القائمة

الرأي

مراجعات الحركات الإسلامية : الشعارات أولا

يقول الله عز وجل في محكم كتابه : "لا يجرمنكم شنآن قوم ألا تعدلوا ، اعدلوا هو أقرب للتقوى ". فالخلاف اليوم مع نهج جماعة الإخوان المسلمين ومن هو متشبع بنموذجهم لا يمكن أن يبرر الابتعاد عن الموضوعية في تناول تجربة هذه الحركة . فحين رفع حسن البنا رحمه الله شعار : "الإسلام ، مصحف وسيف " و تم تجسيد ذلك الشعار في رسم لمصحف يعلو سيفين مكتوب بينها عبارة " وأعدوا " ، كان هناك سياق تاريخي لا يمكن القفز عليه اليوم . سياق تميز بعنف لا نظير له على امتداد تاريخ البشرية .

نشر
DR
مدة القراءة: 6'

فلقد كان القرن العشرين قرن اسقاط الخلافة العثمانية بالعنف وتم تقطيع أوصال العالم العربي والإسلامي (اتفاقية سايس بيكو ومؤتمر الجزيرة الخضراء ) بين القوى الأوروبية الاستعمارية فرنسا وبريطانيا وبشكل أقل إسبانيا. وطبعا لم يكن دخول الاستعمار للبلدان العربية والإسلامية نزهة بل مارس الاستعمار أبشع وأفظع وأشرس أشكال العنف والقتل . كما شهد النصف الأول من القرن العشرين حربين عالميتين مدمرتين وتم زرع الكيان الصهيوني، في قلب الوطن العربي في فلسطين الحبيبة تنفيذا لوعد بلفور ، بالقوة والعنف مما أدى إلى تهجير جماعي ومذابح في حق الشعب الفلسطيني . ليس هذا فقط فلقد أدت الحرب العالمية الثانية إلى إضعاف القوتين الاستعماريتين -فرنسا وبريطانيا - مما حرك الشعوب العربية والإسلامية للمقاومة المسلحة و المطالبة بالاستقلال فكان رد هتين الدولتين الاستعماريتين ممارسة أقصى درجات العنف في حق المقاومة و الشعوب ويكفي أن نذكر أن حرب التحرير في الجزائر كلفت هذا الشعب أزيد من مليون شهيد .

كان حسن البنا ابن بيئته ، تفاعل مع الواقع والمحيط المحلي والدولي تفاعلا لا يختلف كثيرا عن تفاعل حركات وأحزاب سياسية تمتح من إيديولوجيات يسارية ويمينية ليس فقط في الوطن العربي والإسلامي بل في الغرب : في أوروبا وأمريكا واليابان وفي الاتحاد السفياتي والصين .
علينا أن لا ننسى أن اليسار والشيوعيون كانوا أشد المتحمسين للعنف الثوري في الصراع ضد الأمبريالية والرأسمالية . وعلينا أن لا ننسى أن اليمين الفاشي والنازي والعسكرتاريا في اليابان وغيرها كانوا يعتمدون ويمارسون أقصى درجات العنف . فلقد كان السياق العالمي سياق صراع وعنف . ومن الظلم التاريخي أن ننسى هذا الأمر أو نحاول إلصاق تهمة العنف بتوجه سياسي أو إيديولوجي واحد .

ومن الظلم التاريخي أن نحسر رفض الديمقراطية بحسن البنا وحركته ، فالرجل لم يكن أكثر رفضا للديمقراطية من اليسار العربي والأحزاب الشيوعية والقومية العربية وغير العربية . ومن يرفض الديمقراطية يرفض بالتأكيد التعددية السياسية والفكرية والأيديولوجية . ألم يكن لينين يعتبر الديموقراطية من مخلفات النظام البورجوازي العفن ؟ ألم يكن يساريو العالم يدعون إلى حكم ديكتاتورية البروليتاريا ؟ ألم تمارس الحركات السياسية اليسارية الإرهاب في معاقل الديمقراطية بأوروبا في ألمانيا ( بادر ماين هوف ) وفرنسا( العمل المباشر) وإسبانيا( الإيتا ) وإيطاليا ( الألوية الحمراء) اليابان ( الجيش الأحمر الياباني ) اليونان (منظمة النضال الثوري اليوناني ) وبريطانيا (الإيرا الإرلاندية) .
وطبعا بموازاة مع هذه المنظمات اليسارية كانت هناك العديد من المنظمات اليمينية تغلغلت في الأجهزة الأمنية الغربية التي تبنت الفكر والفعل الإرهابي أذكر منها منظمة "البناؤون" "franc-maçons"، "رابطة دفاع أليستر " بإيرلاندا ، "المجالدون""les gladiateurs" في إيطاليا ، المافيا في إيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية . وفي فرنسا وحدها كان هناك أزيد من 25 منظمة وجماعة يمينية تتبنى العنف والإرهاب .

اليوم وفي سياق مختلف عن سياق التأسيس على الأقل في الساحات الوطنية وبعد الفشل الذريع الذي منيت به الكثير من الحركات الإسلامية في تفعيل مشروعها حتى بالنسبة لمن وصلوا إلى سدة الحكم في أفغانستان والسودان وأخيرا ليبيا واليمن، تقوم العديد من هذه الحركات وفي مقدمتها حركة الإخوان المسلمين بمراجعات بُغية تصحيح المسار . مراجعات نتمناها شاملة بما في ذلك الشعارات التي أطرت ولفترة طويلة عمل هذه الحركات وفي مقدمتها شعار : "الإسلام ، مصحف وسيف ".

الإسلام ، اتمام لمكارم الأخلاق الأمم السابقة وإيمان بالقيم المشتركة بين الرسالات السماوية التي جاء بها موسى وعيسى ومحمد عليهم صلاة الله وسلامه والتي تضمنتها الوصايا العشر . قال الله تعالى: ((قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) الأنعام:151-151

الإسلام إذن :
- إيمان بالله وعدم الشرك به ووفاء بعهد الله
- بر وإحسان بالوالدين
- عدم أكل أموال اليتامى وأكل أموال الناس بالباطل وإيفاء الكيل والميزان بالقسط
- حرص على العدل و تجنب الإثم والبغي
- عدم شهادة الزور
- تحريم قتل النفس التي حرم الله و قتل الأولاد خوفا من الفقر ورفض الانتحار
- عدم الاقتراب من الفواحش ما ظهر منها وما بطن .
- بناء مجتمع سليم أخلاقيا وعلى المستوى الأسروي ومواجهة التفكيك الأسروي
- تجنب للاقتصاد الربوي
- تجنب الكذب على الله ورسوله
- الخ،

الإسلام أيضا :
رد التحية بأحسن منها وعفو عن السوء والصفح وعدم الجهر بالسوء وعدم الإسراف وعدم البخل وعدم التكبر ورفض للاجرام حتى السياسي : " أفنجعل المسلمين كالمجرمين ، مالكم كيف تحكمون " القلم 35-36 .
الإسلام محبة، تعايش، رحمة، قبول بالاختلاف والتنوع وعزة وكرامة وتواضع . الإسلام دعوة للحوار الإنساني . الإسلام مصحف منزل من الله العلي القدير وسنة نبوية تعكس النموذج والقدوة التي يجب الاقتداء بها واتباع للحكمة الإنسانية وعمل صالح ينفع الناس .

من كل ما سبق أعلاه ، وفي زمن العولمة النيوليبرالية الجشعة وفي زمن الاستبداد السياسي الضارب أطنابه في الوطن العربي والإسلامي وفي زمن الفساد بكل تجلياته ، وفي زمن الاستعمار الجديد هناك حاجة لبراديغمات جديدة تشتغل عليها هذه الحركات الإسلامية . وأكيد ستجد هذه الحركات في العناوين والمفردات أعلاه ما تشيِّد عليه مراجعاتها وشعاراتها . وأكيد أن شعار " يا أيها الناس : تعالوا إلى كلمة سواء" موجه ليس فقط للساحات الداخلية بل للانسانية جمعاء سيكون الشعار الأمثل في المرحلة الراهنة باعتباره سيكون بمثابة دعوة كونية لبناء عالم مشترك أكثر حضارية وأمنا وتعايش وتفاعل حضارات ولمواجهة الكارثية والعنف والتوحش وصراع الحضارات .

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال