القائمة

أرشيف

بعد عشر سنوات من دعوة المغاربة لتحريرها من قبضة الألمان..كورسيكا تصير منفىً لمحمد الخامس

في مثل هذا اليوم تحتفل فرنسا بتحرير جزيرة كورسيكا من قبضة النازية والفاشية، وقد لعب الجنود المغاربة دورا مهما في تحرير الجزيرة، ولكن بعد سنوات من ذلك تحولت كورسيكا إلى مكان لنفي الملك محمد الخامس الذي ابعدته السلطات الفرنسية قسرا عن المغرب بعد رفض التنحي عن منصبه.

نشر
الكوم المغاربة في كورسيكا/ أرشيف
مدة القراءة: 4'

بعد يومين من اندلاع الحرب العالمية الثانية، أصدر الملك محمد الخامس (في 3 سبتمبر 1939)، ظهيرا ملكيا، تمت تلاوته في المساجد، دعا فيه المغاربة إلى الدفاع عن فرنسا في المعارك التي ستخوضها إلى جانب الحلفاء ضد القوات النازية والفاشية.

محمد الخامس : ردوا الجميل لفرنسا

وجاء في الظهير المنشور في الجريدة الرسمية رقم 1403 الصادرة في 15/9/1939 "لا حاجة إلى تنبيه أعين ذوي التميز والإعتبار إلى مزايا السلم والهناء السائدين بالمغرب في سائر الأرجاء منذ أن أمضى أسلفنا الكرام عقد الحماية وتبادلوا مع الدولة الفرنسوية عهود الوداد والرعاية. فقبل ذلك العهد كانت الفتنة سائدة بين أفراد القبيلة الواحدة تشب على أدنى سبب نيران العدوان بين الأقرب والجيران فلا أمن يسهل المواصلات ولا هناء ييسر للناس طرق المعاملات ولا دمنا لأحد على ذويه ولا أقاربه ولا عن ماله (…) ومنذ تأسست الحماية ثبتت في مساكنكم دعائم الأمن والرعاية وعم الأمن سبلكم كما ساد الهناء مدنكم، لا ما يهدد الأنفس ولا الأعراض ولا ما يعد خطرا على الدين ولا يحول دون القيام به". وأضاف الملك في الظهير:

"ذلك كله حال يجب أن نقوم به لله شاكرين وأن نكون لأنعمه الجمة من الذاكرين وقد قال (ص) "من أسدى إليكم معروفا فكافئوه" (…) وهذه فرنسا الصديقة التي لم تال جهدا في المحافظة على السلم قد أخذت اليوم أهبتها للدفاع عن شرفها وشرفنا وعن مجدها ومجدنا وعن مستقبلها ومستقبلنا جميعا. فيجب علينا أن نقوم بواجبات محافظة العهد المتين ولا يحافظ على العهود مثل عباد الله المؤمنين (...) يتعين اليوم علينا أن نؤدي واجب الشكران للدولة الفرنسوية إعترافا بما أسدته إلينا من الإحسان. وإن من بخل بذلك الواجب الأكيد يخرج بذلك عن سنن أسلافنا الأماجد ويخالف أوامر البري سبحانه وقد أمر أن نكون من الشاكرين ونفر من حزب الجاحدين".

وكان هؤلاء المقاتلين المغاربة الذين كان يطلق عليهم اسم "الكوم" في فرنسا (بالفرنسية "goumier" وهو مصطلح أطلقه الجيش الفرنسي الاستعماري على وحدات الدعم والإسناد المكونة من الأهالي في مستعمراته شمال أفريقيا)، يأتمرون بأوامر الكولونيل الفرنسي بيير بواييه دولاتور، الذي سيصبح جنرالا فيما بعد و مُقيما عاما لفرنسا في تونس ثم في المغرب.

وقد تم تدريب هؤلاء المقاتلين سرا في جبال الأطلس المتوسط، الذي ينحدر أغلبهم منه. وفي ليلة 16 و 17 شتنبر تم إنزال كتيبة القناصة المغاربة بقيادة الكولونيل "باتلر".

وفي 3 أكتوبر من سنة 1943 تمكن "الكوم" المغاربة من السيطرة على ممر تيغيم قرب باستيا بكورسيكا، ودخلوا المدينة يوم 4 أكتوبر تحت قصف الطيران الأمريكي. وهكذا أصبحت كورسيكا أول مقاطعة فرنسية يتم تحريرها. فيما تم تحرير باقي الأراضي الفرنسية بشكل تام في شهر شتنبر من سنة 1944 من قبل قوات الحلفاء عقب إنزالات نورماندي.

وجاء في الإشادة بالمقاتلين المغاربة بحسب ما أوردت لوفيغارو "هذه الوحدة المغربية الرائعة المشَكلة على صورة قائدها. وحدة بمعنويات مرتفعة و صلابة لا تُضاهى و ثبات رائع، قد أعطت كل قدراتها الحربية بخسائر ثقيلة في الرجال و العتاد، رغم تعرضها لنيران عنيفة من المدفعية و الطيران، إلا أنها حافظت على كامل شراستها و دخلت إلى باستيا منتصرة في رابع أكتوبر، مساهمة بذلك بقسط وافر في نجاح الحملة التي شنت من أجل تحرير كورسيكا".

محمد الخامس من التكريم في الإليزيه إلى المنفى في كورسيكا

في 18 يونيو من سنة 1945، تم استقبال الجنود المغاربة في قصر الإليزيه من قبل الجينرال ديغول، الذي وشح آنذاك السلطان محمد الخامس، بوسام التحرير، واعتبر بذلك رفيق التحرير وهو الوحيد من غير الفرنسيين الذي نال هذا الوسام.

وبعد ثمان سنوات من ذلك، وبالضبط في 20 غشت من سنة 1953، قررت سلطات الحماية الفرنسية في المغرب نفي السلطان محمد الخامس خارج البلاد إلى جزيرة كورسيكا التي سال دم المغاربة دفاعا عنها تلبية لندائه. وذلك بعدما رفض التنحي عن منصبه.

وبقي محمد الخامس وعائلته ستة أشهر بفندق نابوليون بونابرارت في الجزيرة، وفي الخامس من شهر فبراير ستقدم السلطات الفرنسية على نقل العائلة الملكية إلى مدغشقر.

"الكوم" تهميش لسنوات  

ورغم أنجازاتهم وبطولاتهم الكثيرة، طال التجاهل والتهميش "الكوم"، إلى أن جاء شريط وثائقي لألان سيدوي و أحمد المعنوني حول "تاريخ الكوم المنسي" سنة 1992، حيث تم الالتفات لهم و إعادة تقييم المنح العسكرية التي يتلقونها. ثم جاء فيما بعد شريط "أنديجين" الذي أعاد لهم الاعتبار لدى الرأي العام.

وفي سنة 2013 قام الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند والأمير مولاي رشيد بتكريم سبعةً من قدماء المحاربين المغاربة المنتمين لـ"الكوم"، إلى جانب سبعة محاربين فرنسيين بوسام جوقة الشرف، وهو أسمى تكريم في فرنسا.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال