القائمة

أخبار

دياسبو #162: الأكاديمي المغربي هشام العايدي.. بين الفن والسياسة

فاز الأكاديمي المغربي هشام العايدي الذي يعمل أستاذا بجامعة كولومبيا بالولايات المتحدة الأمريكية، بالعديد من الجوائز على مؤلفاته، التي ناقش في بعضها علاقة الفن بالسياسة.

نشر
هشام العايدي
مدة القراءة: 7'

لم يكن يخطر على الأستاذ الجامعي المغربي هشام العايدي المولود في مدينة طنجة أن يهاجر إلى الخارج خلال سنوات دراسته في المغرب، لكن اجتيازه لامتحان في اللغة الإنجليزية بعد بلوغه سن الخامسة عشرة، سيغير مسار حياته، حيث حصل على منحة تعليمية لولوج ثانوية أمريكية، وانتقل ليستقر في ولاية نيومكسيكو التي حصل بها على الثانوية العامة.

بعد ذلك انتقل لمتابعة دراسته العليا في جامعة تقع بالقرب من فيلادلفيا، وفي حديثه لموقع يابلادي تذكر أيامه الأولى هناك وقال "لم تكن أوائل التسعينيات بالأيام السهلة، لا جالية مغربية بالجوار، لا انترنت، لا فيسبوك ولا وتساب حينها، لم تكن إلا تلك المكالمة الشهرية لأهلي في المغرب البعيد". 

أغاني الراي والملحون في إذاعة أمريكية

ولم يكن باستطاعة هشام العايدي العمل خارج الجامعة آنذاك لذلك عمل في الإذاعة الجامعية كمذيع موسيقي، "كان ذلك العمل الأول لي في الموسيقي، لم يكن هناك أحد قد سمع بموسيقي الراي أو الملحون في امريكا،  لذلك كان علي أن أبث  اغاني شقارة وسامي المغربي من اذاعة بنسلفانيا للمستمعين الأمريكيين، أعتقد أنها كانت المرة الأولى التي  تبث فيها  موسيقى مغربية من إذاعة أمريكية".

وبخصوص مساره الجامعي، فقد درس النظرية السياسية والاقتصاد، وتطرق في بحث التخرج للاستشراق في المغرب، وتحديدا كيف كانت طنجة مكتبة للمستشرقين الأمريكيين  ابتداء من مارك توين إلى باول بولز. 

"نشر جزء من بحثي للتخرج قبل بضعة أشهر، حيث أروي حديثي مع الأستاذ إدوارد سعيد حول كيف مسخ الكتاب المستشرقون - الفرنسيون والإسبان والأمريكيون - صورة مدينة طنجة بالخصوص والمغرب بالعموم".

فيما حضر شهادة الدكتوراه في جامعة كولومبيا بمدينة نيويورك، في تخصص الاقتصاد السياسي، ودرس فيها العلاقة بين الحكم والتنمية الاقتصادية، وبالتحديد كيف يرتبط الفقر بالقمع، ولماذا يعاني الناس الفقراء في بلدان فقيرة - فوق معاناة العوز - من انعدام الحقوق الأساسية؟.

أول مقال لهشام عايدي نشره عام 1991 - ضد الحرب الأمريكية في العراق

"كان حماسي واضحاً حين قدمت إلى جامعة كولومبيا سنة 1993، حظيت بأساتذة عظماء، المفكر الماركسي مانين مارابلو، ناقد الجاز روبن كيلي، المنظر السياسي اليوغندي محمود ممداني، المفكرة ليسا اندرسون، لكن الذي شد ذهني منذ خمسة وعشرين عاماً في الحرم الجامعي كان ادوارد سعيد، ولاعب الجاز والموسيقي العظيم راندي ويستون، المعلم ويستون الذي عاش في طنجة ستينيات القرن الماضي وكان منظماً كبيراً لموسيقى الغناوة، وكان يحب التصوف، بيته في بروكلين غدا بيتي حيث كنا نحتفل بالعيد سوياً، نغني القناوة، نأكل الكسكس، ولطالما رحب بي في بيته بحفاوة كبيرة، البيت الذي بين جدرانه قابلت الكثير من مشاهير الجاز والكثير من الساسة الأمريكيين".

هشام العايدي

حرب العراق ومغادرة الأمم المتحدة

وأثناء تحضيره الدكتوراه، أصبح صحفيا ومحللا سياسيا يغطي أخبار الأقليات في نيويورك ، حيث عمل مراسلا لمجلة من هارفارد تسمى أفريكانا.

ويشير في حديثه لموقع يابلادي أنه كان "متمركزًا في هارلم، الحي النابض بالحياة، حيث كانت تقيم الكثير من  الحركات السياسية القوية، أتذكر أنني كتبت عن زيارة فيدل كاسترو عام 2000 لهارلم، ومن ثم زيارة روبرت موغابي، ولاحقاً جيري راولنغ حاكم غانا، الكثير من القادة الأفارقة زاروا مساجد وكنائس هارلم، الحقيقة هي الحياة الروحية والفنية في هارلم والأحياء الشعبية رائعة للغاية، هارلم التي يجلس في طرفيها اليوم زاويتان للطريقة التيجانية".

هشام العايدي في مقابلة مع ملحن جاز الشهير كوينسي جونز في نيويورك

وأضاف "فلنقل إن مهنتي الأساسية كانت باحث في الاقتصاد السياسي والحقوق، بينما هوايتي الحقيقية هي الكتابة عن الموسيقى والسياسة المختلطة بكرة القدم".

وبعد نيله شهادة الدكتوراه سنة 2002، بدأ العمل في الأمم المتحدة ككاتب للخطابات التي تخص شؤون الدول النامية.

"أثناء حرب العراق في 2003، عندما كان الوضع السياسي متشنجا وعالي الاستقطاب، كتبت خطاباً للأمم المتحدة لتقدمه مديرتي في واشنطن، رفض الخطاب من الفاعلين السياسيين في واشنطن، أتذكر بالفعل كيف منعت إدارة بوش نشر تقرير التنمية الإنسانية في الدول العربية، ولذا تركت الأمم المتحدة كي أحاضر سنة في جامعة ميريلاند، لتتاح لي فرصة استكشاف العاصمة الأمريكية والجالية المغربية والسودانية الكبيرة التي تقيم في ضواحيها".

هشام العايدي 

مؤلفات وجوائز

ولأنه لكل مجتهد نصيب، فقد فاز هشام العايدي بالعديد من الجوائز على مؤلفاته، وكانت أولى الجوائز التي منحت له اعترافا بمساهماته العلمية، سنة 1997 من منظمة فورد لأقدم بحث يدرس علاقة اليسار العربي باليسار في أمريكا اللاتينية.

وكان العايدي قد توجه إلى العاصمة المصرية القاهرة من أجل القيام بهذا البحث، وأوضح أنه "جلس مع قدامى اليساريين مثل جلال أمين وجمال البنا، لسوء الحظ، لم أتمكن من لقاء نجيب محفوظ. لكنني زرت مقهاه مرات عديدة، وذاكرتي مع القاهرة ذاكرة جميلة بالفعل، ومن هناك انطلقت إلى المكسيك ومن ثم البرازيل لأقابل اليساريين".

هشام العايدي مع راندي ويستون - موسيقي الجاز الذي حصل على وسام ملكي في عام 2011

ونشر هذا البحث في كتاب سنة 2009 تحت عنوان "اعادة تشكيل الدولة"، وكان كتاباً عن عملية الخصخصة والحركات العمالية.

وفاز بالجائزة الثانية سنة 2008، عن عمل قدمه عن الاسلام في الغيتو الأمريكي، بالتحديد فكرة قدرة المؤسسات الاسلامية على توفير الاستقرار في الأحياء الفقيرة.

وفي سنة 2014، ألف كتاباً عن الموسيقى و الهيمنة الأمريكية، ناقش فيه كيفية استخدام الحركات الاجتماعية الفن كوسيلة للاعتراض على التدخلات الأمريكية، واعتبر الكتاب الأفضل في أمريكا سنة 2015 وفاز بجائزة الكتاب الأمريكي لتلك السنة.

وكتب العايدي أيضا عن موسيقى الهيب هوب مستعرضاً كيف ألهمت المتظاهرين والمحتجين في جهات العالم، وخلال هذه السنة نال جائزة منظمة سوروس على عمله عن الربيع العربي والثورة السودانية وكيف شكلت أو حورت شكل الهجرة إلى الولايات المتحدة. 

 سفير للثقافة المغربية

ويؤكد هشام العايدي أن "الأهم من كل الجوائز هو العمل الذي ننجزه في المغرب، حيث أزور البلد ثلاث إلى أربع مرات في السنة الواحدة، آخذ أساتذة أمريكيين لينجزوا أبحاثهم عن المغرب، وأحياناً أٌغادر نيويورك الثلاثاء لأشهد مهرجان الصويرة وأعود على طائرة الأحد لأدرس طلابي في كولومبيا.

وتابع "نطور حالياً أو نحاول أن نطور دراسة العلاقات الدولية في المغرب، و نترجم أعمال الشباب المغاربة إلى اللغة الإنجليزية. أرى شخصياً الكثير من الجوع المعرفي والفضول للتعلم كلما عدت وجلست مع الطلاب المغاربة".

وأَضاف "عشت ودرست في مناطق عديدة من العالم، من كوبا إلى السنغال إلى إسبانيا، لكنني لازلت ابن المغرب في كل حين، لعشرين عاما نظمت وسوقت والثقافة المغربية في نيويورك، نظمت ليال أندلسية في المتاحف والجامعات".

"أنا طفل من طنجة، كبرت على اغاني الشقارة وصوت الإذاعة الإسبانية ومباريات كرة القدم على شاشات المقاهي العتيقة، حيث الشواطئ الجميلة واللغات الكثيرة، عائلتي لا زالت تملك مطعماً في المدينة القديمة ، مطعم حمادي الذي سمي على جدي الذي بناه مطلع 1951، وهو المطعم الأقدم في شمال المغرب...، أتذكر الأدباء العظماء في المدينة يتجولون بين بائعي الاعشاب و بائعي اكلة كالينطي، اعتدنا أن نشاهد محمد شكري في مقهى الراقصة، خائفين من بدء محادثة معه، في ذات المقاهي التي تتيح لك أن تشاهد بول بوالز، خوان جويتيسولو ، واسحاق أسياغ".

هشام العايدي  

وعبر العايدي عن حبه وولعه وعشقه للمغرب قائلا "أشتاق وأفتقد المغرب خاصة في هذه الليالي الباردة من شتاء أمريكا...، أشتاق لإيقاع لغتنا المحكية، للأصوات والظلال في المدينة، أشتاق لهدير الموج على أطراف البحر، عشت في مدن كثيرة، لكنني لا زلت طفل المضيق، أشعر بالاسترخاء حين أكون في مقهى بطنجة مساء الأحد، حيث رائحة النعناع ولويزة في الهواء،  مشاهداً مباراة في كرة القدم، على اليمين  الجامع الكبير الذي صلى فيه جدي رحمه الله ، البحر أمامي، ساعتها يحل السلام  بين جوانحي". 

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال