القائمة

أرشيف

هل تغير لباس المرأة المغربية بين الماضي والحاضر؟

في وقتنا الحالي، تتعرض الكثير من السيدات والفتيات لانتقادات بسبب طريقة لباسهن، وتتم مقارنة لباسهن بلباس أسلافهن اللائي يرى البعض أنهن كن أكثر حشمة ووقارا وتحفظا من الجيل الحالي، فهل فعلا حدث تغيير في طريقة لباس المرأة المغربية؟

نشر
DR
مدة القراءة: 4'

كثير ما يناقش رواد مواقع التواصل الاجتماعي ويقارنون بين طريقة لباس النساء المغربيات قديما بالوقت الحالي، ومنهم من يحن إلى الماضي ويشارك صورا قديمة لنساء مغربيات وهن ترتدين لباس"الحايك" وهو زي تقليدي مغربي لأنه يرى فيه رمزا للحشمة والوقار، ومنهم من ينشر صورا لنساء مغربيات في زمن الستينات والسبعينات تلبسن تنانير قصيرة ولباس سباحة. فهل فعلا كانت النساء المغربيات أكثر تحفظا في الماضي أم العكس؟

حاول موقع يابلادي الإجابة عن هذه السؤال، من خلال الاتصال ببعض المؤرخين الذين أكدوا عكس ما يعتقده غالبية المغاربة، حيث لم تكن النساء المغربيات سابقا تهتمن لا بشكل ولا طول اللباس أو ما إذا كان محتشما أم لا، بل كن يبحثن عن اللباس الذي يعبر عن هويتهن وأصولهن أكثر من أي شيء.

يقول محمد لطيف، وهو أستاذ التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، بجامعة ابن زهر في أكادير، في تصريح ليابلادي إن لباس المرأة سابقا كان يعتمد على المنطقة التي تنحذر منها، وأضاف "في المغرب وتحديدا خلال العصور الوسطى، كانت المرأة القروية تقوم بالعديد من الأنشطة خارج بيتها وهو ما ساهم في طريقة لبسها".

بالنسبة للنساء القرويات، لم يكن اللباس يشكل لهن أي عائق، لأن طريقة لباسهن كانت تعكس نمط حياتهن وتعبر أيضا عن هويتهن، حسب المتحدث نفسه.

أما بالنسبة للمرأة في المناطق الحضرية، فقد كان الأمر مختلفا خاصةً في عهد الأسرة المرينية، ويؤكد المؤرخ لطيف، أن "ما كانت ترتديه النساء في عهد المرابطين والموحدين لم يكن يشكل أي عائق لهن  (...) يمكنني أن أؤكد أن النساء كن أكثر انفتاحًا خلال تلك الفترة"، إلا أنه مع صعود المرينيين، بدأ الدين يلعب دورا رئيسيا في تحديد ما ينبغي وما لا ينبغي للمرأة المغربية أن تضعه على جسدها".

هذا التحول اقترن بصعود المرينيين إلى الحكم، فخلال القرن الرابع عشر للميلاد، "كان الفقهاء يجبرون النساء على الالتزام بقواعد معينة" وقال لطيف إنه خلال هذه الفترة "كان يتم منع بعض النساء المغربيات من التواصل مع الأندلسيين، الذين كانوا أكثر انفتاحًا وحرية فيما يتعلق باللباس".

وبحسبه فقد كان يتواجد بمدينة فاس فقيه وقاض مالكي معروف يدعى أبو الحسن الصغير، كان يدرس بجامع الاجدع، عرف بصرامته فيما يتعلق بلباس المرأة "وكان يعاقب النساء اللواتي تؤتدين لباسا غير محتشم وذلك بتوسيخ لباسهن".

ويشير المتحدث ذاته، إلى أنه كانت بداية ربط ملابس النساء بالدين في هذه الفترة واستمرت إلى غاية يومنا الحالي، كما عاتب لطيف رجال الدين خلال تلك الفترة على ترسيخهم هذه الفكرة في عقول المغاربة، خاصة الرجال "كانوا يحكمون على لباس المرأة من الجانب الديني، فكان الصواب بالنسبة لهم أن تتحجب النساء".

بدوره أكد المؤرخ أحمد مالك في تصريح لموقع يابلادي أن هذه القيود ظلت مستمرة حتى في أواسط القرن العشرين، فخلال الخمسينيات من القرن الماضي، لم يكن لبعض النساء المغربيات الحق في الخروج أو المشاركة في بعض الأنشطة، وكان يطلق عليهن اسم "الحاجبات".

وتابع المؤرخ حديثه قائلا "كانت النساء اللواتي تدرسن أو تعملن، تجبرن على ارتداء جلباب أو الزي التقليدي الحايك" الذي يشبه النقاب، وهو عبارة عن قطعة من القماش يخفي أنفهن وفمهن ويظهر فقط عيونهن"، وأضاف الأستاذ الجامعي "لكن في مرحلة ما، بدأن يتخلين عن هذا الثوب وانتقلن إلى ملابس غربية وأكثر حداثة"، وقوبل الأمر بانتقادات لاذعة.

ويقول عالم الاجتماع، محمد المتصدق ليابلادي، إنه خلال فترة الاستعمار الفرنسي، تأثرت النساء المغربيات بلباس الفرنسيات وبدأن يرتدين هن الاخريات تنانير وسراويل وغيرها من الأزياء العصرية والغربية، "بالرغم من أنه خلال فترة الستينات و السبعينات أصبح الذكور والاناث يدرسن معا في نفس القسم، إلا أن الذكور لم يحكموا على النساء من خلال لباسهن، ولم يعطوا للموضوع أية أهمية".

تعايش الرجال والنساء فيما بينهم خاصة أولئك الذين ينحدرون من الطبقة الوسطى والغنية"، بل حتى النساء اللائي كن ينحدرن من الأحياء الشعبية كن يحاولن تقليد النساء الغربيات في لباسهن، وقال "وسط أحيائهن وأسرتهن كن يتقيدن بالتقاليد والقوانين التي تفرض عليهن، لكن الامر يتغير عندما يذهبن لأماكن أخرى بعيدة عن المكان الذي يقطن به، حيث كن يقمن بتغيير جلابيبهن بلباس عصري".

وتغير الأمر وأصبحت النساء أكثر تحفظا في بداية الثمانينيات، عندما طرأت بعد الإصلاحات، خصوصا "عندما تم إصلاح النظام التعليمي، تغير الوضع" في إشارة من عالم الاجتماع إلى "التعريب" الذي تم اعتماده بحلول نهاية ذلك العقد، وأوضح المتصدق أن "الإصلاح جاء بأفكار غريبة على مجتمعنا وحتى الدراسات الإسلامية بدأت تركز أكثر على لباس المرأة".

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال