القائمة

أخبار

حوار مع ثلاثة مدرسين : بين انتظاراتهم من الحكومة القادمة و خيبة أملهم

في انتظار الحسم في أمر التشكيلة الجديدة التي ستقود الحكومة الجديدة برئاسة عبد الإله بنكيران، يبقى الترقب سيد الموقف لمعرفة من هو وزير التربية و التعليم الجديد، لكن الأمر المؤكد هو أنه سيكون لديه الكثير للقيام به، إذ يجب على الوزير القادم أن يعمل بجد على رفع نسبة التمدرس و محاربة الأمية و الهدر المدرسي و إعادة الثقة للأساتذة الجامعيين ومنحهم الوسائل اللازمة، وقد استضافت يابلادي ثلاثة مدرسين لكي تحاورهم، حوارا خال من لغة الخشب، حول ما ينتظرونه من الوزير الجديد.

نشر
DR
مدة القراءة: 5'

الأساتذة الثلاثة هم : خديجة، مساعدة تربوية في الإعلاميات بكلية العلوم بالجديدة، ربيعة، أستاذة الرياضيات في كلية العلوم بالجديدة وعبد الغني ، أستاذ العلوم الفيزيائية بإحدى الثانويات في بوزنيقة.

يابلادي: ما الذي تتوقعونه من وزير التربية والتعليم الجديد؟

ربيعة :  سأكون صادقة ، لا أتوقع أي شيء من وزارة التربية والتعليم الجديدة!  إنني يائسة لدرجة أنني لا أعتقد أن الأمور سوف تتغير بين عشية وضحاها، فالتعليم في المغرب يتطلب تخطيطا على المدى الطويل للحصول في النهائية على فرق ذات كفاءة عالية، واليوم هناك حاجة ملحة لتجديد هذا القطاع.

خديجة : بادئ ذي بدء، فأنا لا أرى أي فرق بين وضعنا الحالي وما كنا عليه  قبل المخطط الاستعجالي  الذي أطلقه وزير التربية والتعليم السابق.

عبد الغني : لا أتوقع شيئا على الإطلاق وذلك لسبب بسيط هو أن الوزراء ليس لهم دور في المغرب!  إنهم لا يفعلون شيئا!  إذ تمر سنوات ولا يتغير شيء، فسياسة القصر هي المطبقة!  والوزير عندنا يقوم بالمهام الصغيرة فقط مثل التعيينات، فماذا نتوقع منه إذن؟ في حين أنه في المرحلة الانتقالية، في انتظار الحكومة الجديدة، تم تعيين25  سفيرا ! في الوقت الذي يتحدث فيه الكل عن الدراسة كوسيلة اجتماعية، و اليوم، هناك دكاترة في مختلف التخصصات لكنهم عاطلون عن العمل، فماذا تنتظر من تعليم يسير في هذا الاتجاه ؟ كما أن الدولة لم تعد في حاجة لأشخاص متعلمين، فالأساسي بالنسبة لها هو أن يتعلم أبنائها أما نحن، أبناء الشعب، فلا تعيرنا اهتماما، وهي لا تتوقع أي شيء منا،  ونحن، الشعب، لا نتوقع منها أي شيء!.

ما هي التحديات التي تواجهونها في حياتكم اليومية كمدرسين؟

ربيعة: يتجلى أول و أهم مشكل يتعرض له  طلبتي في كونهم لا يتكلمون اللغة الفرنسية، التي يستعملها بعض الأساتذة في دروسهم، فخلال المرحلة الثانوية يتلقى التلاميذ الدروس باللغة العربية و عندما يلجون الجامعات يجدون أنفسهم يعانون من نقص في اللغة الفرنسية لدرجة أن بعض الطلبة يلجؤون للمعاجم لشرح بعض الكلمات التي لم يفهموها خلال المحاضرات.    

خديجة:  من ناحيتي، الشيء الذي يشلني أثناء عملي هو عدم وجود المعدات، فنحن في مجال البحث العلمي على سبيل المثال، لا نتوفر على مختبرات مجهزة بأجهزة كمبيوتر متطورة، و ما يزعجني أيضا هو كيف يتم تنظيم الوحدات، فعلى سبيل المثال، إذا أخفق الطالب في استيفاء وحدة نمطية، فإنه قد لا يحصل على الإجازة بسبب هذه الوحدة التي لم يتم استيفاؤها ، وهذا ما يجعل الطلبة يصابون بالإحباط، فالنظام القديم كان أفضل،فعلى سبيل المثال، كان الطالب الذي يحصل على المعدل ​​العام، يمر إلى الصف التالي ، حتى ولو أنه لم يحصل على المعدل في مادة معينة، ولدي مثلا بعض الطلبة المتفوقين في الكيمياء لكنهم ليسوا كذلك في الرياضيات و هم يحصلون على معدلات ضعيفة في كل مرة بسبب هذه المادة. أخيرا، أود أن أؤكد على أن المدرسين في المغرب لا يتقاضون أجرا يحفزهم على العمل، فالبعض منهم يتقاضون أجرا أقل بكثير مما يربحه التاجر الصغير.

عبد الغني :  أنا أعرف جيدا أن التجهيزات تلعب دورا مهما و لكن عندما  يكون لديك الإيمان، يمكنك أن تفعل أي شيء و أن تتغلب على هذا النقص في التجهيزات، كما أنني أعاني من هذا النقص أيضا في مكان اشتغالي، حتى الطباشير لا يصلح للاستعمال لكن الأسوأ من ذلك هو أن روح التدريس قد اختفت و أصبحت المدرسة مكانا لقضاء أوقات الفراغ بالنسبة للتلاميذ و مصدر رزق للمدرسين، فنحن لم نعد نساوي شيئا !.

ربيعة : الشيء الوحيد الذي أجده غير طبيعي جدا ولا يمس بالضرورة الكليات بل المدارس و الثانويات، هو الساعات الإضافية التي يفرضها بعض الأساتذة على تلاميذهم بعد الدروس العادية،  أنا لا أفهم لماذا لا تعطى هذه الدروس خلال الحصص العادية، وأنا أتساءل ماذا يفعل هذا الأستاذ في حجرة الدرس، إذا كان ملزما بإعطاء ساعات إضافية ؟ ناهيك عن أن الساعات الإضافية مكلفة، والعائلات ينفقن ميزانية ضخمة من أجل الساعات الإضافية لأطفالهم، إذ تتراوح الأسعار بين 50 و 500 درهم لساعة الواحدة، حسب المواد، وهناك بعض المدرسين الذين يفرضون ساعات إضافية على القسم كله ويطالبون التلاميذ من دفع الأجر قبل بدء الدروس.

عبد الغني : إن سبب نجاح الساعات الإضافية راجع في حقيقة الأمر إلى كون المدرسة لم تعد تلبي تطلعات سواء الطلاب أو أولياء أمورهم.

عبد الغني، هل أنت سعيد لكونك ستتقاعد، وما الذي جنيته من وراء 36 سنة من التدريس؟

حقيقة أنني سأتقاعد خلال أيام قليلة، ومن المفروض أن أكون سعيدا إلا أنني لست كذلك، لأنني لازلت في حاجة إلى هذا الاتصال مع التلاميذ و الإحساس بحب تقاسم المعرفة، إنها الثروة الوحيدة لهذه المهنة، ولازلت أحتفظ بعلاقات جيدة مع تلاميذي، فمنهم من نجح في حياته و أصبح مديرا في شركة و منهم من أصبح أستاذا وحتى أطباء، في حين وللأسف، أن البعض منهم لم يحالفه الحظ، فهناك من سجن و منهم من أصبحوا تجار المخدرات، وسواء نجحوا في حياتهم أم لم ينجحوا فهم يكنون لي الاحترام الآن.

كما أقول دائما، للأسف أنني اخترت مهنة التدريس، وأقول للأسف لأنه بعد كل هذه السنوات الستة و الثلاثين، أنا أدرك اليوم أنه كان يجب أن أختار شيئا آخر، فمن ناحية أولى، أنا محبط ، و من الناحية الثانية أنني لم أترك سوى بصيصا من التفاؤل بالنسبة لمستقبل الأطفال، فما الذي فعلناه خلال تلك السنوات الستة و الثلاثين؟ هل نجحنا؟ لا شيء، صراحة لاشيء من ذلك، لقد علمت مئات التلاميذ عاما بعد عام، فأين هي هذه الأجيال اليوم؟ .

 عندما اخترت في البداية طريق التدريس، كنت أعتقد أن المعلم هو مفتاح المشاكل الاجتماعية، لكنني قد أدركت على مر السنين أن المدرس أصبح  من "المرتزقة" دون أن يوصل أية رسائل إلى التلاميذ.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال