القائمة

أرشيف

تاريخ : عندما اختلف علماء المغرب في تحليل وتحريم شرب الشاي

في بدايات القرن العشرين كان النقاش في المغرب محتدما حول مشروب "آتاي" هل هو حلال أم حرام، وأفتى بعض رجال الذين بأنه حرام فيما خالفهم آخرون، ومع مرور الزمن أصبح هذا المشروب يرمز للتقاليد المغربية.

نشر
DR
مدة القراءة: 3'

لا يكاد يخلو بيت مغربي من تواجد الشاي، وأصبح هذا المشروب تقليدا مغربيا أساسيا، يحضر في الاجتماعات العائلية وفي المناسبات، وتختلف طريقة تحضيره بين منطقة وأخرى.

لكن الأمر لم يكن في الماضي كما هو اليوم، فإلى حدود العقود الأولى من القرن العشرين، كان هذا المشروب غير معروف كثيرا، كما أنه شكل قبل ذلك موضوعا اختلف فيه علماء الدين بين من رأى أنه حرام، وبين من رأى أنه حلال.

ويشير كتاب "من الشاي إلى أتاي.. العادة والتاريخ"، للباحثين المغربيين عبد الأحد السبتي وعبد الرحمن الخصاصي، إلى أن المغاربة تعرفوا على الشاي عن طريق الانجليز في عهد السلطان مولاي إسماعيل، إذ كان يستخدم في البداية كدواء، قبل أن يستخدم كمشروب، وظل حكرا على علية القوم.

مشروب الشاي حرام

وكما هو الشأن بالنسبة لكل أمر جديد على المجتمع، استأثر مشروب الشاي أو "الأتاي" كما كان ولا زال يسمى في المغرب باهتمام رجال الدين، وسارع بعضهم إلى تحريمه.

فقد جاء في كتاب "من الشاي إلى الأتاي .. العادة والتاريخ" أن رجل الدين  أحمد حامد بن محمد قال في إحدى فتاويه إنه نادم على شرب الشاي وأنه حرام وأضاف "ولأني كنت من أهله جدا، وشربته على كل وصف، وشربته مع الأرذال والسفهاء، وما جاز على المثل يجوز على مماثله".

ووصف الشاي بأنه "من باب الهوى والنفس والشيطان"، وأضاف "أرجو من الله أن يهدي كل من رأى كتابي هذا على ترك الأتاي، لأن تركه فيه خلاف النفس والهوى والشيطان، والبعد من المعاصي، وصون المال وراحة النفس".

وعن أسباب تحريمه قال "منها أنه يؤدي لهلاك النفس، ولمرض الجسم، وللصداع الشديد، ومنها أنه يؤدي لضياع المال...، وضياع المال حرام، وما يؤدي إلى الحرام حرام".

وأضاف أن من بين أسباب تحريمه أيضا هو اشتغال الناس "به أول النهار عن إيصال الحيوان إلى المرعى، وذلك يؤدي إلى ضياعه مع أنه أي الأتاي، لا يسمن ولا يغني من جوع. ومنها أنهم يشتغلون به أيضا عن أبناء البقر والغنم في الخريف، فيرضع كل أنه، وذلك يؤدي إلى ضياع المال ويؤدي لضياع النفس. ومنها أنهم يشتغلون به عن الصلاة حتى يفوت وقتها المختار".

مشروب الشاي حلال

واستمر الجدل حول هذا المشروب الذي انتقل من القصور إلى عامة الشعب، بين من يراه حلالا وبين من يحرمه، وكان محمد حبيب الله بن مايابي الجكني من بين العلماء الذين أفتوا في الموضوع سنة 1931 وقال إن شربه ليس حراما وأضاف "يتضح أن الهيئة لا تكون علة في تحريمه. فثبت عدم تحريمه بمقدمتين قطعيتين، وهما أتاي يشرب على هيئة مخصوصة مع عدم الإسكار قطعاً عملا بالمشاهدة (..) فإن قيل إنه يضيع المال وكل ما فيه إضاعة المال حرام للسفه".

ورد على القائلين بأنه حرام لأنه يهدر المال بالقول "بذل المال في أتاي لمجرد الإشتهاء مختلف فيه قطعا وكل مختلف فيه لا إثم فيه. بذل المال في أتاي لمجرد الاشتهاء لا إثم فيه وكل ما لا إثم فيه، فهو غير حرام. بذل المال في أتاي لمجرد الإشتهاء غير حرام بحسب انفصال النتيجتين واتصالهما".

وفضل بعض رجال الدين اتخاذ موقف وسط ومن بينهم الشيخ محمد بن المؤيد بن سيدي الذي أورد في فتواه الصادرة سنة 1925 "الرأي عندي السكوت عن الخوض في ثلاث مسائل الضاد والظاء، وحكم أمانيج، وحكم الأتاي، لأن بن عباد نص في رسائله أنه لايجوز لأحد أن يقول بتحريم شيء ولا تحليله إلا إذا قطع بذلك. أنت تعلم أنه لا يقطع شيء إلا إذا كان في آية محكمة أو سنة متواترة أو إجماع".

ومع مرور السنوات بدأ الشاي يجد طريقه إلى أغلب بيوت المغاربة، وأصبح يلازم جلساتهم وحفلاتهم، بل وأصبح رمزا يحيل إلى العادات والتقاليد المغربية.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال