القائمة

أرشيف

في الذاكرة #3 : زينب النزفزاوية..زوجة الملوك وبانية مجد دولة المرابطين

تشير العديد من المصادر التاريخية، إلى أن الفضل يعود إلى زينب النفزاوية زوجة يوسف ابن تاشفين، في بناء دولة المرابطين التي حكمت المغرب الأقصى وبلاد الأندلس، وأن هذا الأخير كان لا يقدم على أمر دون استشارتها.

نشر
زينب النفزاوية
مدة القراءة: 7'

بعد انهيار دولة الأدارسة عمت الفوضى بلاد المغرب الأقصى، وانتشرت إمارات ودويلات صغيرة به، إلى أن أتى المرابطون وأعادوا توحيد البلاد تحت راية واحدة، بل ووصل ملكهم إلى الأندلس.

وتتحدث الكثير من المراجع التاريخية، عن دور كبير لعبته سيدة تدعى زينب بنت إسحاق الهواري وعرفت بـ"زينب النفزاوية"، في توحيد المرابطين لبلاد المغرب الأقصى والأندلس، من خلال دعمها لحكام هذه الدولة التي قامت سنة 1056، وبقيت إلى حدود سنة 1147، حيث قامت على أنقاضها دولة الموحدين.

وبحسب ما تروي العديد من المراجع التاريخية، فإن زينب النفزاوية تنحدر من قبيلة "نفزة" أو "نفزاوة" الأمازيغية، التي كانت متواجدة في منطقة إفريقية (تونس الحالية)، وكان والدها تاجرا وقرر الانتقال إلى أغمات بالمغرب الأقصى.

وتوصف هذه السيدة التي تعتبر من بين أشهر نساء المغرب عبر التاريخ، بزوجة الملوك وذلك بعد أن تزوجت من أميرين لقبيلة أغمات، قبل أن يستقر بها الحال زوجة لأعظم قادة دولة المرابطين. ولم يتحدث المؤرخون عن تاريخ محدد لولادتها، غير أنهم يجمعون على أنها عاشت خلال القرن الحادي عشر ميلادي، وتوفيت عام 1072 ميلادية.

وقال عنها ابن خلدون في كتابه "العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر" إنها "كانت إحدى نساء العالم المشهورات بالجمال والرياسة".

وكتب عنها المؤرخ المغربي أحمد بن خالد الناصري في كتابه "الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى" أنها "كانت بارعة الجمال والحسن وكانت مع ذلك حازمة لبيبة ذات عقل رصين ورأي متين ومعرفة بإدارة الأمور حتى كان يقال لها الساحرة".

"لا يتزوجني إلا من يحكم المغرب كله"

وجاء في الجزء الرابع من كتاب البيان المغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب لصاحبه ابن عذارى المراكشي‎ أنه:

"في سنة ستين وأربع مائة استقامت الأمور للأمير أبي بكر بن عمر البلاد ووجه عماله إليها، وكان مستوطنا بمدينة أغمات، وكانت بها امرأة جميلة تعرف بزينب النفزاوية قد شاع ذكرها وأمرها في قبائل المصامدة وغيرها، فكان يخطبها أشياخها وأمراؤهم فتمتنع لهم وتقول: "لا يتزوجني إلا من يحكم المغرب كله"، فكانوا يرمونها بالحمق".

وأضاف أنه كانت لها أخبار "مستطرفة غريبة كمثل أخبار الكاهنة، فبعضهم يقولون إن الجن يكلمها وبعضهم يقولون هي ساحرة، وبعضهم يقولون كاهنة".

وعلم بجمالها الأمير أبو بكر بن عمر اللمتوني الذي خلف مؤسس الدولة المرابطية عبد الله بن ياسين "فخطبها وتزوجها فوعدته بمال كبير تخرجه من له، ثم أدخلته في دار تحت الأرض معصب العينين، ثم أزالت العصابة ففتح عينيه فرأى بيوتا فيها ذهب كثير وفضة وجواهر ويواقيت".

ويضيف صاحب الكتاب نفسه أن "هذه المرأة موسومة بالجمال والمال وكان لها محاسن وخصال محمودة ورؤية مستطرفة فقيل -والله أعلم- أن الجن كانت تخدمها وغير ذلك".

فيما يشير العدد 96 من مجلة "دعوة الحق" التي تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إلى أن النفزاوية كانت "زوجة أحد خصوم الدولة المرابطية وهو لقوم المغراوي من أمراء بني يفرن الذي حارب عبد الله بن ياسين مؤسس الدولة المرابطية إلى أن انتصر عليه عبد الله بن ياسين وقتله".

وجاء في كتاب "الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى" أن الأمير أبو بكر أقام "عندها بأغمات نحو ثلاثة أشهر، ثم ورد عليه رسول من بلاد القبلة فأخبره باختلال أمر الصحراء، ووقوع الخلاف بين أهلها".

ويؤكد كتاب "البيان المغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب" أن أبو بكر اللمتوني توجه إلى الصحراء وولى مكانه ابن عمه يوسف بن تاشفين، ولما كان راحلا خاطب زوجته قائلا:

"إني مسافر منك برسم الفتن والحروب ولا يمكنني أن أمشي عنك وأنت في عصمتي فإن أنا مت كنت مسؤولا عنك والرأي أن أطلقك" فقالت له "الرأي السديد ما تراه" فطلقها فذكروا أنه قال لابن عمه يوسف بن تاشفين تزوجها فإنها امرأة مسعودة".

فيما كتب الناصري في كتابه الاستقصا "ولما عزم على السفر طلق امرأته زينب وقال لها عند فراقه إياها : يازينب إني ذاهب إلى الصحراء وأنت امرأة جميلة بضة لا طاقة لك على حرارتها وإني مطلقك، فاذا انقضت عدتك فانكحي ابن عمي يوسف بن تاشفين فهو خليفتي على بلاد المغرب. فطلقها، ثم سافر عن أغمات".

اليد اليمنى ليوسف بن تاشفين

وبعد انقضاء العدة تزوجها يوسف بن تاشفين، ويؤكد كتاب البيان المغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب أن ابن تاشفين "دخل بها فسرت به وسر بها وأخبرته أن يملك المغرب كله فبسطت آماله وأصلحت أحواله وأعطته الأموال الغزيرة، فأركب الرجال الكثيرة، وجمع له القبائل أمولا عظيمة، فجند الأجناد وأخذ في جمع الجيوش من البربر والاحتشاد".

المصدر ذاته أكد أنها كانت تساعده على تدبير أمور الحكم، ويستشيرها في كل صغيرة وكبيرة، حتى أصبح أكثر قوة "وعظمت شوكته"، فيما كتب صاحب الاستقصا "فكانت عنوان سعده، والقائمة بملكه، والمدبرة لأمره، والفاتحة عليه بحسن سياستها لأكثر بلاد المغرب"، وذكر ابن الأثير في كتابه الكامل "كانت من أحسن النساء ولها الحكم في بلاد زوجها ابن تاشفين".

وجاء في كتاب أيام الأمازيغ: أضواء على التاريخ السياسي الإسلامي  لصاحبته نهى الزيني‎، أن يوسف بن تاشفين "حين تزوج زينب النفزاوية قد قارب الستين من عمره دون أن يرزق بولد، ولقد كانت الست زينب مسعودة بحق كما أخبره زوجها السابق ابن عمه أبو بكر بن عمر فقد أنجبت له أول أبنائه وولي عهده المعز بالله".

ويؤكد ذات الكتاب أن زينب النفزاوية، يعود لها الفضل في بناء مدينة مراكش، إذ أمر ابن تاشفين ببنائها "بناء على نصيحتها (...) وكانت خير مرشد ومعين له".

وبحسب كتاب الحضارة الإسلامية في المغرب والأندلس عصر المرابطين والموحدين لصاحبه حسن علي حسن، فإنه:

"لما صارت زينب زوجا ليوسف، استخدمت كل ما تملك في سبيل دعم مكانة زوجها (...) وقد أشارت المراجع إلى النصائح التي أسدتها زينب إلى زوجها يوسف بن تاشفين مع المعونات المادية التي قدمتها له حتى استطاع أن يثبت أقدامه في مقعد الحكم واستطاعت زينب بهذه الوسيلة أن تتمكن من قلب زوجها وتصير لها الكلمة في البلاد".

نصيحة زينب النفزاوية

وبعد أن استتب الأمر لأبي بكر اللمتوني في الصحراء، قرر العودة إلى أغمات، فشعر يوسف بن تاشفين الذي بسط سلطانه على أراضي المغرب الأقصى والأندلس، بخطر فقدانه لملكه.

وجاء في كتاب البيان المغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب  أنه لما وصله خبر  ‎أن "ابن عمه الأمير أبا بكر بن عمر قد أخذ في الرجوع من الصحراء إلى بلاد المغرب فاغتم لذلك غما شديدا وحزن حزنا عظيما وصعب عليه مفارقة الملك بعد أن داق حلاوته ورتب فيه ما رتب من الأجناد والضخامة". فعلمت زينب بما أصاب زوجها وقالت له:  

"أراك مهموما مكروبا من وصول ابن عمك إلى ملكه، الذي ولاك عليه، والله لا ذاق أبو بكر طعمها أبدا، فطب نفسا وقر عينا" فقال لها "إنه...استخلافه إلى من بين كل بنيه ويثق علي في هذه المملكة ولو كان غير ابن عمي لقاتلته" فقالت له "آنا أدلك..الله" فقال "ما ذلك يازينب فإني والله أعرفك ميمونة" ...فقالت "إذا قدم عليك وبعث مقدمات رجاله إليك فلا تخرج إليه ولكن بادره بهدية جميلة...فلا يقاتلك على الدنيا فإن الرجل خير لا يستحل سفك دماء...على أمرك وتفوز بمملكتك إن شاء الله" فقال لها "والله لا خلفتك في أمر تشيرين به أبدا".

ويؤكد كتاب الاستقصا أنه أخد بنصيحة زوجته، واستقبل الأمير أبو بكر في موكب مهيب، وخاطبه هذا الأخير قائلا "اني قد وليتك هذا الأمر وإني مسؤول عنه فاتق الله في المسلمين واعتقني واعتق نفسك من النار ولا تضيع من أمور رعيتك شيئا فانك مسؤول عنه. والله يصلحك ويمدك ويوفقك للعمل الصالح والعدل في رعيتك وهو خليفتي عليك وعليهم، ثم ودعه وانصرف إلى الصحراء فأقام بها مواظبا على مجاهدا في كفار السودان إلى أن استشهد من سهم مسموم أصابه في شعبان سنة ثمانين وأربعمائة".

وجاء في كتاب البيان المغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب  "فكان هذا التدبير برأي زينب النفزاوية زوجته فهي التي جسرته على ذلك كله حتى ملك المغرب أسعد ملك وأتمه نصرا على العدو، ولم يهزم له قط جيش ولا ردت له راية بملك".

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال