القائمة

أخبار

تاريخ: عندما كان السلاطين والرعية يتبادلون الاتهامات بالمسؤولية عن انتشار الأوبئة والكوارث

عندما كانت الأوبئة والكوارث تضرب المغرب قديما، كان الحكام يرجعون الأمر إلى فساد الرعية وزيغها عن الطريق، فيما كانت عامة الشعب ترجع الأمر إلى ظلم الحكام وعدم تطبيقهم لشريعة الخالق.

نشر
DR
مدة القراءة: 4'

على غرار العديد من الدول الإسلامية، دخل المغرب منذ نهاية القرن الرابع عشر، في مرحلة التراجع الحضاري والعلمي، وانتشر الفكر الخرافي مقابل تراجع الفكر العلمي العقلاني، وبدأ الفقهاء الذين أصبحت لهم مكانة كبيرة في المجتمع يجترون ما أنتجه "السلف الصالح" دون أي اجتهاد.

وخلال القرون التي تلت هاته الفترة اجتاحت المغرب العديد من الكوارث الطبيعية والأوبئة، وكان المخزن يقف عاجزا أمام مواجهتها، ما جعل البعض يرجعها إلى عصيان الحكام لأوامر الله، أو لانتشار المعاصي بين السكان.

وفي ظل العجز عن التغلب على الأوبئة التي كانت تضرب بين الفينة والأخرى البلاد كالطاعون أو الجذري..، وكذا أمام حدة الكوارث الطبيعية من فيضانات أو جفاف، كان المغاربة يلجأون لتفسيرات مرتبطة بالدين، ويحاولون البحث عن الخلاص من خلال القيام بطقوس وعادات متوارثة، يعتقد أن بعضها يعود لعهود ما قبل الإسلام.

وبحسب ما ورد في كتاب "تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب" لمحمد الأمين البزاز، فإن المغاربة كانوا ينزعون عن الكوارث التي تضرب البلاد صفتها الطبيعية ويجعلون منها "ظاهرة غيبية، فقحط الموسم الفلاحي وتسلط الجراد، وانتشار الجوع الذي يسوق الناس بالجملة إلى القبر، كل هذا يبرز في مخيلة المعاصرين بصورة عقاب من السماء نزل بسبب خطايا مجهولة".

ويشير هذا التفسير إلى أن الكوارث لا تأتي من فراغ، وإنما هي مرتبطة ارتباطا وثيقا بأعمال الناس، وأنها مجرد عقاب للإنسان على شروره وخروجه عن الطريق السوي والسنة المحمدية.

وبينما كان يذهب عامة الناس في الغالب إلى إلصاق تهمة إتيان المعاصي بالحكام وبأنهم سبب البلاء، كان السلاطين يلصقونها بعامة الشعب، ويتحدثون عن زيغ الرعية عن الطريق الصواب.

تهم متبادلة بين السلطان والرعية

ويشير كتاب محمد الأمين البزاز إلى أن السلطان مولاي سليمان ( 1760 - 1822) ربط في المرسوم الذي ألغى به المواسم، بين انتشار المناكر ونزول المصائب، وجاء فيه "إن البدع والمناكر إذا فشت في قوم أحاط بهم سوء كسبهم، وأظلم بيهم وبين ربهم، وانقطعت عنهم الرحمات، ووقعت العلات، وشحت السماء، وسبحت النقماء، وغيض الماء، واستولت الأعداء، وانتشر الداء، وجفت الضروع، ونقصت بركة الزروع، لأن سوء الأدب مع الله يفتح أبواب الشدائد ويسد طريق المنافذ".

نفس المصدر أورد أنه جاء في رسالة لمولاي عبد الرحمان (1789 - 1859) : "ومع شيوع هذه الحوادث الفظيعة والبدع الشنيعة فلا غرابة حبس الأمطار وارتفاع الأسعار واستيلاء العدو الكافر على كثير من الأقطار". كما جاء في رسالة من مولاي الحسن (1836 -1894) إلى القائد محمد بن حم التمسماني في 9 يونيو 1883 "وما سلط الله القحط على قوم إلا لتمردهم".

بالمقابل كان السكان يوجهون التهمة إلى السلاطين بسبب فسادههم وخروجهم عن الطريق، فمن بين أسباب اجتياح الأوبئة للبلاد بحسب ما جاء في كتاب "الاغتباط بتراجم أعلام الرباط" لمحمد بن مصطفى بوجندار، فرض الحكام لضرائب غير شرعية، وتحدث المؤلف ذاته عن إسقاط مولاي الحسن للمكس، وقال إنه في اليوم الذي قرئ فيه خطاب السلطان وأزيل المكس نزل مطر غزير وأضاف "والحمد لله ببركة طهارة الله لعباده من نجاسة المكوس بعدما كان الناس في وقفة عظيمة من قلة الأمطار".

كما أن السكان كانوا يقومون بعزل الأمغار (قائد القبيلة) من منصبه إذا أصيبت القبيلة بمصائب خلال مدة ولايته. وما زاد من رسوخ هذه الأفكار عند عامة الشعب هو التدخل الأوروبي في البلاد خلال منتصف القرن التاسع عشر، حيث ألقى المغاربة المسؤولية في الأوبئة والكوارث التي تضرب البلاد على عاتق الحكام "بسبب تعاملهم مع النصارى". وفي هذا الاتجاه دعا محمد بن جعفر الكتاني (1857 – 1927) إلى "قطع جميع العلائق مع المسيحيين وحملهم مسؤولية المصائب التي ألمت بالبلاد".

ونجد مثالا أيضا في توجيه التهمة إلى السلاطين في بيعة أهل فاس للمولى عبد الله بن إسماعيل (1694 - 1757)، إذ جاء فيها "إن الله جعل الجور هلاكا للحرث والماشية والبلاد".

وبين هذا وذاك، كان المغاربة يؤمنون بأنه لا يمكن حدوث انفراج في الأزمة إلا بإرضاء الرب الغاضب. لهذا كانوا خلال الكوارث الطبيعية يجتمعون في المساجد والأضرحة للاستغفار والابتهال، والتضرع لله بطلب اللطف بخلقه.

 وينقل كتاب "تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب" عن نائب قنصل فرنسا بالرباط قوله عند جفاف 1850 إن قاضي المدينة كان يخرج في كل يوم ليقود الجموع وهو حافي القدمين، والقرآن على رأسه، متوسلا أولياء المدينة ليتشفعوا لدى العلي القدير لينزل المطر".

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال