القائمة

أخبار  

الأثار الاقتصادية والاجتماعية لإغلاق مناجم الفحم في مدينة جرادة

أغلقت شركة "مفاحم المغرب" بجرادة أبوابها، بعدما فشلت في زيادة إنتاجها، وخلفت وراءها مئات من عمال المناجم دون عمل. ومن أجل كسب لقمة العيش غادر بعضهم المدينة، فيما فضل آخرون البقاء والتكيف مع الواقع الجديد.

نشر
مدينة جرادة
مدة القراءة: 4'

تغيرت حياة مئات العمال بمدية جرادة، بعدما اتخذ قرار إغلاق شركة مفاحم المغرب سنة 1998، وقررت العديد من العائلات هجرة المدينة بحثا عن آفاق جديدة، فيما بقي آخرون بداخلها رغم الظروف الاقتصادية الصعبة.

قرض من البنك الدولي 

قصة تعثر شركة مفاحم المغرب المملوكة للدولة، والمسؤولة عن استخراج الفحم بمدينة جرادة، بدأت عندما طلبت المساعدة من البنك الدولي، وكانت الشركة تخطط آنذاك إلى زيادة الانتاج. ففي دراسة مفصلة أوضحت المؤسسة المالية الدولية التي تقدم قروضا لبلدان العالم أهداف هذا الطلب المقدم في سنة 1985.

وجاء في الدراسة المعنونة بـ"مشروع جرادة لتحديث منجم الفحم وتوسيعه" أن الشركة طلبت من البنك قرضا بقينة 27 مليون دولار أمريكي، على أن يتم تسليمه على امتداد 15 سنة.

ووعدت شركة مفاحم المغرب بدعم "تحديث وتوسيع إنتاج منجم جرادة لينتقل إنتاجه من 0.8 طن سنويا إلى 1.0 مليون طن بحلول عام 1988 وتعزيز قدرتها التشغيلية والتخطيطية" مشيرة إلى أنه "سيتركز الانتاج في منجم واحد مع العمل على دعم البنية التحتية لهذا المنجم من أجل زيادة الانتاج، موازاة مع تحسين السلامة الصحية وظروف العمل في المنجم".

وكانت هذه الوعود قد صدرت قبل ثمان سنوات من نشر تقرير ثان للبنك الدولي جاء فيه أن "القرض الممنوح لشركة مفاحم المغرب، والذي بلغ مجموع دفوعاته 13,5 مليون دولار قد تم إلغاءه في سنة 1988".

وجاء في التقرير أن "المشروع لم يحقق أهدافه بسبب المشاكل الجيولوجية والانخفاض غير المتوقع في أسعار الفحم في العالم".

ولاحظ البنك الدولي أن شركة مفاحم المغرب "لم تلتزم بتعهداتها مع خطة التحديث. فرغم ارتفاع معدل العائد الاقتصادي بشكل طفيف إلا أنه لم يكن كافيا، وظلت مؤشرات الانتاج دائما في المنطقة الحمراء".

إغلاق الشركة

هذه الصعوبات عجلت بإنهاء أنشطة شركة مفاحم المغرب نهائيا، ماشكل نقطة مفصلية في تاريخ المدينة الواقعة شرق المغرب، وتأثر اقتصادها سلبا، خصوصا وأنه لم يتم إيجاد حلول كفيلة بحفظ وصون كرامة العمال المفصولين من العمل إجباريا.

ووجد هؤلاء العمال أنفسهم في وضعية لا يحسدون عليها، فإما البحث عن عمل داخل المدية الصغيرة والتي تكاد تنعدم بها فرص الشغل، أو الهجرة إلى مدن أخرى.

وفي تصريح لموقع يابلادي قال مصطفى سلواني وهو نقابي في الاتحاد المغربي للشغل "بعد إغلاق الشركة لم تتحق أي من الوعود التي تم قطعها".

وأضاف "عندما أغلقت مفاحم المغرب في سنة 1988 وتم التخلي عن استخراج الفحم، وعدت الحكومة بدعم المنطقة، وإيجاد طرق أخرى لجعلها جذابة. كانت جرادة تأوي عمالا من جميع أنحاء المغرب، تزنيت، دمنات، الريف...كان الهدف هو جعلهم يبقون في المدينة وعدم دفعهم إلى الهجرة".

ولصيانة الوضع الاقتصادي والاجتماعي للعمال المفصولين تم آنذاك توقيع اتفاقيتين بين الحكومة والنقابات، ينصان على "تقديم الخدمات الاجتماعية للعمل، من تعليم وسكن..." وكذا "خلق فرص العمل وجلب المستثمرين"، لكن وبحسبه لم تحقق أي من هذه الوعود التي بقيت حبرا على ورق.

الهجرة..الحل الوحيد

ويرى مصطفى سلواني أن هؤلاء العمال وجدوا أنفسهم بسبب تلكؤ الحكومة أمام خيار وحيد هو الهجرة. وهو ما أكده الأحصاء السكاني الذي أجري في سنة 2014، حيث أوضح أن 43650 شخصا يعيشون في جرادة مقارنة بـ 60 ألف شخص في سنة 1994.

في سنة 1936 كان يعيش 853 شخصا فقط في مدينة جرادة، وبحلول عام 1952 تضاعف هذا العدد تقريا 12 مرة، ووصل إلى 11126 سنة 1952، وظلت أعداد السكان في تزايد مستمر، إلى حدود إغلاق شركة مفاحم المغرب أبوابها حيث بدأ تعداد سكان المدينة في التراجع.

وبالنسبة لمطفى سلواني، فإن السكان الذين غادروا المدينة وجدوا أنفسهم مضطرين لذلك، أمام انعدام فرص العمل، وقال "الأمور تزداد سوءا منذ إغلاق شركة مفاحم المغرب".

انعدام فرص العمل

وبحسب سلواني "فإن الشباب لا يستطعون العثور على عمل يضمن قوت يومهم، وأضاف "لقد تم بناء حي صناعي لاستضافة الشركات، لكن للأسف تحول هذا الحي إلى منطقة سكنية" وتابع "هناك محطة للطاقة الحرارية التي بنيت من قبل الروس، والتي تعمل منذ عام 1967. وتتوفر على ثلاثة أقسام، وسيتم إنشاء قسم رابع في المستقبل"، ورعم ذلك فإنها بحسبه لا توفر فرصا كثيرة للشغل.

فالمحطة "تشغل 500 شخص، 75 في المائة من مدينة جرادة، الشركة جلبت موظفيها، ولا تتطلع لتوظيف أبناء المدينة".

ويزداد الوضع الاقتصادي في المنطقة سوءا، حسب بيانات المندوبية السامية للتخطيط، وهي هي مؤسسة للأبحاث الحكومية، فالبطالة في الجهة الشرقية التي تنتمي إليها جرادة بلغ 27,5 في المائة في المناطق الحضرية في سنة 2000، أي بعد سنتين من إغلاق المناجم، وانخفض هذا المعدل إلى 19,7 في سنة 2012 ولكنه ارتفع في سنة 2013 إلى 19,3 في المائة ، وارتفع مرة أخرى سنة 2014 ليبلغ 19,9 في المائة.

تراج النشاط الاقتصادي في مدينة جرادة بعد إغلاق شركة مفاحم المغرب، دفع العديد من أبناء المدينة إلى التنقيب السري عن الفحم، حيث يقول سلواني "نحن نعاني من البطالة وفرص العمل منعدمة. الملجأ الوحيد هو العمل السري في المناجم".

ويواصل حديثه للموقع قائلا "لسوء الحظ يعمل هؤلاء العمال بعد استخراج الفحم، بجمعه في كيس كبير يزن ما بين 80 و 90 كيلوغرام ويبيعونه بثمن يتراوح بين 70 و90 درهم".

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال