القائمة

أرشيف  

6 أكتوبر 1973..عندما حطم الجنود المغاربة والعرب أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر

في 6 أكتوبر من سنة 1973 شن العرب بشكل مفاجئ رابع حروبهم على إسرائيل، وشارك المغرب في هذه الحرب على الجبهتين المصرية والسورية، ونجحت الجيوش العربية في تكسير أسطورة الجيش الاسرائيلي الذي لا يقهر، وتدخلت الولايات المتحدة الأمريكية ودعمت الدولة العبرية بعدما بدأ جيشها في الانهيار.

نشر
من حرب أكتوبر 1973 ضد إسرائيل
مدة القراءة: 9'

في الخامس من يونيو من سنة 1967، نشبت حرب بين العرب من جهة وإسرائيل من جهة ثانية، واستمرت الحرب لمدة ستة أيام، وانتهت بهزيمة الجيوش العربية واحتلال الدولة العربية لسيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان.

وفي 29 غشت من السنة ذاتها اجتمع العرب في العاصمة السودانية الخرطوم، وأصر القادة العرب خلال القمة على التمسك بالثوابت من خلال لاءات ثلاثة: "لا سلام مع إسرائيل، لا اعتراف بإسرائيل، لا مفاوضات مع إسرائيل".

وبدأ العرب بعد ذلك يفكرون في الاستعداد لحرب جديدة لاستعادة كرامتهم المفقودة، واسترجاع ما ضاع منهم من أراضي.

 وفي السادس من شهر أكتوبر من سنة 1973، قام الجيش المصري والسوري بتنسيق هجومين مفاجئين ومتزامنين على القوات الإسرائيلية؛ أحدهما للجيش المصري على جبهة سيناء المحتلة وآخر للجيش السوري على جبهة هضبة الجولان المحتلة. وساهم المغرب في هذه الحرب، وخاصة على الجبهة السورية.

الحسن الثاني: الحرب مع إسرائيل أفضل خبر سمعته

في كتاب "مذكرات حرب أكتوبر" لصاحبه الفريق سعد الدين محمد الحسيني الشاذلي (1 أبريل 1922 - 10 فبراير 2011)، وهو قائد عسكري مصري، شغل منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية في الفترة ما بين 16 مايو 1971 وحتى 13 ديسمبر 1973، تطرق لتفاصيل تنقلاته ولقاءاته بزعماء الدول العربية استعدادا لمواجهة إسرائيل في حرب جديدة.

وحكى الشاذلي الذي يعتبر مهندس حرب أكتوبر ضد إسرائيل، عن لقائه بالحسن الثاني وقال:

"قابلت جلالة الملك الحسن الثاني في الرباط في 9 فبراير 1972، وكانت إجراءات ومظاهر المقابلة مثيرة للغاية (...)، حضر مقابلتي مع الملك الجنرال أوفقير ورئيس الديوان الملكي. أنصت الملك إلى كلامي ثم علق في النهاية "إن القوات المسلحة المغربية جميعها تحت تصرفك إن كل فرد في المغرب سوف يكون سعيدا عندما يرى قواتنا المسلحة تقاتل من أجل القضية العربية". قلت "يا صاحب الجلالة قبل أن أحضر إلى هنا كانت لدي فكرة عامة عن القوات المغربية من حيث الحجم والتنظيم، وأني أود أن تتاح الفرصة لزيارة تلك الوحدات للتعرف على مستواها التدريبي وقدراتها القتالية"، قال الملك واعتبارا من باكر يمكنك أن تزور أية وحدة ترغب في زيارتها. وبعد أن تنتهي من زياراتك كلها تعال لمقابلتي مرة أخرى وقل لي ماذا تريد"، ثم أضاف قائلا "لا تشغل نفسك طوال الوقت وحاول أن توفر بعض الوقت لكي تزور بلادنا".

وقبل بداية الحرب بحوالي 20 يوما، عاد الشاذلي إلى المغرب، وجاء في المذكرات الطويلة والتي وصلت إلى 550 صفحة:

"غادرت الجزائر إلى المغرب بعد ظهر يوم 17 من شتنبر، ووصلت الدار البيضاء ليلا حيث كان السفير المصري في انتظاري. انطلقنا من الدار البيضاء إلى الرباط حيث كان في انتظارنا الكولونيل الدليمي وتناولنا معه العشاء في منزله، وفي أُثناء تناول العشاء أخبرت الكولونيل الدليمي بأني قادم لمقابلة الملك في مهمة سرية وعاجلة، ورجوت أن تتم الزيارة بعيدا عن وسائل الإعلام، والمظاهر البروتوكولية".

وأوضح الشاذلي أنه أخبر الملك بقرار الحرب دون ذكر التاريخ "وسألته إذا كان يستطيع أن يخصص وحدات إضافية لتدعيم الجبهة المصرية. وهنا أجاب "يا أخ الشاذلي إن ما سمعته منك الآن من أخبار هو أفضل ما سمعت طوال حياتي. أنا سعيد بأن أسمع إننا –نحن العرب- سوف نتحدى عدونا وسوف نتخلص من الموقف المهين الذي نحن فيه. إننا سوف نشارك في المعركة بقوات أكثر من القوات التي وعدت بها في لقائنا السابق. أنت تعلم إننا أرسلنا لواء دبابات إلى سوريا ولكننا على استعداد لإرسال لواء مشاة آخر إلى الجبهة المصرية".

واقترح الشاذلي بعد ذلك على الملك الحسن الثاني أن يتم تجهيز اللواء خلال 7 إلى 10 أيام وأن يغادر المغرب في أول أكتوبر، ولكن الملك عقب قائلا بحسب ما جاء في المذكرات "إننا سوف نحتاج وقتا أطول لإعادة تنظيمه وتجهيزه، ثم إننا نحب أن نمنح الضباط والجنود إجازات ليزوروا فيها أهلهم قبل السفر، وسوف يدخل علينا رمضان بعد أيام، لذلك فإنني أفضل أن يقضي اللواء هذا شهر رمضان وعيد الفطر ويكون جاهزا للترحيل في النصف الثاني من نونبر". وأكد العسكري المصري أنه لم يحاول الإصرار على ميعاد أقرب من ذلك "حتى لا أكشكف يوم بدء القتال".

وبخصوص الجبهة السورية فقد جاء في جريدة "الأهرام" المصرية أن المغرب كان له لواء مشاة فى هناك يعرف باسم "التجريدة المغربية"، وقد وضع هذا اللواء فى الجولان وشارك فى الحرب، كما أرسل المغرب بحسب نفس المصدر 11000 جندى للقتال رفقة الجيش العربى السورى مدعوماً بـ 52 طائرة حربية 40 منها من طراز f5 و 12 من طراز mig بالإضافة إلى 30 دبابة.

بداية الحرب 

وفي السادس من شهر أكتوبر من سنة 1973، الذي وافق آنذاك للعاشر من رمضان، فاجأ العرب إسرائيل بشنهم الحرب الرابعة ضدها بعد حرب 1948، وحرب 1956 وحرب 1967.

ويقول الفريق سعد الدين محمد الحسيني الشاذلي في كتابه "مذكرات حرب أكتوبر" إن الملك الحسن الثاني عندما علم بأنباء الحرب من وكالات الأنباء

"قرر إرسال لواء مشاة فورا ودون أي انتظار، وقد استخدم في ذلك جميع وسائل النقل الجوي المتيسرة في المغرب جميعها بما في ذلك شركة الخطوط الملكية المغربية، وعندما حضر الكولونيل الدليمي إلى مصر لزيارة الوحدات المغربية زارني في المركز 10 يوم 27 من أكتوبر وقال لي "إن جلالة الملك يهنئك على الأداء الرائع الذي قمتم به ويتمنى لكم التوفيق، وطلب مني أن أقول لك لو أنك قلت له إن الحرب قريبة إلى هذا الحد لأرسل اللواء معك". فشكرته وقلت له أرجو أن يقدر جلالة الملك دقة موقفي بخصوص هذا الموضوع".

وعقب بداية الهجوم حققت الجيوش العربية إنجازات ملموسة في الأيام الأولى للمعارك، فعبرت القوات المصرية والقوات المتحالفة معها قناة السويس بنجاح وحطمت حصون الجيش الاسرائيلي وتوغلت 20 كم شرقاً داخل سيناء، فيما تمكنت القوات السورية والقوات العربية الأخرى من الدخول إلى عمق هضبة الجولان وصولاً إلى سهل الحولة وبحيرة طبريا.

ولكن مع اقتراب نهاية الحرب (26 أكتوبر) انتعش الجيش الإسرائيلي فعلى الجبهة المصرية تمكن من فتح ثغرة الدفرسوار وعبر للضفة الغربية للقناة وضرب الحصار على الجيش الثالث الميداني ومدينة السويس ولكنه فشل في تحقيق أي مكاسب استراتيجية سواء باحتلال مدينتي الإسماعيلية أو السويس أو رد القوات المصرية للضفة الغربية مرة أخرى، أما على الجبهة السورية فتمكن من رد القوات السورية عن هضبة الجولان واحتلالها مرة أخرى.

الرئيس السوري حافظ الأسد يتحدث عن التجريدة المغربية

وجاءت انتعاشة الجيش الإسرائيلي بفضل تدخل الولايات المتحدة الأمريكية، التي عملت على إطلاق جسر جوي لتل أبيب وبلغ إجمالي ما نقل عبره 27895 طناً، في حين مد الاتحاد السوفيتي جسراً جوياً لكل من مصر وسوريا بلغ إجمالي ما نقل عبره 15000 طناً.

بلغ عدد الشهداء المغاربة 170 شهيداً في سوريا وحدها وفق بعض المصادر. وسميت فى العاصمة دمشق ساحة بإسمهم "التجريدة المغريبة" وهى واحدة من أهم الساحات من ضمن مركز المدينة، تكريماً ووفاء لبطولاتهم الشجاعة والنبيلة تجاه السوريين.

وانتهت الحرب رسمياً بالتوقيع على اتفاقيات فك الاشتباك بين جميع الأطراف. وكان من أهم نتائجها تحطم أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر التي كان يدعيها القادة العسكريين في إسرائيل.

سلاح البترول

في شهر غشت من سنة 1973 زار الرئيس المصري محمد أنور السادات السعودية، وأخبر الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود، أن الحرب على إسرائيل قريبة، وطلب منه أن تقوم السعودية ودول الخليج بوقف ضخ البترول للغرب حال نجاح خطة الهجوم المصرية.

وفي 17 أكتوبر قرر الملك فيصل استخدام سلاح النفط في المعركة، فدعا إلى اجتماع وزراء البترول العرب في الكويت وقرروا تخفيض الإنتاج العربي بنسبة 5% فوراً، وتخفيض 5% من الإنتاج كل شهر حتى تنسحب إسرائيل إلى خطوط ما قبل يونيو 1967، وقررت ست دول بترولية من الأوبك رفع سعر بترولها بنسبة 70%، وقررت بعض الدول العربية حظر تصدير البترول كلية إلى الدول التي يثبت تأييدها لإسرائيل بما فيها الولايات المتحدة.

في 20 أكتوبر من سنة 1973 رداً على الحظر النفطي، أعلنت الولايات المتحدة أنها ستدعم إسرائيل بمبلغ 2 مليار و100 مليون دولار كشحنات أسلحة جديدة، وفي اليوم نفسه أعلنت الدول العربية حظر تصدير النفط تماماً إلى الولايات المتحدة. وصرح الملك فيصل في أعقاب تلك الخطوة بأن الحظر لن يرفع قبل انسحاب إسرائيل من كل الأراضي العربية التي احتلت عام 1967.

وفي 8 نونبر من سنة 1973 وعقب تضخم آثار أزمة النفط في الولايات المتحدة وحلفائها والتي ظهرت واضحة في طوابير السيارات التي ليس لها آخر عند محطات الوقود، قام هنري كسنجر وزير الخارجية الأمريكية بزيارة إلى الرياض، في محاولة لإقناع الملك فيصل باستئناف تصدير النفط، إلا أن العاهل السعودي تمسك بضمان الولايات المتحدة لانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة وتخليها عن دعم إسرائيل. وفي 17 مارس من سنة 1974 أعلن وزراء نفط الدول العربية، باستثناء ليبيا، نهاية الحظر المفروض على الولايات المتحدة.

التخلي عن اللاءات الثلاث

في 9 نونبر 1977 فاجأ السادات الجميع بإعلانه رسميا عن التخلي عن اللاءات الثلاث التي أعلنتها قمة الخرطوم، وأبدى استعداده للذهاب إلى القدس بل وإلى الكنيست الإسرائيلي، وقال: "ستُدهش إسرائيل عندما تسمعني أقول الآن أمامكم إنني مستعد أن أذهب إلى بيتهم، إلى الكنيست ذاته ومناقشتهم".

وبالفعل توجه السادات إلى القدس وألقى خطابا أمام الكنيست الإسرائيلي في 20 نونبر من سنة 1977. وشدد في هذا الخطاب على أن فكرة السلام بينه وبين إسرائيل ليست جديدة، وأنه يستهدف السلام الشامل، ودعا السادات بيجن لزيارة مصر، وعقد مؤتمر قمة في الإسماعيلية.

وبعد اجتماع الإسماعيلية بشهر واحد اجتمعت اللجنة السياسية المكونة من وزراء خارجية مصر وإسرائيل والولايات المتحدة في القدس، ويوم 5 شتنبر من سنة 1978، وصل الوفدان المصري والإسرائيلي إلى كامب ديفيد، وبعد 12 يوما من المفاوضات وقع الجانبان على اتفاقية كامب ديفد.

وفي 26 مارس من سنة 1979 وقع الجانبان على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وكانت المحاور الرئيسية للمعاهدة هي إنهاء حالة الحرب وإقامة علاقات ودية بين مصر وإسرائيل، وانسحاب إسرائيل من سيناء التي احتلتها عام 1967 بعد حرب الأيام الستة، وتضمنت الاتفاقية أيضا ضمان عبور السفن الإسرائيلية قناة السويس واعتبار مضيق تيران وخليج العقبة ممرات مائية دولية تضمنت الاتفاقية أيضا البدأ بمفاوضات لإنشاء منطقة حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة والتطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242.

غضب عربي                          

عارضت العديد من الدول العربية اتفاقية كامب ديفد، وفي مصر استقال وزير الخارجية محمد إبراهيم كامل لمعارضته الاتفاقية وسماها مذبحة التنازلات، وقال إن "ما قبل به السادات بعيد جداً عن السلام العادل".

ولاحقاً اتخذت جامعة الدول العربية قراراً بنقل مقرها من القاهرة إلى تونس احتجاجاً على الاتفاقية، كما قررت تعليق عضوية مصر ومقاطعتها.

وفي ماي من سنة 1989 عقد مؤتمر القمة العربية بمدينة الدار البيضاء وشهدت هذه القمة استعادة مصر لعضويتها في الجامعة العربية، وفي مارس عام 1990، عاد المقر إلى القاهرة وأصبح المصري عصمت عبد المجيد أمينا عاما لجامعة الدول العربية، خلفا للتونسي الشاذلي القليبي.

بعد سنوات من ذلك سارت الأردن على نفس النهج، وفي 26 أكتوبر من سنة 1994، تم التوقيع على معاهدة وادي عربة مع إسرائيل، وهي المعاهدة التي أنهت العداء بين الأردن والدولة العبرية، وبعد هذا الاتفاق أصبحت الحدود الإسرائيلية الأردنية مفتوحة لمرور السياح والبضائع والعمال.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال