القائمة

أخبار

التضامن في عيد الأضحى..قيمة دينية أم عادة اجتماعية؟

مع اقتراب عيد الأضحى، يبدي الكثير من المحسنين المغاربة بالإضافة إلى جمعيات خيرية اهتمامهم بفعل الخير والتضامن مع من هم في حاجة ماسة إلى ذلك، سواء باقتناء أضحية العيد أو التصدق بجزء منه أو التصدق بالمال أو  غير ذلك. فهل يقتصر هذا التضامن على هذه المناسبة لوحدها، وهل له ارتباط بالجانب الديني، أم أنه متأصل في المغاربة ويعود إلى طبيعيتهم؟

نشر
DR
مدة القراءة: 5'

كما هو الحال في كل عيد أضحى ترتدي أحياء وأزقة المدن والبوادي، لباس البهجة والسرور، حيث يحي المغاربة رابطة القرابة والصداقة فيما بينهم، ويتبادلون التهاني والزيارات، وتسود روح التضامن فيما بينهم. ففي المغرب يعتبر عيد الأضحى مناسبة خاصة، ومع اقتراب موعد هذه المناسبة الدينية التي يخصها المغاربة بقدر كبير من الاهتمام، تعمل عدد من جمعيات المجتمع المدني على اقتناء أضاحي العيد وتوزيعها على المحتاجين والفقراء، كما يقوم بذلك العديد من الأفراد، الذي يطمحون لأن تعم فرحة العيد الكل دون استثناء.

وفي اتصال مع موقع يابلادي، أكد أحمد عبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، أن الله أوصى بالتكافل والتضامن في العديد من الآيات القرآنية، وتابع "فعند سماعنا للوهلة الأولى سورة الماعون، "أرأيت الذي يكذب بالدين"، نفكر بكل تأكيد في ذلك الشخص الذي لا يؤمن بالله ولا يصلي ولا يزكي، إلا أنه عند تتمة السورة "فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ، وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ"، نستوعب حينها أن التكذيب بالدين مرتبط بترك التكافل".

وتابع المتحدث نفسه حديثه قائلا، إن "التكافل درجات، إذ يبدأ من الذات أيضا، وإذا حاولنا تجميع النصوص الدينية وترتيبها سنجد أن معظمها تقدم البعد التكافلي عن الأبعاد الأخرى"، ويؤكد عبادي أن التكافل ليس مسألة موسمية، كما يشدد على ضرورة "تأدية هذا الواجب بشكل مستمر" لأنه لا يقتصر على الأعياد والمناسبات فقط.

وتابع مسترسلا، هناك حديث صحيح روته عائشة رضى الله عنها جاء فيه "إنهم ذبحوا شاة، فقال النبي ﷺ: ما بقي منها؟، قالت: ما بقي منها إلا كتفها، قال: بقي كلُّها غير كتفها"، بمعنى أن الذي أُعطي وتصدق به هو الذي يدخر للإنسان ويجده، فيما الأشياء التي تبقى فإن الإنسان يستهلكها ثم بعد ذلك وينتهي كل شيء، وأنهى كلامه قائلا "وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا"، بمعنى آخر من عمل صالحا فثوابه عند الله.

من جهته قال علي الشعباني أستاذ علم الاجتماع، إن "المواطن المغربي بطبيعته يحب مد يد المساعدة للأخر، ونلاحظ تضامنه مع أخيه"، مؤكدا على أن التضامن هو ركيزة أساسية في المجتمع، مشيرا إلى أن "هناك تضامن آلي وهو التضامن التلقائي الذي نراه بين العائلات و الأصدقاء وغيرهم والتضامن العضوي وهو الذي تقوم به الجمعيات من خلال جمع التبرعات والمساعدات للفقراء".

وفي هذا السياق تابع الأستاذ حديثه قائلا، "المجتمع المغربي يعيش هذين التضامنين معا، فمثلا في مناسبة عيد الأضحى نجد هناك تحركات من طرف بعض الجمعيات وأيضا من طرف العائلة وبعضهم في الخفاء، إذ تكون العلاقة بين المحسن والشخص المستقبل فقط".

ومع اقتراب عيد الأضحى، يضيف الشعباني "نلاحظ الاهتمام الذي أصبح يبديه سواء المحسنون أو الجمعيات باقتناء الأضاحي" مشيرا إلى أن مجموعة من الجمعيات تقوم بمبادرات تطوعية، من أجل إدخال الفرحة والسرور إلى قلوب الأطفال وكذا كبار السن، ويكون لهم الفضل في أن يحتفل هؤلاء الأشخاص بهذه المناسبة مثلهم مثل باقي المغاربة.

 ويؤكد الشعباني أن قيم التضامن والتكافل لازالت حية في المجتمع لحد الآن مع أو بدون مناسبة، مشددا على ضرورة تقويتها، "لأنها الركيزة الأساسية التي تقوي العلاقات الاجتماعية بين مختلف الفئات المجتمعية، وهي وسيلة من بين الوسائل التي تقلص الفوارق الاجتماعية التي هي ليست فقط مسؤولية الدولة، بل هي مسؤولية المجتمع بأكمله".

وفي جوابه عن التغيرات التي يعيشها المجتمع مؤخرا وتأثيراتها، قال الشعباني، إنه "بالرغم من هاته التغيرات إلا أن التضامن العضوي المنظم تقوى أكثر فأكثر، بل أكثر من ذلك فقد أعطى نوعا جديدا من التضامن" الذي يساعد على تقوية العلاقات الاجتماعية.

وبالنسبة للباحث الاجتماعي المغربي شكيب جسوس، فإن قيم التضامن لها مجوعة من المظاهر، "فحتى عندما تذبح الأسرة خروفًا وتصدق جزءًا منه للأقارب، فذلك بمثابة تضامن".

ويؤكد المتحدث نفسه لموقع يابلادي أن هذه الظاهرة ليست جديدة، "لقد كانت موجودة دائما على الرغم من أنه في يومنا الحالي أصبحت مجموعة من الجمعيات هي التي تتكفل بهذا الموضوع. إن التضحية هذه الأيام لم تعد لها علاقة بتضحية النبي إبراهيم بابنه إسماعيل، بل أصبحت طريقة خاصة لإظهار التضامن في المجتمع".

إلا أن جسوس يرى أن "في السابق، كانت الأغنام غير مكلفة عكس اليوم، حيث أن الشخص الذي لا يتجاوز راتبه الحد الأدنى للأجور يجد صعوبة في شراء أضحية العيد ويجد نفسه مجبرا على الاقتراض، ما يعني أنه عندما يواجه الشخص صعوبة في اقتناء أضحية لنفسه فبطبيعة الحال لا يمكنه التصدق بجزء منه، وهو ما يؤثر على قيم التضامن".

ويضيف أن الأسرة المغربية أصبحت تتقلص بشكل ملحوظ عن السابق وهو ما أحدث أيضا نوعا من التأثير على هذه القيم، فيما أن "بعض الأشخاص أصبحوا يفضلون التصدق بالمال بدلا من شراء خروف، لكن تبقى قليلة مقارنة مع ما كان يتصدق به سابقا".

وبالرغم من أن جسوس يرى أن "الرغبة في التضامن ما زالت قائما"، إلا أن هذه الظاهرة أصبحت بحسبه تتضاءل شيئا فشيئا، لاعتبارات كثيرة منها ما هو مرتبط بالتحضر أو بالعوامل الاقتصادية.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال