القائمة

أخبار

لقاحات كورونا .. هل يطغى هاجس الوقت والربح على العلم؟

عدد الإصابات والوفيات بكوفيد 19 في ارتفاع، والعالم يترقب ظهور لقاح ضد الفيروس. خبراء يحذرون من التسرع فيما ينتقد آخرون اللقاحات المرشحة بسبب آثارها الجانبية المحتملة. فما حقيقة ذلك؟.

نشر
DR
مدة القراءة: 6'

من بين اللقاحات المتداولة ينظر إلى لقاح ChAdOx1 على أنه مرشح واعد ضد كوفيد 19. ولكن بعض المنتقدين يرون أن عملية البحث عن لقاح وتطويره تتم بسرعة كبيرة ويتم التقليل من مخاطرها. ففي نهاية شهر سبتمبر كان هناك حوالي 200 لقاح ضد وباء كورونا قيد التطوير في جميع أنحاء العالم. تسعة منها جاءت في قائمة اللقاحات التي أثنى عليها المراقبون الصحيون بسبب التقدم الذي شهدتها في عملية تطويرها؛ وقد وصلت الآن المرحلة الثالثة أو بين المرحلة الثانية والثالثة حيث تجرى فيها اختبارات سريرية على البشر.

لقاح بريطاني في مراحل التجارب السريرية

من بين اللقاحات التي حظيت باهتمام خاص لقاح ChAdOx1 الذي طورته شركة الأدوية البريطانية السويدية AstraZeneca بتعاون مع جامعة أكسفورد ويعرف أيضًا باسم AZD1222

وشرعت الوكالة الأوروبية للأدوية في إجراء اختبارات على لقاح AZD122 للتأكد من نجاعته. وتعد هذه المرة الأولى التي يتم فيها إجراء مثل هذا الاختبار على هذا اللقاح في الاتحاد الأوروبي. وبما أن الوضع مستعجل سيتم ذلك بسرعة. ومن أجل ربح الوقت تقوم السلطات الصحية بالتحقق من البيانات أثناء جمعها. وفي العادة ينبغي إنهاء هذه الاختبارات قبل تقديم جميع النتائج إلى الوكالة الأوروبية للأدوية. ومن المتوقع أن يتم طرح اللقاح بعد أيام قليلة على انتهاء تلك الاختبارات في حال اقتنعت السلطات الصحية بفعاليته وغياب أضرار جانبية له.

رغم ذلك لم ترغب الوكالة الأوروبية للأدوية في تحديد المدة التي سيستغرقها تقييم اللقاح والترخيص له. ويتم حاليا إجراء اختبارات سريرية على آلاف الأشخاص ومن المتوقع أن تظهر النتائج في "الأسابيع والأشهر" القادمة. ورغم عدم التأكد من حصول اللقاح على الموافقة الأخيرة بدأت العديد من الحكومات - بما فيها ألمانيا - عشرات الملايين من جرعات اللقاح. كما أبرمت الشركة المنتجة اتفاقية ملزمة مع معهد Serum Institute في الهند لإنتاج 300 مليون علبة على الأقل.

وسواء تعلق الأمر بالحكومات التي طلبت اللقاح مسبقا أو بشركة AstraZeneca فإن هذا الحجز المسبق والمبكر للقاح يعد رهانًا اقتصاديًا. فإذا تمت الموافقة عليه وطرح في السوق في مرحلة مبكرة فإن ذلك سيدر أرباحا كبيرة على الشركة المصنعة. لكن احتمالات عدم الموافقة عليه كبيرة أيضا.

مخاوف من هاجس الربح والتسرع

ينظر البعض، كعالم البيئة الصحية النمساوي كليمنس أرفاي بعين ناقدة للأمر، خصوصا بعد أن صارت شركات صناعة الأدوية تتعاون مع رعاة مثل بيل غيتس، وأمام التسامح من قبل السياسيين لإنتاج لقاح وطرحه في السوق لأهداف ربحية. ويدعم عالم الأحياء النمساوي موقفه بالنقاط التالية: أولها أن اللقاح لم يكن فعالا ضد العدوى في الاختبارات في مرحلة ما قبل السريرية، ومع ذلك تمت الموافقة عليه في المرحلة المشتركة الأولى والثانية.

ثانيا: ظهرت آثار جانبية خطيرة للقاح كالحمى وانخفاض في خلايا الدم البيضاء. ومع ذلك حظي اللقاح على الموافقة للمرور إلى المرحلة الثالثة. والآن كان هناك أيضًا حادث خطير شهدته المرحلة الثالثة ويتجلى في أن المرضى يعانون من التهاب النخاع المستعرض. رغم ذلك لا تزال الاختبارات تتواصل.

وبالنسبة لعالم الفيروسات البروفسور د. ستيفان بيكر من جامعة ماربورغ الألمانية فهو يتفهم "وجود مخاوف بعدم إجراء الاختبارات على اللقاح على نحو دقيق، بسبب الضغط الكبير". وشارك الباحث الألماني في الدراسة الخاصة بالمرحلتين الأولى والثانية، حيث أجرى معهد المراقبة المناعية الذي يشرف عليه اختبار تحييد الأجسام المضادة. وقام هو وزملاؤه باختبارات للتأكد ما إذا كانت إحدى الاستجابات المناعية الثلاث المرغوبة للتطعيم تعمل أم لا.

فخلال اختبار التحييد يتأكد الباحثون من وظيفة التطعيم ويتحققون من قدرة الأجسام المضادة التي طورها الجهاز المناعي للشخص الملقح على كبح عدوى الفيروس. بالإضافة إلى ذلك، أجرى باحثون آخرون اختبارًا مصليًا (ELISA) أظهرت نتائجه أن أجسام المرضى قد شكلت أجسامًا مضادة ترتبط ببروتين السنبلة النموذجي لـ SARS-CoV-2 . أما الاختبار الثالث فيتعامل مع استجابة الخلايا التائية بمعنى الدفاع المناعي المكتسب لخلايا الدم البيضاء.

ما مدى فعالية اللقاح ؟

وعبر البروفيسور بيكر بأنه لا يتفهم موقف من يقول إن اللقاح فشل في مرحلة ما قبل السريرية، أي في التجارب على الحيوانات. ويفسر نتائج الدراسة على نحو مختلف تمامًا عن عالم البيئة الصحية النمساوي كليمنس أرفاي. ويشرح البروفسور الألماني موقفه بالقول: "تبين أن جميع الفئران أظهرت استجابة بعد التطعيم باللقاح". وطورت الحيوانات التي خضعت لاختبار اللقاح ثلاثة أشكال مرغوبة من المناعة، بما فيها القرود.

وبعد تلقيح الحيوانات أصيبت بالعدوى حيث أظهرت التجارب أن لديها انخفاضا في الحمل الفيروسي في مسحة الأنف. لكن نتائج مسحة الرئة لم "تكن واضحة". لكن الباحث الألماني يرى أنه لا يمكن للمرء أن يستنتج من ذلك أن اللقاح لا يعمل. ويضيف أن الدراسة في المرحلة الأولى / المرحلة الثانية على البشر أظهرت أن 91 بالمائة من الذين تم تلقيحهم طوروا أجسامًا مضادة محددة بعد التطعيم الفردي، وحتى 100 بالمائة بعد التطعيم الثاني.

وتعافى حوالي 70 في المائة من الأشخاص الذين تم تلقيحهم بحمى مؤقتة ومرتفعة فاقت 38 درجة مئوية. وحتى ستيفان بيكر ينظر إلى تلك الدرجة من الحرارة بأنها مرتفعة جدا. "ولكن عندما تنخفض بسرعة، فمن المقبول القول بأن هذا ليس عارضًا جانبيًا خطيرًا، بمعنى أنه لم يعد مستمرًا"، يقول الباحث الألماني.

تساؤلات حول الآثار الجانبية

أجرى الباحثون فحصا للدم عند لدى كل شخص من أصل عشرة من المشاركين في دراسة المرحلة الأولى / المرحلة الثانية. وتوصلوا إلى أن 46 بالمئة من هؤلاء المرضى انخفض عندهم عدد الخلايا المتعادلة (العدلات)، أي خلايا دم بيضاء معينة بشكل مؤقت. وحسب الباحث النمساوي كليمنس أرفاي فإن قلة العدلات هذه هو علامة على ضعف جهاز المناعة بسبب التطعيم. وبناءً عليه - حسب رأيه- لم يكن هناك ما يبرر للشروع في المرحلة الثالثة.

في مثل هذه الحالة يصعب على الخبراء الطبيين التفكير فيما إذا كان من المنطقي متابعة تطوير اللقاح. لكن تطوير لقاح مثالي أمر نادر جدًا، خاصةً عندما يتعين تطويره واختباره في ظل ظروف مثل الظروف التي نعيشها الآن.

ويبقى التأثير الجانبي الذي حدث في المرحلة الثالثة لمريض إنجليزي في بداية شهر سبتمبر هو الأكثر خطورة. وظهرت لديه أعراض التهاب النخاع الشوكي المستعرض، وهو التهاب في النخاع الشوكي. وهو من أمراض المناعة الذاتية. لكن بعد مرور وقت قصير تمكن المريض من الخروج من المستشفى.

غالبًا ما يتسبب فيروس SARS-CoV-2 أمراض المناعة الذاتية للجهاز العصبي، والتي يمكن أن تكون شديدة جدًا أو مميتة. فبعد مرور بضعة أيام على خروج المريض البريطاني من المستشفى واصل العلماء دراسة المرحلة الثالثة. ويرى البروفيسور د. كليمنس وندتنر، رئيس قسم الأمراض المعدية بميونيخ أن "الانقطاع قصير المدى في التوظيف الدراسي كما حدث الآن في حالة المريض البريطاني هو إجراء شائع في التجارب السريرية".

وأكد الطبيب الألماني أن التهاب النخاع المستعرض يحدث عادة لدى 1،3 شخص من بين مليون شخص بعد التطعيم. وفي حالة حدوث آثار جانبية ذات حدة كبيرة يقرر مجلس مراقبة سلامة البيانات المستقل عن التوقف عن تطويره، يضيف البروفيسور د. كليمنس وندتنر.

ورغم أن عالم الفيروسات الألماني ستيفان بيكر من جامعة ماربورغ لم يشارك في المرحلة الثالثة، فهو ليس لديه شك في أن زملائه الأطباء سيواصلون أبحاثهم بالعناية اللازمة، على حد تعبيره. ويرى أن الكثيرين يأملون أن يكون اللقاح سبيلا جيدا للعودة إلى الوضع الطبيعي.

ينشر بشراكة مع DW

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال