القائمة

أرشيف  

قصبة مسون.. إرث تاريخي يئن تحت وطأة الإهمال والنسيان

بعدما كانت تلعب أدوارا عسكرية واقتصادية مهمة في الماضي، باتت قصبة مسون الواقعة بين مدينتي جرسيف وتازة، تقاوم الإهمال وتقلبات الطبيعة، حيث انهارت معظم أجزائها، وهجرها سكانها.

نشر
قصبة مسون/ تصوير يوسف الدحماني
مدة القراءة: 3'

حاول السلطان المولى إسماعيل خلال فترة حكمه (1672-1727)، تشييد قصبات في مختلف مناطق البلاد، ولا تزال هذه القصبات، إلى اليوم شاهدة على عظمة عهده، رغم أن كثيرا منها طالها الإهمال والنسيان.

وكانت للقصبات أبعاد استراتيجية، فبفضلها تمكن المولى إسماعيل من إرساء الاستقرار في بلاد المغرب الأقصى خلال فترة حكمه. وإلى جانب الدور العسكري، كانت القصبات تلعب أدوارا تجارية مهمة، إذ كانت تحمي الطرق التجارية، وتستخلص المستحقات الجبائية.

وجاء في كتاب "الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى" لصاحبه المؤرخ المغربي أحمد بن خالد الناصري "عين (السلطان مولاي إسماعيل) لكل قبيلة تلك البلاد قلعتها التي تدفع بها زكواتها وأعشارها لمؤونة العبيد وعلف خيولهم".

ومن بين هاته القصبات، قصبة مسون التي توجد على مقربة بين الطريق الوطنية رقم 6 الرابطة بين تازة وجرسيف.

وتعد الكتابات التاريخية حول هذه القصبة نادرة جدا، ويكاد يكون المؤرخ أحمد الناصري الوحيد الذي أشار إليها في كتابه الاستقصا، حيث يؤكد أنها بنيت سنة 1684، من طرف المولى إسماعيل خلال زيارته إلى القسم الشرقي من مملكته.

ويقول الناصري "بنيت قصبة مسون بأمر من السلطان المولى إسماعيل العلوي، لما نزل بوادي مسون سنة 1091 هجرية، وأنزل بها مائة فارس من العبيد بعيالهم وأولادهم، وجعل المنصور بن الوافي عاملا عليها وعلى القلاع التي بتازة ووادي صا".

ولم يكن اختيار مكان بناء القصبة بمحض الصدفة، فهي تتواجد في ملتقى الطرق الرابطة بين شرق البلاد وغربها. كما أنها تقع على ضفة نهر مسون ما يجعلها مؤهلة لمراقبة مساحات واسعة.

ويمتد سور القصبة في شكل مستطيل، ويحتوي على أربعة أبراج مربعة ومستطيلة الشكل بالإضافة إلى بعض الغرف، وببلغ علوه حوالي 10 أمتار، وينتهي في قسمه الأعلى بأعمدة ترابية حادة الرأس.

وكانت هذه القصبة تتوفر في البداية على باب واحدة، تراقب كل حركة تمر بداخلها، وكان يوجد بها حارس ليلي دائم، لا تغلق أو تفتح إلا بإذن منه.

تهميش وإهمال

واستمرت القصبة في لعب أدوار مهمة طوال تاريخ المغرب، وصولا إلى مرحلة الحماية، حيث شكلت نقطة مركزية للزحف على مدينة تازة وقبائلها من قبل الجيش الفرنسي.

وفي تصريح لموقع يابلادي قال عبد الإله بسكمار، رئيس مركز ابن بري التازي للدراسات والأبحاث وحماية التراث "لما دخل الجيش الفرنسي إلى شرق تازة، انتبه إلى هذه القصبة وجهزها وحولها إلى موقع عسكري شبه دائم لمدة لا يستهان بها، إلى حين احتلال مدينة تازة، واستمرت كموقع عسكري خلال فترة الحماية".

وأضاف أنه خلال حرب الريف التي قادها الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي استمر الدور الاستراتيجي لهذه القصبة، ومباشرة بعد نهاية الحرب الريفية سنة 1926، "تراجع دورها العسكري، إلى مجرد سوق تتسوق فيه قبائل المنطقة، والقبائل المجاورة...، واستمر هذا السوق في تراجع مطرد إلى انتهى أمره خلال الستينات من القرن الماضي"، حسب بسكمار.

ورغم مرور عدة قرون على تأسيسها، إلا أن أجزاء من هذه القصة لا تزال قائمة، تصارع الظروف الطبيعية، القاسية والسلوكات البشرية العدوانية، التي باتت آثارها واضحة من خلال التآكل والهدم الذي تعرضت له بعض أجراء السور الذي كان يحمي ساكنتها ومخزونها من كل هجوم أجنبي.

وبعدما كانت القلعة عامرة بالحياة، باتت اليوم مجرد منطقة خراب، تسكنها بضع عائلات، تنحدر من قبائل المنطقة.

وفي تصريح لموقع يابلادي قال أحمد صبار وهو إعلامي ينحدر من المنطقة، "هذه المعلمة لم تنل حظها من الاهتمام، رغم محاولة بعض المجالس المتعاقبة على تسيير جماعة تادرت ترميمها، في إطار اتفاقية شراكة مع وزارة الثقافة، لكن لا شيء حدث".

وبحسب تصريحات أحد ساكني القصبة لموقع يابلادي، فإنها تؤوي حاليا بضع عائلات، تضم مجتمعة حوالي 30 فردا، وأكد أن معظم سكانها فضلوا الرحيل، نظرا لظروف الحياة الصعبة داخلها.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال