القائمة

أخبار

يوسف السباعي: الفكر المتطرف لا ينشأ في المساجد الأوروبية وإنما داخل المؤسسات السجنية

مع تزايد التهديدات الارهابية في إيطاليا، ومع تزايد عدد المساجين المسلمين في السجون الإيطالية، عينت وزارة العدل الايطالية مؤخرا المغربي الأصل يوسف السباعي، أستاذا ملحقا لدى مدرسة تكوين شرطة السجون بالعاصمة روما، وكلفته بالاشراف على دورات تكوينية لفائدة ضباط ومدراء السجون الايطالية.

اتصلنا في موقع يابلادي بيوسف السباعي وكان لنا معه الحوار التالي:

نشر
يوسف السباعي
مدة القراءة: 6'

بداية ما هي العناوين الكبرى لهذه الدورات التكوينية التي تشرف عليها لفائدة ضباط السجون؟  

المسألة الأولى هي التفريق بين الأعمال الإجرامية التي ارتكبها المعتقلون الذين يدينون بالدين الإسلامي، والإسلام كدين، لأن الذين يتواجدون بالسجون دخلوها إما بسبب المخدرات أو السطو المسلح...، وحضور هذه الدورات التكوينية لا يقتصر على الضباط بل يتعدى ذلك إلى مدراء السجون، وأطباء نفسانيون ...

ثانيا أركز على التعريف بالاسلام كدين وليس كثقافة، يعني الاسلام بأركانه الخمسة، وبأن رسول الاسلام رسول محبة وسلام، ولا نفرق بينه وبين عيسى وموسى وباقي الانبياء والرسل، وأشرح لهم بعض العبادات التي توجد في الدين الاسلامي كالصلاة والصيام والحج والزكاة، وخاصة الصلاة لأنها الشعيرة التي تتكرر يوميا، وهم يرون بعض السجناء المسلمين يصلون، ولا يفهمون لماذا يصلي هؤلاء ولا كيف ولا وقت الصلاة...، فدورنا هو والتعريف بالصلاة وسببها وأوقاتها، لأن هناك الكثير من المساجين الدين يستغلون موضوع أوقات الصلاة من أجل فرض وقت محدد على الإدارة لأداء الصلاة، وهنا أوضح لهم أنه ليس هناك وقت محدد للصلاة وإنما هناك مدة زمنية للصلاة تستمر مدة من الوقت، بحيث أن إدارة السجن هي التي يمكنها تحديد وتقسيم وقتها وليس السجين.

وبعد الصلاة العبادة المهمة من داخل السجن هي صوم رمضان، ما يجعل أوقات الأكل تختلف بين السجناء المسلمين وغيرهم، وهو ما يطرح مشكلا لإدارة السجون بحيث تجد صعوبة في تنظيم وقت الأكل وخاصة خلال وجبة السحور.

هل تلعب هذه الدورات دورا في محاربة الأفكار المتطرفة؟

موظفو السجون لا يعرفون الإسلام ولا يعرفون علاقة المسلم بالقرآن وعلاقته بالنبي ودور النبي والقرآن في الاسلام، هذه العلاقة المتشابكة والمعقدة لا يعلمون عنها شيئا، قد يرون في يوم من الأيام سجينا يصلي وقام بإطلاق لحيته وارتدى لباسا طويلا، فيقولون إنه ربما أصبح متطرفا، وأنا أشرح لهم بأن التطرف ليس هو اللباس، ولكن التطرف هو الأفكار وهو توجهات الشخص وهي المعاملة التي يقوم بها السجين.

وبالنسبة للعاملين داخل السجون لن تكفيهم دورة واحدة أو دورتين من أجل أن يفرقوا بين المسلم الذي يتبنى خطابا دينيا مقبولا، وبين الذي يحمل خطابا متطرفا، ونحن نحاول أن نوضح لهم مقاصد الشريعة الاسلامية، هاته المقاصد التي ربما قد تكون منطلقا لفهم تصرفات السجناء المسلمين ومدى ملاءمتها للإسلام من عدمه، ونحن نعلم أن مقاصد الشريعة الاسلامية تحض على حفظ المال وحفظ العقل حفظ النفس.. أي أنها تركز على كلمة "حفظ"، فعندما يقوم سجين ما بمعاملة أو أن يتفوه بكلام لا تتطابق مع هذه المقاصد التي تنص كلها على "حفظ"، فسيعلمون أن هذا السجين لا يحترم المبادئ التي جاء بها الإسلام، فأحاول مع هؤلاء الحراس والموظفين، أن تتكون عندهم قاعدة للمعرفة الدينية، وأيضا معرفة بثقافات الدول التي ينحدر منها هؤلاء السجناء، لأن العديد منهم لا يفرق بين التقاليد والدين، فأحاول أن أشرح لهم بأنه قد يكون سجينين مسلمين ولكن تقاليدهما مختلفة، وأن هناك فرقا بين التقاليد والدين.

هل هذه الدورات التكوينية تأتي لرغبة إيطاليا في الانفتاح على الدين الاسلامي أم أنها فرضتها الظروف التي تمر منها أوروبا ككل؟

الظروف التي تعيشها أوروبا خاصة الارهاب والتطرف الدين، هو الذي ساهم بالتعجيل بهذا القرار، لأن السجون الايطالية عرفت تواجد المساجين المسلمين في العشرين أو 25 سنة الماضية، وخلا هذه السنوات لم يكن هناك اهتمام بتواجد المسلمين في السجون الايطالية، حتى ظهرت العمليات الارهابية في أوروبا خاصة في فرنسا والتي نفذها أشخاص يحملون فكرا متطرفا اكتسبوه من داخل السجون.

والمفوضية الأوروبية بدأت منذ سنة 2010  تحث الدول الأوروبية على الاهتمام بموضوع الدين داخل السجون، ومنذ ذلك الحين بدأت وزارة العدل الإيطالية في ذلك، حتى وصلت في وقتنا هذا إلى تنظيم دورات تكوينية، كي يتسنى للسجناء المسلمين أداء مناسكهم، وأيضا إمكانية التعرف على وجود انحراف وسطهم في حال وقوعه...

هل ستمكن هذه الدورات التكوينية الضباط والحراس من التمييز بين أصحاب الفكر المتطرف وباقي السجناء الذين لا يحملون فكرا متطرفا؟

هذه الدورات غير كافية، كي يعلموا بأن السجين بدأ يحمل فكرا متطرف أم لا، لأن التطرف يختلف من شخص لآخر، وحتى البحوث التي اهتمت بالتطرف تتحدث عن اختلافه من شخص لآخر وبين الأنثى والذكر...، لذلك نحاول أن نمدهم بقاعدة معرفية لكي يفهموا الدين الاسلامي، وأرى أنه في كل سجن يجب أن يكون شخص متخصص في الاسلام، بحيث يكون هو الذي يساعد الموظفين، لكي يفرقوا بين المتدينين والمتطرفين.

لاحظنا مؤخرا إقدام السلطات الإيطالية على طرد العديد من المغاربة بتهم تتعلق بالإرهاب، هل يعني هذا أن الفكر المتطرف بدأ يجد طريقه إلى الجالية المغربية هناك؟

لا العكس تماما، يجب أن نعلم أن الجالية المسلمة الأكثر تواجدا في الديار الايطالية هي الجالية المغربية، والذين يتجاوز عددهم 450 ألف، فلا يمكن أن نقارن هذه الجالية بجالية أخرى لا يتجاوز عددها الآلاف، وأكثر الذين تم طردهم من إيطاليا، اتخذت في حقهم قرارات بناء على تقديرات استباقية بحيث أن السلطات الايطالية ترى بأنهم من المحتمل أن يشكلوا تهديدا ضد البلاد نظرا إما لتدوينة كتبوها على مواقع التواصل الاجتماعي أو دعاء تم إلقاءه في الصلاة...

بالتزامن مع هذه الدورات التكوينية، تم إطلاق دورات مماثلة لتكوين الأئمة فهل تعتقدون أن السلطات الايطالية تسير بخطى ثابتة من أجل محاربة الأفكار المتطرفة؟

أولا ليس هناك برنامج لتكوين الأئمة في إيطاليا، هناك كلام عن برامج مستقبلية، ولكن لم يتم لحد الآن وضع تخطيط لها، ولا تخصيص ميزانية لها..
كل المجهودات التي تقوم بها الدولة الإيطالية عن طريق جميع المؤسسات، ما زالت في مراحلها الأولى، ولحد لآن لا نتوفر على عمل ممنهج ومؤسساتي، يمكننا من القول إن هناك خطة وهدفا، نحن الآن نقوم بدراسات حول تكوين الإمام مع الدولة الإيطالية وجامعة روما، ومن جهة أخرى نعمل على موضوع المساجد، ولحد الآن المساجد والمراكز الاسلامية في إيطاليا بينت على أنها في مستوى التحديات، لأن هناك تعاونا بينها وبين الدولة الإيطالية، فداخل المساجد يتم نشر فكر معتدل فكر الحوار والتقارب بين الاديان، وخلال آخر أسبوع من شهر أكتوبر من كل سنة يتم تنظيم دورات للتعارف بين المسلمين والمسيحيين الكاتوليك، غير أن هذه الخطوة تبقى غير معروفة، لأنها لا تحظى بتغطية وسائل الإعلام الإيطالية.

وكل من يقومون بالأعمال الإرهابية سواء بفرنسا أو بلجيكا أو مكان آخر، لم يعتنقوا الفكر المتطرف داخل المساجد، بل اعتنقوه داخل السجون أو عن طريق الانترنيت، وهذا ما يظهر بأن المساجد لا تشكل خطرا على الأمن والاستقرار داخل أوروبا، وإنما الخطر يأتي من الخلل الموجود داخل السجن والانترنيت.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال