القائمة

أرشيف

تاريخ: البدايات الأولى لبروز التنظيمات السياسية في المغرب

شكلت "حرب الريف" أحد الروافد الأساسية لبروز الحركة الوطنية المغربية، ومهدت لظهور وعي جديد يؤمن بضرورة النضال بكل الوسائل من أجل التحرر من السيطرة الاستعمارية، وهكذا تأسس أول تنظيم سياسي بالمغرب أطلق عليه اسم "الرابطة المغربية" سنة 1926، والذي سيشكل البوادر الأولى للعمل السياسي في المغرب، وهو ما يغفله العديد من المؤرخين، الذين يعتبر معظمهم أن بداية العمل السياسي انطلقت مع تأسيس "كتلة العمل الوطني" سنة 1934.

نشر
DR
مدة القراءة: 5'

بعد أن وضعت حرب الريف أوزارها، واقتنع العديدون بأن النضال العسكري قد استنفذ أدواره، ظهر أول تنظيم بالمغرب ذو طابع "سياسي" أطلق عليه اسم الرابطة المغربية. وعلى خلاف المقاومة المسلحة التي انطلقت من البوادي والقرى، فإن العمل السياسي سينطلق من المدن، وتركز بالخصوص في المدن الكبرى "سلا، والرباط، وفاس..." ، على يد طبقة تنتمي إلى البرجوازية المتوسطة، المتخرجة من المدارس العتيقة كالقرويين، بالإضافة إلى من درسوا في المشرق، المتأثرين  بالحركة السلفية المشرقية، ومن درسوا بأوربا وتأثروا بالفكر التحرري.

وقد انخرط أحمد بلافريج بمعية عدد من المثقفين في هذا التنظيم السياسي الذي كان يهدف إلى توعية الشعب المغربي بالمخطط الاستعماري، أما علال الفاسي فقد عمل على نشر الدعوة السلفية في مجموعة من المناطق بالمغرب كان أولها جامع القرويين بفاس.

ومع إصدار سلطات الحماية الفرنسية لـ "الظهير البربري" يوم 16 ماي 1930، وما شكله من تهديد لوحدة البلاد على جميع المستويات، اندلعت سلسلة من الاحتجاجات في كافة أرجاء البلاد تجسدت كرد فعل في "قراءة اللطيف".

وقد أدركت النخبة السياسية المغربية ضرورة إيجاد تنظيم سياسي آخر، وبما أن قانون الحماية لم يكن يسمح بذلك، فقد لجأت هذه النخبة إلى "التنظيم الحزبي السري"، حيث قام كل من علال الفاسي، ومحمد بن الحسن الوزاني، وأحمد مكوار و غيرهم من الوطنيين المغاربة بتشكيل تنظيم سري سنة 1930، مكون في هيكله أساسا من "الزاوية" كأعلى مستوى داخل التنظيم وكانت مهمتها اتخاد القرارات المتعلقة بسير التنظيم ونشاطه، وقد وصل عدد أعضائها إلى 20 عضوا، ثم نجد في المستوى الثاني من التنظيم "الطائفة" وقد ضمت حوالي 60 عضوا، وكانت تعرض عليها مقررات الزاوية.

وحسب ما تناوله الدكتور محمد ضريف، في كتابه "الأحزاب السياسية المغربية من سياق المواجهة إلى سياق التوافق 1934- 1999"، فإن "التنظيم السري" أعتمد في أدوات اشتغاله ونشاطه على تحرير العرائض المطلبية وحلقات التوعية، وإصدار الصحف ولعل أبرزُها "مجلة المغرب" بباريس الصادرة سنة 1933 والتي أشرف على تحريرها أحمد بلافريج وصحيفة "عمل الشعب" بفاس والذي كان صاحب تحريرها محمد حسن الوزاني في السنة نفسها، هاته الصحف ركزت في جل موضوعاتها على محاربة  "الظهير البربري" الذي أقامته السلطات الفرنسية للتفرقة بين العرب و إخوانهم الأمازيغ، وتبيان آثاره السلبية، إلا أنه وبحلول سنة 1934، ستطرأ تحولات جديدة على الساحة السياسية بالمغرب سيكون لها .الأثر البالغ في تطور "التنظيم السياسي" بالمغرب

نحو عمل سياسي أكثر تنظيما: "كتلة العمل الوطني"

بحلول شهر فبراير من سنة  1934 أقدمت سلطات الحماية على إلحاق المغرب بـ"وزارة المستعمرات"، و كان رد الوطنيين متشددا ضد هدا الإلحاق، الذي أعقبه احتجاج السلطان لدى السلطات الفرنسية بباريس، كما أرسلت عدة برقيات احتجاجية باسم الشعب المغربي إلى الحكومة الفرنسية ورؤساء لجنة الشؤون الخارجية والبرلمان الفرنسي، وجاء في نفس الكتاب حسب محمد ظريف، "...كما سيدفع النخبة الوطنية إلى التفكير في سبل مواجهة الوضع الجديد عبر فرز أداة تنظيمية تكون قادرة على إيصال المطالب الجديدة التي أفرزتها هذه الوضعية".

وفي هذا السياق برز إلى الوجود تنظيم سياسي آخر يعرف بـ "كتلة العمل الوطني" والذي عمل على إعداد ميثاق سمي بـ "برنامج الإصلاحات"، هذا التنظيم لم يعترض بتاتا على نظام الحماية بل طالب الحكومة الفرنسية أن تحترم منطوق ما جاء في معاهدة فاس، وقد تقدمت به الكتلة إلى السلطان والإقامة العامة والحكومة الفرنسية، غير أنه لم يؤخد بالحسبان نهائيا.

لكن مع حلول شهر يوينو من سنة 1936 سيطرأ تغيير في مقاليد الحكم بفرنسا بصعود "الجبهة الشعبية" إلى السلطة، والتي راهنت "كتلة العمل الوطني" على صعودها، وهو ما استغلته وأرسلت وفدا إلى باريس يضم عمر بن عبد الجليل ومحمد بن الحسن الوزاني لشرح مواقف الكتلة للحكومة الجديدة وذلك في يوليوز 1936، وقد استقبل الوفد من قبل وكيل وزارة الخارجية "بول فينو" وهو أحد المناصرين للوطنيين المغاربة، مما شجع الكتلة على وضع قائمة سميت بـ"المطالب المستعجلة" للحركة الوطنية.

وأدى وصول الجبهة الشعبية للسلطة إلى تحول في بنية "كتلة العمل الوطني" إذ أصبح تنظيما منفتحا على القواعد الشعبية، وذلك بعقده لتجمعات علنية في كل من فاس وسلا، وتأسيسه لفروع جديدة بمكناس، وصفرو، وقصبة تادلة..، وبالتالي فتحول بنية الكتلة من "تنظيم" مغلق على نفسه إلى "تنظيم" منفتح على القواعد الشعبية، سيطرح مشكل السلطة داخل التنظيم، إذ أن فكرة القيادة الجماعية لم تعد صالحة بعد هذا التحول.

وقد طورت الحركة الوطنية المغربية عملها خلال الأربعينيات مستفيدة من ظروف داخلية وخارجية، فعلى المستوى الداخـلي عرفت الساحة المغربية اشتداد حملات القمع والنفي والاعتقال في صفوف الوطنيين المغاربة، وتردت الأوضاع الاقتصاد والاجتماعية للعمال المغاربة، مما دفعهم للانخراط في النضال الوطني عبر النقابات والأحزاب الجديدة التي تأسست في بداية الأربعينيات.

وعلى المستوى العالمي طرأت عدة مستجدات استفادت منها الحركة الوطنية ، كانت أهمها اندلاع الحرب العالمية الثنية، والاجتياح النازي لفرنسا وتطور حركات التحرر في العالم وإعلان الميثاق الأطلسي الذي نص على حق الشعوب في تقرير مصيرها.

وتطور العمل السياسي بعد ذلك، وبرز إلى الوجود حزب الاستقلال سنة 1944 بزعامة علال الفاسي، حيث عمل على تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، يوم 11يناير 1944، فردت إدارة الحماية بقمع ونفي وتقتيل الوطنيين المغاربة، وبذلك سيدخل المغرب في مرحلة جديدة من النضال السياسي الذي سوف يتوج باستقلال المغرب سنة 1956.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال