القائمة

أخبار

"سورة الويسكي" تلهب النقاش في المغرب حول حدود حرية التعبير

حكم على فتاة مغربية بالسجن ثلاث سنوات ونصف إضافة إلى غرامة مالية كبيرة بسبب نشرها نصاً ساخراً تحت اسم "سورة الويسكي" على صفحتها على فيسبوك. الواقعة أثارت الجدل وفتحت النار على قوانين النشر والتعبير في المغرب.

نشر
DR
مدة القراءة: 5'

فتحت واقعة "سورة الويسكي" نقاشا فكريا وقانونيا واسعا في المغرب. تعود تفاصيل الواقعة إلى عام 2019، حين أقدمت فتاة مغربية تبلغ من العمر 23 عاماً، على "تحريف" السورة القرآنية "الكوثر"، وفق الجريدة المغربية الإلكترونية "هسبرس"، ونشرت نصاً ساخراً على حسابها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تحت اسم "سورة الويسكي".

وفق المصدر ذاته تحمل الفتاة المغربية الجنسيتين المغربية والإيطالية وقد شاركت المنشور في السنة المذكورة، عقب حصولها على شهادة الباكالوريا ومغادرتها المغرب من أجل متابعة دراستها بالخارج. إلا أن الشابة وبعد عودتها إلى المغرب في رحلة سياحية، تفاجأت بوجود مذكرة بحث وطنية بحقها منذ سنتين. فتمّ توقيفها والحكم عليها بالسجن ثلاث سنوات ونصف السنة، وتغريمها مبلغ 50 ألف درهم  بعد اعتقالها من قبل أمن مطار الرباط.

وثبت القضاء المغربي على الفتاة تهمة المسّ بالمقدسات الدينية ونشر الإساء للعموم. بينما نقلت وسائل إعلام محلية، منها موقع "كود" الإخباري، عن والد الفتاة قوله، بأنه تمّ اعتقالها قبل أسبوعين في المطار بعد عودتها إلى البلاد قادمة من فرنسا، حيث كانت تتابع دراستها. وعن وضعها الحالي قال والد الفتاة: "زرتها قبل قليل في السجن ووجدتها محطمة، لقد دمروا مستقبلها"، مؤكدا بأنها طلبت استئناف الحكم. وأضاف أن متابعة ابنته جاءت بعد شكوى قدمتها إحدى الجمعيات الدينية، وأن ابنته "نشرت ذلك المقطع عام 2019، بدون أن تعي جيداً ما مضمونه لأنها لا تتقن اللغة العربية"، على حد قوله.

جدل واسع

في واقعة مماثلة أدانت محكمة تونسية بدورها في مايو 2020، مدوّنة تونسية بالسجن ستة أشهر، مع تغريمها حوالي 700 دولار أمريكي، بسبب منشور على حسابها في فيسبوك يحاكي القرآن الكريم بعنوان "سورة كورونا"، كما ظهر منشور سابق تحت عنوان "سورة الويسكي" نسب إلى نفس الفتاة وهو ما أثار التساؤلات بين رواد مواقع التواصل الإجتماعي حول ما إذا كانت الفتاة المغربية المعتقلة قد أعادت فقط نشر "سورة الويسكي" بدل "تحريفها" أو" تأليفها" من البداية.

أثار حكم المحكمة المغربية، جدلًا واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض. فهناك من عبّر عن استنكاره للفعل الذي أقدمت عليه الفتاة ورأى في الحكم الصادر بحقها "عبرة" للغير. في حين يرى آخرون أن الحكم كان "قاسياً"، خصوصاً في حق شابة في مقتبل العمر، كما كتب توفيق في تغريدته على تويتر.

من جهته عبر رشيد أيلال، الباحث في الفقه الإسلامي عن إدانته للحكم الصادر بحق الفتاة، وقال في تصريح له للموقع الإخباري المغربي "كود"، إنه "من غير المقبول الحكم بالسجن على شابة في مقتبل العمر بثلاث سنوات ونصف، من بعد ما أخذتها الحماسة أو نوع من المزاح وكتبت ما كتبت، وتدمير مستقبلها وحياتها، كما لو أنها تهربت من دفع الضرائب أو سرقت المال العام". وأضاف أيلال أنه في نفس الوقت يدين ماقامت به الفتاة، لكن في المقابل "ليس لأحد الحق بمعاقبتها، لأن الدين شيء فردي بينها وبين الله".

أين تنتهي حرية تعبير؟

النقاش القانوني حول الحكم الصادر بحق الفتاة أفضى إلى نقاش فكري حول حدود حرية التعبير ومفهوم "الإساءة"، فقد اعتبر البعض أن "الفتاة لم تتجاوز حق التعبير في إطار الحرية الشخصية" وحرية المعتقد، المضمونة بالمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب.

وفي هذا الصدد اعتبر، سعيد بن جبلي، مدون وناشط مغربي مهتم بالشأن العام و حقوق الإنسان، أن "الحكم القاسي هو إشارة واضحة من السلطات المغربية بأن حرية التعبير تنتهي عند المساس بالمقدسات الدينية".

وطالب في نفس التدوينة التي نشرها على صفحتها الشخصية على فيسبوك بالحذر أثناء النشر على الإنترنيت قائلا: "إذ يبدو واضحا أنك قد تفلت من سيوف داعش ورصاصها، ولكنك لن تفلت من زنازين الحكومات وعقوباتها".

من جانبه قال رشيد أيلال في تصريح لـ "كود" أن "المغرب يعتبر من الدول المتقدمة على مستوى الحريات في إفريقيا وعلى المستوى العربي والإسلامي، لكن مع هذه الأحكام، يريدون إعادته إلى محاكم التفتيش وزمن القهقرة".

بينما علّق الصحفي المغربي، عمر أوشن في تدوينه له على فيسبوك على هذه الواقعة قائلاً:

وأعلنت جمعيات حقوقية عن تضامنها مع قضية الفتاة، منها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان. كما أعلن الباحث في الشؤون الإسلامية والسياسية في ألمانيا، حامد عبد الصمد، عن تضامنه مع الفتاة و دعا المتابعين على صفحته على "فيسبوك" إلى إعادة نشر "سورة الويسكي" لإدانة القوانين غير المتسامحة، غير أن البعض انتقد خطوته هذه واعتبر أن ذلك قد يعرض شباباً آخرين للسجن.

يذكر أن القانون المغربي يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين في حق "كل من أساء إلى الدين الإسلامي"، بموجب الفصل 267 من القانون الجنائي المغربي. وقد ترفع العقوبة إلى خمس سنوات إذا ارتكبت "الإساءة" بوسيلة علنية "بما فيها الوسائل الإلكترونية". ويستخدم هذا القانون أيضاً للمعاقبة على "الإساءة للنظام الملكي والتحريض ضد الوحدة الترابية"، ويثير انتقادات الحقوقيين في المغرب على اعتبار أن عباراته "فضفاضة" ولا تحدد بشكل ملموس الأفعال التي يمكن أن تشكل "إساءة" ويطالبون بإلغاء العقوبات السجنية في كل قضايا النشر والتعبير في المغرب.

إيمان ملوك

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال