في 20 نونبر من سنة 1979 المواقف لليوم الأول من شهر محرم من سنة 1400، شهد الحرم المكي الي يعتبر أقدس مكان عند المسلمين على اختلاف طوائفهم، حدثا فريدا حيث اقتحم رجال مسلحون الحرم، واحتجزوا عشرات آلاف المصلين، وأعلنوا مبايعتهم لشخص قالوا إنه المهدي المنتظر، الذي يظهر في آخر الزمان ليملأ الأرض عدلا بعدما ملئت جورا.
قبل الحادث
في سنوات السبعينات تأسست جماعة سلفية في المملكة العربية السعودية يطلق عليها اسم "الجماعة السلفية المحتسبة"، بقصد الدعوة والاحتساب والاهتمام بمنهج السلف ومحاربة البدع والمنكرات، وبعد مدة من تأسيسها قرر أحد أبرز قادتها وكان يدعى جهيمان العتيبى، إعلان خروجه عن النظام السعودي الذي كان على رأسه آنذاك الملك خالد بن عبد العزيز بعد ذلك دخلت الجماعة في العمل السري.
وبحسب ما يحكي ناصر الحزيمي الذي كان على معرفة شخصية بجهيمان، في كتابه "أيام مع جهيمان..كنت مع الجماعة السلفية المحتسبة"، أن نقطة التحول الأبرز في الجماعة التي تحولت إلى العمل السري كانت في سنة 1399 للهجرة، حينما كثر الحديث في مجالس الجماعة عن تواتر الرؤى، وأن الفترة الزمنية التي هم فيها هي آخر الزمان، وأن المهدي المنتظر بات على وشك الظهور لكي يملأ الأرض عدلا.
وانتقلت الجماعة بعد ذلك للجانب العملي من خلال البحث عن المهدي المنتظر بين صفوفها، فوقع الاختيار على صهر جهيمان الذي يدعى محمد بن عبد الله القحطاني، ويؤكد ناصر الحزيمي في كتابه أن القحطاني لم يكن على اقتناع بأنه المهدي المنتظر، واعتبرها في بداية الأمر مجرد مزحة، غير أنه اقتنع بعد ذلك وبدأ يأخذ الأمر على محمل الجد.
اقتحام الحرم
تم التخطيط بدقة لاقتحام الحرم المكي حيث يحكي صاحب كتاب "أيام مع جهيمان..كنت مع الجماعة السلفية المحتسبة"، أن السلاح أدخل إلى الحرم على ثلاثة مراحل، المرحلة الأولى: بدخول المجموعة الأولى بسلاحها الفردي الذي حملته معها من الخارج، أو حصلت عليه من السلاح الذي تم تخزينه مسبقًا في بعض جنبات الحرم، المرحلة الثانية: في نفس التوقيت الزمني تم إدخال سيارات نقل للمياه معبأة بالأسلحة، المرحلة الثالثة: إدخال نعوش وهمية محمولة على أعناق أعضاء الجماعة، بداخلها أسلحة.
وبمجرد انتهاء صلاة الفجر، بادر أعضاء الجماعة إلى الاستلاء على الميكروفون الرئيسي للحرم، وألقاء أحد أعضاء الجماعة ويدعى خالد اليامى، خطبة شرح فيها أهدافهم من اقتحام الحرم.
آنذاك حاول المصلون مغادرة الحرم المكي غير أنهم وجدوا الأبواب مغلقة بالسلاسل الحديدية ومحروسة من قبل أتباع الجماعة السلفية المحتسبة، فاضطروا للبقاء.
وفي خطبته سرد خالد اليامى مجموعة من الأحاديث النبوية الشريفة، التي تتحدث عن ظهور المهدي المنتظر في آخر الزمان، وقال بعد ذلك:
"إن الذي سنبايعه اليوم اسمه محمد بن عبدالله وهو من قريش وأبوه من الأشراف وأمه من نسل الحسين بن علي ولد فاطمة رضي الله عنهما وجميع الصفات المذكورة في الأحاديث منطبقة عليه ولله الحمد ومن أراد التثبت من أي شيء من هذا فالمجال مفتوح ونحن إخوانكم لا نبخل عليكم بشيء إلا أن نقول 'فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم'".
وأضاف "أيها المسلمون نبشركم في هذا اليوم المبارك بخروج الرجل الصالح المهدي الذي سوف يملأ أرض الله عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا سوف تنتهي".
وفور انتهاء الخطبة، بدأ جهيمان وأتباعه يجبرون المصلين على التقدم نحو الكعبة بين الركن والمقام، ومبايعة زوج أخته محمد بن عبد الله القحطاني بصفته "المهدي المنتظر".
فتوى على عجل
نزل الخبر كالصاعقة على المسؤولين السعوديين، الذين حاولوا إخفاء ما يقع عن الرأي الرأي العام الداخلي والخارجي، وقطعوا الاتصالات، وحاولوا دخول الحرم لتخليصم من جهيمان وجماعته، إلا أنهم فوجؤوا، بإطلاق الرصاص من قبل المسلحين المتحصنين داخل الحرم.
ووقفت الحكومة السعودية عاجزة عن اتخاذ أي قرار خصوصا وأن الدين الإسلامي يحرم القتال داخل الحرم المكي، فطلب المالك خالد بن عيد العزيز من رجال الدين إصدار فتوى تبيح التدخل بالقوة.
وأصدر 30 شخصا من كبار هيئة العلماء فتوى شرعية جاء فيها: "على ولي الأمر أن يقضي على فتنهم باتخاذ كل الوسائل، ولو أدى ذلك إلى مقاتلتهم".
بعد ذلك توجهت أعداد كبيرة كبيرة من الحرس الوطني والجيش السعودي إلى الحرم وحاصرت المتمردين بداخله، وبدأ تبادل إطلاق النار.
وفي اليوم الثالث قتل عبد الله القحطاني الذي قدم نفسه على أنه المهدي المنتظر، وهو ما شكل صدمة كبيرة لدى أتباعه، الذين كانوا يؤمنون أنه "مخلد" وأن الجيش السعودي لا يمكن أن يصيبه بأدى.
واستمر القتال رغم ذلك إلى اليوم الخامس عشر من شهر محرم، حيث تمكن الجيش السعودي من السيطرة على الوضع، وإلقاء القبض على جهيمان العتيبي.
عودة الأمور إلى نصابها
ونتيجة للعملية العسكرية قتل 12 ضابطا و 115 جنديا، و26 مدنيا بحسب الرواية الرسمية السعودية، غير أن بعض المصادر تشير إلى أن عدد القتلى كان بالمئات في صفوف القوات السعودية، وفي صفوف أتباع جهيمان قتل 117 شخصا، وأعدم منهم فيما بعد 61 شخصا، وسجن منهم 19 شخصا، وتم الإفراج عن 23 طفلا وامرأة.
في يوم 17 محرم من سنة 1400، تم إعادة فتح البيت العتيق أمام المصلين، وأدى العاهل السعودي صلاة المغرب به، وكانت أول صلاة جماعة تقام هناك منذ اقتحام جهيمان وجماعته، حيث عطلت الشعار لمدة 15 يوما. وفي اليوم الموالي توجه أكثر من 150 ألف مصلي إلى المسجد الحرام لحضور خطبة الجمعة، وهي الخطبة التي نقلتها العديد من إذاعات وتلفزيونات العالم.