القائمة

أرشيف

تاريخ جيش التحرير المغربي (10) : الارتباك الفرنسي إثر هجوم 02 أكتوبر 1955

في هذا الجزء العاشر من سلسلة مقالات حول تاريخ جيش التحرير المغربي، نتطرق إلى بعض المعطيات التي أحاطت برد الفعل الفرنسي إثر انطلاق عمليات جيش التحرير المغربي في 02 أكتوبر 1955 والذي اتسم بالارتباك، ورافقه انتقام وحشي من السكان واحراق منازل وممتلكات المشاركين في الهجوم.

نشر
DR
مدة القراءة: 7'

بعد نجاح الهجوم على عدد من مراكز الشؤون الأهلية للمستعمر بشكل متفاوت صباح يوم 02 أكتوبر 1955 بكل من بورد وتيزي وسلي ومرموشة وبركين وبوزينب... ردت القوات الفرنسية بشكل انتقامي بالهجوم على سكان هذه المناطق والتنكيل بهم.

وأظهر رد الفعل هذا غياب الرؤية لدى القوات الفرنسية وارتباكها، وسارعت إلى إرسال قوات إضافية لتثبيت سيطرتها من جديد وإعادة هيبتها في المناطق التي شهدت هجوم جيش التحرير ومراقبة الحدود مع مناطق سيطرة اسبانيا.

وقد استبشرت أملا في مرموشة بعد أن هدأت الأوضاع بها في اليوم الثاني، وعلمها باتجاه المقاتلين إلى الريف إلى جانب مقاومين من منطقة بركين.

ارتباك القوات الفرنسية وعدم استعدادها للهجوم الوشيك

رغم امتلاك السلطات الاستعمارية معلومات عن هجوم وشيك، لكن لم تستعد لرد الهجومات المحددة في منتصف الليل، ويمكن تفسير ذلك إلى أنها لم تكن تتوقع أن تكون بتلك الضخامة، فلم يكن هناك عدد كبير من الجنود على المراكز التي تعرضت للهجوم، أو لم يكونوا مسلحين كما هو الحال بالنسبة لمركز مرموشة وفق ما جاء في ملحق أورده محمد الخواجة في مذكرات ميمون أوعقا لياس.

ويرجح محمد الخواجة في مداخلة بعنوان "فرنسا وهاجس انطلاق حركة تحريرية بالمغرب" (غير منشورة) بندوة نظمتها كل من "جمعية أكنول للتنمية الثقافة وحفظ الذاكرة" وجمعية بورد للتنمية والرياضة للجميع" و"جمعية اجدير اكزناية" يومي 17 و18 ونونبر 2017 ، أن القوات الفرنسية لم تكن تستحضر أن المقاتلين وضعوا نصب أعينهم الاستيلاء على السلاح المخزون لديها بالدرجة الأولى، ولا شك أنها استحضرت اضطرابات "وادي زم" التي لم تعتمد على السلاح، أو لم تكن تخطط لحرب، أو أنها استحضرت هجومات فاتح نونبر 1954 في الجزائر التي اعتمدت هجوما محدودا على بعض المراكز بواسطة أسلحة الصيد أو أسلحة تقليدية لم يكن لها مفعول كبير في الأيام الأولى.

ويشير محمد لخواجة (في نفس المداخلة المذكورة) إلى معطى آخر ربما ساهم في غياب الاستعداد والتأهب لدى القوات الفرنسية، حيث أنه بعد أن وصلها خبر الهجوم في بعض النقط لم يكن بها إلا جندي واحد أو اثنان للحراسة بنواحي تيزي وسلي حوالي السادسة من مساء 1 أكتوبر، أي قبل موعد الهجوم الرسمي بحوالي 7 ساعات، جعل الفرنسيين يعتقدون أن الأمر انتهى عند هذا الحد.

وحسب ما جاء في كتابه "حقائق عن شمال إفريقيا" حاول دولاتور تحميل المسؤولية للضباط المسؤولين على المراكز التي شهدت الهجوم في عدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة لدرء الهجوم الوشيك رغم توصلهم بمعلومات عن ذلك من مخبرين مغاربة.

ضبابية الرؤية لدى الإقامة العامة بالرباط

لا شك أن السرية التي أحاطت عمل خلايا جيش التحرير المشكلة منذ 1951 باكزناية قد فوتت الفرصة على السلطات الفرنسية لمعرفة ما يجري بدقة، مما سيدفعها إلى الاعتقاد خاصة من خلال ما أورده المقيم العام بوايي دولاتور في كتابه "حقائق عن شمال إفريقيا"، ومن خلال التصريح الصحفي الذي قدمه الجنرال "بيرترون Bertron " يوم 03 أكتوبر 1955 بالرباط، أن الكوماندوهات التي نفذت هجوم 02 أكتوبر جاءت من المنطقة الخليفية (الخاضعة للسيطرة الاسبانية)، مع الادعاء أن المنفذين في غالبيتهم لا ينتمون إلى هذه المناطق.

هذا دون أن إغفال أن خبر التحضير لهجوم وشيك قد تسرب إلى المستعمر كما جاء في مذكرات ادكارفور رئيس الوزراء الفرنسي آنذاك، لكن ظل مجهولا لديها مدى قوة التنظيم والاستعداد والأهداف التي يتم التحضير لها وغيرها، ومن جهة أخرى كانت مطمئنة إلى كون القيادات الحزبية التي شاركت في مفاوضات إيكس ليبان أواخر غشت 1955 لن تساند أي تحرك في اتجاه الكفاح المسلح، واستعدادها للالتفاف على الأزمة بذهاب ابن عرفة وعودة محمد بن يوسف.

كما ساهمت معطيات أخرى في اضطراب الرؤية لدى الإقامة العامة بالرباط، ومنها أن المقيم العام بوايي دولاثور كان طيلة ما تبقى من صيف وخريف 1955 في صراع على أكثر من واجهة مع حكومة باريس والمعمرون ومعهم بعض القواد التقليديين والعسكريين...، وكانت لديه الرغبة أكيدة في مغادرة المغرب، وتسليم المفاتيح لمقيم عام جديد، وذلك ما كان يوم 11 نونبر 1955، كما أن المؤسسات المالية والشركات الفرنسية على عكس المؤسسة العسكرية لم تكن ترى من داعي لاستمرار الوجود العسكري الفرنسي بالمغرب بعد أن تم ترسيخ وجودها وسيطرتها على كل المقدرات الاقتصادية المغربية.

المقيم العام يتحاشى ذكر استلاء جيش التحرير على أسلحة مراكز القوات الفرنسية

من الأهداف الأساسية التي وضعها جيش التحرير المغربي لانطلاق عملياته في صباح يوم 02 أكتوبر 1955 هي الاستيلاء على السلاح من مخازن مراكز الشؤون الأهلية التي شدهت الهجوم، لاستعماله في حرب طويلة لم تكن لتقتصر على هجوم ليلة واحدة، فالخطة كانت ومنذ بداية تشكل الخلايا منذ أربع سنوات قبل الهجوم هي خوض معركة التحرير من أجل الاستقلال.

وفي كل ما أورده دولاتور في كتابه تحاشى ذكر غنائم جيش التحرير من الهجوم على مركز بورد من الأسلحة وذخيرتها وكذا تيزي وسلي وبوزينب، ... واكتفى بالإشارة إلى ما غنم من الأسلحة في مرموشة، حيث غنم المقاتلون 400 قطعة وذخيرة معتبرة، ادعى دولاتور بأن معظمها استرد في الأيام التالية.

وكان استرداد بعض من هذه الأسلحة باللجوء إلى كل أنواع الترهيب والترغيب، فشكلت قوة من بعض القبائل للإغارة على المناطق التي شاركت في الهجوم، كما أقدمت على تخصيص مكافأة مالية (حوالي 25000 فرانك) لكل من يعيد قطعة سلاح، ولم ينج من كل السلاح المستولى عليه إلا حوالي 120 بندقية حملها المقاتلون معهم حينما انتقلوا إلى الريف في اليومين التالين لهجوم ثاني أكتوبر، وفق مذكرات ميون أوعقا لياس.

دلالة زيارة وزير الدفاع الفرنسي لبورد

وذكر محمد الخواجة في مداخلته السالفة الذكر، أنه في الخامس من أكتوبر ذهب المقيم العام دولاتور إلى مرموشة، ومنها انتقل إلى "مثلث الموت" لمعاينة الأوضاع، تحضيرا لزيارة وزير الدفاع الجنرال "بيوط" الذي عين يوم 7 أكتوبر، ووصل إلى بورد يوم 8 منه، وهذه الزيارة التي جاءت بعد أقل من أسبوع من بداية الهجوم أكدت أن الضربة التي تلقتها فرنسا في "مثلث الموت" لم تكن منتظرة بتاتا بذلك الحجم استدعت حضور وزير الدفاع لرفع معنويات الجنود ومحاولة إظهار أن الأوضاع تحت السيطرة.

كما يستدعي الأمر ضرورة مراقبة كل المسافة الحدودية مع مناطق سيطرة الاستعمار الاسباني لوقف تسرب الكوماندوهات حسب اعتقادها، إلى جانب ارسال تعزيزات عسكرية جديدة تتكون من 10 آلاف عسكري، وعتاد حربي كبير، بالإضافة إلى سرب من الطائرات المقاتلة لضرب الأهداف "المشبوهة".

كما حاول دولاتور تأليب الإسبان ضد اللاجئين ومقاتلي جيش التحرير، وذكرهم بأن المغاربة سيطالبون بالأراضي الممتدة إلى حدود السنغال، وفيما بعد سيطالبون بالأندلس. وتساءل: ألهذا الغرض سقط العديد من الجنود الإسبان على الأراضي المغربية؟ ... ليقر في الأخير أن ما يقوم به الجنرال "فالينو" المقيم العام الإسباني ما هو إلا جريمة ضد الحضارة الغربية.

استمرار عمليات جيش التحرير في "مثلث الموت"

في مناطق اكزناية أو المعروفة بـ"مثلث الموث" تواصلت المعارك والمناوشات بين فرق جيش التحرير والقوات الفرنسية في عدد من النقط منذ بداية الهجوم على الساعة الواحدة صباحا من يوم 02 أكتوبر 1955 وطيلة هذا اليوم والأيام الموالية، فالفرقة التي نفذت الهجوم الناجح على مركز بورد وبعد إطلاق سراح السجناء والاستلاء على السلاح والذخيرة وإحراقه، استمرت في خوض معارك أخرى.

ففي حدود فجر هذا اليوم توجهت مجموعة إلى مركز "لاباز" للجمارك ببورد وتم حرقه كما توجهت مجموعة أخرى إلى مركز بوزينب الاستراتيجي الذي نجح الهجوم عليه كذلك، ونظمت في طريقها هجوما على عدد من المراكز الصغيرة الأخرى، كما قامت مجموعة أخرى بخوض معركة بلوطة بضواحي بورد ... إلى جانب معارك ومناوشات في مواقع عديدة خلال الأيام الأولى من انطلاق الهجوم، كما جاء في مذكرات عبد العزيز أقضاض الدوائري.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال