القائمة

أخبار

عندما احتل العثمانيون مدينة فاس ونصبوا سلطانا تابعا لهم

في سنة 1554 احتل العثمانيون مدينة فاس، في محاولة منهم لتوسيع إمبراطورتيهم التي ضمت كامل شمال إفريقيا باستثناء المغرب الأقصى، لكن مقامهم بفاس لم يدم طويلا، إذ تمكن السعديون من استعادة المدينة.  

نشر
DR
مدة القراءة: 4'

بعد استيلاء العثمانيين على مصر سنة 1517 والجزائر سنة 1515، وتونس سنة 1574، بدأوا يخططون لإكمال السيطرة على جميع مناطق شمال إفريقيا وغزو المغرب الأقصى الذي بقي عصيا عليهم.

لكن أطماعهم قوبلت بالرفض من قبل السلطان السعدي أبو عبد الله محمد الشيخ، الذي غزا مدينة فاس سنة 1550، وطرد منها بني وطاس الذين قبلوا التبعية الاسمية للعثمانيين وخطبوا باسم السلطان العثماني سليمان القانوني فوق منابر المساجد.

وكان محمد الشيخ يطمح لإبعاد العثمانيين ليس فقط عن المغرب وإنما عن المغرب الأوسط (الجزائر)، حيث يشير محمد علي داهش في كتابه "الدولة العثمانية والمغرب: إشكالية الصراع والتحالف"، أن الشيخ أبدى "فور انتصاره نيته غزو الجزائر، حيث القاعدة الكبرى للأتراك". و"كان يعز عليه استيلاء الترك على المغرب الأوسط (الجزائر) مع أنهم أجانب من هذا الإقليم ودخلاء فيه، فيقبح بأهله وملوكه أن يتركوا الترك يغلبون على بلادهم، لا سيما وقد فر إليهم عدو من أعدائه وهو أبو حسون الوطاسي، فرأى الشيخ من الرأي وإظهار القوة في الحرب أن يبدأهم قبل أن يبدؤوه فنهض من فاس قاصدا تلمسان وحاصرها بحشوده تسعة أشهر وقتل في محاصرتها ولده الحران".

ويضيف نفس الكاتب أن الشيخ استولى على "تلمسان ودخلها يوم الاثنين 23 من جمادى الأولى سنة 957 للهجرة، ونفي الترك عنها، وانتشر حكمه في أعمالها إلى وادي شلف، واتسعت خطة مملكته بالمغرب، ودانت له البلاد". 

وأمام هذا الوضع حاول العثمانيون إقناع السلطان السعدي بالاعتراف بسيادتهم العثمانية على البلاد بطرق دبلوماسية.

وفي كتابه "تاريخ المغرب العربي في العصر الإسلامي" (مطبعة جامعة كامبريدج، 1987)، ذكر جميل أبو النصر أنه في يناير 1552، أرسل العثمانيون رسالة إلى محمد الشيخ "تشير إلى أن الحكومة العثمانية لا تزال تأمل في أن تتمكن من إقناع سلطان السعديين بالاعتراف بسلطة السلطان العثماني بطرق دبلوماسية".

لم يهتم السعديون كثيرا برسالة العثمانيين ولم يبدوا أي اهتمام بالتعاون مع الأتراك، وبعد ذلك حاول العثمانيون إخضاع المغرب بالقوة، وقام صلاح ريس الذي تولى منصب حاكم الجزائر في عام 1552 بتسيير جيش كبير نحو فاس.

وذكر الكاتب أحمد توفيق المدني، في كتابه "حرب الثلاثمائة سنة بين الجزائر وإسبانيا (1492-1792)" أن ريس صالح دخل مدينة فاس في 8 يناير 1554 الموافق لـ 3 صفر 961هـ ونصب بها السلطان أبا حسون (آخر سلاطين الوطاسيين)، تحت حماية ورعاية الدولة العثمانية".

وكان أبو حسون قد نجا من الأسر بعد دخول محمد الشيخ مدينة فاس، واتصل بالاسبان والبرتغاليين لمساعدته في العودة إلى الملك، لكنه وقع بعد ذلك في قبضة الجيش التركي بعرض المتوسط.  وأقنع أبو حسون الأتراك بمساعدته ونصبوه سلطانا تابعا لهم بعد تمكنهم من دخول مدينة فاس.

إلا أنه وبحسب الكاتب أحمد توفيق المدني فحكمه لم يدم طويلا، فما كاد صالح ريس يرجع إل الجزائر "حتى جمع الشريف السعدي جيشا كبيرا وهاجم فاس والتقى في معركة قاسية مع أبو حسون، الذي قتل أثناء المعركة ودخل الشريف فاس من جديد".

من جهته قال الكاتب أبو النصر، أن السلطان السعدي استعاد مدينة فاس وبدأ يستعد للانتقام حيث "دخل الشيخ في مفاوضات" مع إسبانيا، التي خططت لطرد العثمانيين من المغرب الكبير.

ورغم ذلك لم تتوقف أطماع العثمانيين في المغرب ففي يونيو 1557، أرسلوا سفيراً إلى المغرب لمقابلة السلطان السعدي، وطالبه الأتراك "بضرورة الصلاة وضرب العملات المعدنية باسم السلطان العثماني".

ويشير كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، لأحمد بن خالد الناصري إلى أن السلطان محمد الشيخ قرأ "كتاب السلطان سليمان ووجد فيه أنه يدعو له على منابر المغرب ويكتب اسمه على سكته كما كان بنو وطاس. حمى أنفه وأبرق وأرعد وأحضر الرسول وأزعجه فطلب منه الجواب، فقال: لا جواب لك عندي حتى أكون بمصر إن شاء الله وحينئذ أكتب لسلطان القوارب فخرج الرسول من عنده مذعورا يلتفت وراءه إلى أن وصل إلى سلطانه".

وفكر العثمانيون في التخلص من السلطان السعدي فكلفوا جماعة من الأتراك للقيام بهذه المهمة، وورد في الاستقصا أن "هؤلاء الأتراك خرجوا من الجزائر إلى مراكش مظهرين أنهم فروا من سلطانهم ورغبوا في خدمة الشيخ والاستيجار به، (...) واستمر الحال إلى أن أمكنتهم فيه الفرصة وهو في بعض حركاته بجبل درن بموضع يقال له آكلكال بظاهر تارودانت فولجوا عليه خباءه ليلا على حين غفلة من العسس فضربوا عنقه بشاقور".

ورغم ذلك لم يظفر العثمانيون بحكم المغرب فقد نجح الشريف عبد الله الغالب، نجل الشريف المقتول وخليفته، في الانتصار على قوات تركية حاولت غزو عاصمته فاس في معركة "وادي اللبن" سنة 1558، وواصل سياسة والده المرتكزة على رفض السماح بأي تسربات عثمانية نحو بلاده. 

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال