الحكومي بشأن التقاعد مرورا سلسا على يد سبعة وعشرين مستشارا .

أكيد أن مشروع " إصلاح " صناديق التقاعد كان سيمرر مع هذه الحكومة أو تلك لسبب واحد هو أن هذه هي إرادة البنك الدولي التي فرضها على دول من قبل كاليونان والأردن ومصر والسودان وتونس وأراد فرضها على المغرب وللأسف الشديد إرادته ماضية و" ما عند الميت ما يقول قدام غسالو " . فالبلاد المستنقعة في الديون الخارجية وخدمة الديون وإعادة جدولة الديون والتقييمات الهيكلية . البلاد الغارقة في برامج تنموية لم تحقق إلا المزيد من المديونية وبالتالي التبعية ، البلاد التي تشيد منشآت سياحية عملاقة لسياح قد يأتوا وغالبا لا يأتون ، البلاد التي تتدين لانتاج المواد الفلاحية التي لا تأكل وتقترض لشراء المواد التي تأكل ، البلاد التي تشيد بالديون الملاعب عملاقة التي لا تستطيع فرقها استعمالها لغلاء ثمن كرائها ، البلاد التي تقترض لتستهلك وتقترض لتسديد فاتورة الحوار الاجتماعي إلخ ، لا يمكنها أن تقول لا لدكتاتورية البنك الدولي . نعم كنا نأمل تحسين المشروع الحكومي المتعلق بالتقاعد وهذا كان المبتغى من الحوار الإجتماعي ولكن خاب أملنا .

هي خيبة أمل تلو خيبة أمل ، ولنا أن نتساءل لماذا كل هذا الإصرار على دفع الجماهير دفعا إلى فقدان الثقة في الجميع : في السياسيين كما في النقابيين وفي الأمل والحلم في انجاح الانتقال إلى الديمقراطية . و أكيد أنه عندما تنعدم الثقة في اللعبة السياسية وفي الفاعلين الأساسيين فيها يحدث الفراغ الذي يملؤه التطرف والعنف والاتجاهات الكارثية .

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال