القائمة

أخبار

"تيكورداسين" أو عندما يصبح الاحتفاء بعيد الأضحى رمزا لممارسة الطقوس الشعبية

مع إطلالة كل عيد أضحى بجهة درعة –تافيلالت وخاصة عند القبائل الأمازيغية، تبرز تلك الأعراف والتقاليد وتتوزع المشاهد الاحتفالية بحكم التنوع الثقافي والجغرافي، ولكن يبقى قاسمها المشترك إيلاء عناية كبيرة لاقتناء توابل خاصة لتحضير ما يعرف ب "تيكورداسين".

(مع و م ع)
نشر
DR
مدة القراءة: 5'

وفي هذا الإطار قال الكاتب والباحث في التراث الشعبي المحلي زايد جرو، إن الكرداس أو" تكورداسين" باللغة الأمازيغية أكلة كانت تعدها الأمهات أو الجدات قديما لخبرتهن وإتقانهن صنع هذه الأكلة، التي تتكون عادة من أحشاء الأغنام والماعز وحتى الإبل أحيانا عند الرحل، لكون ذبيحتها قليلة الانتشار في القرى والبوادي بالجنوب الشرقي بالنظر لقلة تربيتها وسط القصور والقصبات.

وأضاف الباحث، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن الكرداس المجفف "اليابس" يرتبط بمناسبة عيد الأضحى الذي "يكثر فيه استهلاك اللحوم بشكل كبير، حيث كانت العديد من الأسر لا تشتري اللحم أو لا تأكله إلا في هذه المناسبة أو لماما لفقرها من جهة، أو لكونها تكتفي بدجاج وأرانب وحمام الواحات وتختزن بعض لحوم الأضحية من العيد إلى يوم عرفات العيد المقبل"، مشيرا إلى أن عيد الأضحى أو "العيد لكبير" كما يسمى لحد الآن بجهة درعة تافيلالت يظل المناسبة الكبيرة والعظيمة التي يصاب فيها الناس بالتخمة لإفراطهم في أكل اللحوم الحمراء.

بعد ذبح الأضحية خاصة من نوع "الد مان" بقرنين صغيرين أو بدونهما والمشهور استهلاكه بالجنوب الشرقي، تقوم النساء بغسل المكان وتنظيفه بعد انتهاء عمل الرجال، وتتفرغ الأم أو الجدة بمساعدة زوجات أبنائها أو نساء البيت عموما لجمع أحشاء الذبيحة وتعملن على تنقية هذه المكونات جيدا من الداخل والخارج، وتقطع أطرافا صغيرة وتوضع في إناء أو "قصعة" وتشبع بجميع أنواع التوابل والملح، وتلفها الجدة أو الأم بالأمعاء الدقيقة كخيوط رابطة وجامعة لكل هذه المكونات على شكل طولي غالبا، وتعلق في حبل بأعالي السطوح لتجف لمدة أسبوع أو تزيد حسب حرارة الشمس.

وأبرز الباحث أن "الكرداس" يتم جمعه في"زير" خاص قديما، ويغلق بقطعة ثوب ويسد "فمه" بالطين تجنبا للتلف، أو في أكياس بلاستيكية أو الثلاجات حاليا وتخزنه الأم في مكان خاص ليوم يحل فيه الضيف بغتة لإنقاذ الموقف، وقد لا يفتح ولا يجب مسه أو الاقتراب منه لأنه من خصوصية "تمغارت" أو "تفقيرت" أو "الأم"، ولو حل من حل بالبيت وهو خاص أيضا بعاشوراء المناسبة الدينية العظيمة.

في منطقة درعة تافيلالت، يقول زايد جرو، تختلف عادات الاحتفال بعاشوراء بين المناطق التي يختلط فيها الأمازيغ بالعرب، وبين المناطق الخاصة بالأمازيغ، لكن يشترك الجميع تقريبا في وجبة الكسكس التي يجب أن يكون "الكرداس" سيدها في هذه المناسبة.

ففي الصباح الباكر من يوم عاشوراء تع د الأم "الكرداس" للأطفال الذين قضوا الليلة السابقة في اللعب، وناموا مبكرا قبل وجبة العشاء، وكل طفل يحمل معه ما يسمى ب" ل ك لوتا" أو "ت ك ل وت" هي عبارة عن سلة صغيرة تحتوي على كرداسة وقطعة من القديد أو اللحم و الكسكس وبيضة وبعض التمر والحلويات والحمص، وكل ما هو مفرح ويلبس الطفل جلبابه أو عباءته وبلغته ويخرج للقاء أصدقائه الذين يأتون بسلالهم ليجتمعوا بمدخل القصر أو بجوانبه، وكل واحد يتباهى ب " كرداسته" ويعطي كل واحد منها للآخر ما يسمى ب" د واقة " ويقضون نصف اليوم أو اليوم كله حتى وقت متأخر منه في اللعب ليعودوا فرحين بهذا اليوم.

تقديم الكرداس للأطفال، يؤكد الباحث، يحمل بعدا ثقافيا مفاده أن الأم تعد الابن للانخراط في العالم الخارجي حيث تعطيه زاده ليخرج للقاء أصدقائه بعيدا عن البيت، ليصنع من نفسه شخصية مجتمعية بعيدا عن توجيه الأسرة استعدادا للانخراط في المجتمع الكبير.

عندما يعود الابن، حسب الثقافة الشعبية بتافيلالت وحسب رواية الجدات، تزغرد الأم وباقي نساء البيت فرحا بعودة الذكر الخصب للبيت، وبعودة الطمأنينة والحماية للأسرة، ولكن إذا عاد مجروحا بسبب شجار مع أصدقائه، فذاك فأل نحس على الأسرة التي يظل الحدث فيها عالقا بالأذهان مدة طويلة من الزمن وقد لا ينسى أبدا.

واعتبر الباحث أن "الكرداس" أكلة مغربية امتدت لسنوات وما زالت لحد الآن، لكن الطقوس الاحتفالية "التي يمتزج فيها التاريخ بالأسطورة، والدين بالشعوذة، صارت تعبيرا عن الخصوصية المغربية بشكل عام والتي تشكلت على مدى التاريخ لتعطيه مميزات خاصة وقد قلت هذه العادات حاليا للتحولات المجتمعية الحديثة، حيث تحولت طريقة اللعب وتحول تخزين اللحم وانتشرت وسائل التخزين بالبيوت بشكل كبير".

من جهته، قال لحسن أوطالب، فاعل جمعوي، أن حياة الترحال التي كانت عليها بعض القبائل خاصة قبائل أيت عطا وانعدام الوسائل الحديثة التي تمكن من الحفاظ على جودة أحشاء أضحية العيد لمدة أطول خاصة وأن المجال الجغرافي الذي ظلت تستوطنه الى اجل قريب يتميز بارتفاع كبير في درجة الحرارة، جعل من صناعة "تيكورداسين " امرا ضروريا لتفادي تلف جزء مهم من الاضحية من جهة ثم اعتماده كوجبة اساسية في عاشوراء.

وتستعمل لأعداد "تيكورداسين"، يضيف الفاعل الجمعوي، مجموعة من التوابل منها ورقة سيدنا موسى، الحبق، بذور البقدونس، الزنجبيل، مسحوق الفلفل الحار والابزار والكمون والكركم إضافة الى الثوم الذي يتم دقه ممزوجا بالملح وتركه يجف و واوراق البصل المجففة التي يتم دقها.

يمزج هذا الخليط بعناية في إناء ويترك جانبا لتبدأ المرحلة الاخيرة من اعداد "تيكورداسين " حيث يتم اخراج احشاء اضحية العيد وتنظيفها جيدا باستثناء الكبد ويمرر لهذه الغاية فصة من الثوم عبر الامعاء ثم تقطع معدة الخروف شرائح متوسطة الحجم تستعمل للف شرائح الرئة والطحال وتخلط الشرائح بخليط التوابل السالف الذكر تم تبدا عملية لفها بواسطة الامعاء لتتخذ في الاخير شكل موزة ليتم نشرها في الهواء الطلق وعلى ارتفاع من سطح الارض عرضة لحرارة الشمس لتجف ولمنع البكتيريا من اتلافها ويسهل استعمالها لاحقا.

تعتبر "تيكورداسين " عند هذه القبائل مادة اساسية لتحضير وجبة الكسكس ليوم عاشوراء نظرا لذوقها اللذيذ لدسمها ولغناها بالتوابل وهناك من يحتفظ بها لاعداد وجبة الاحتفال بحلول السنة الامازيغية.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال